**********************************
` الإخبات : الخبت المتسع المطمئن من بطن الأرض ، وأخبت الرجل ، قصد الخبت أو نزله ، ثم استعمل الإخبات استعمال اللين والتواضع ، قال تعالى : } فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ {[الحج/34] أى المتواضعين وقال أيضا : } إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {[هود/23] (1) .
والإخبات فى قوله تعالى : } وَلِيَعْلَمَ الَّذِين َ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ {[الحج/54] ، معناه أن القلوب تلين وتخضع ونرى معنى آخر يتسم بالتعقيد الذى لا يوجد عند الأوائل ، ويخرج من المدرسة السابقة ، يذكره الجيلى (ت:829هـ) ، فيقول : ( الإحسان أن يتحد البصر بالبصيرة ، فيشهدك الحق تعالى أنوار عظمته ساطعة على الوجود ، فيأخذك الصعق ، فحينئذ تبدو عليك شموس الجلال .. فتشهدها ببصيرتك كأنك ، ناظر إليها بالبصر لاتحادها بقوة أحدية نور اليقين ) (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. المناظر الإلهية ص181 ، ويرى الجيلى أن الإحسان على المعنى الذى ذكره هو ، فيه آفة معيبة ، وهو معنى اتحاد البصر بالبصيرة ، لأن ذلك حجاب ، والشيئان لا يصيرا شيئا واحدا إلا فى المجاز ، المرجع نفسه ص181 .
2. لسان العرب 2/27 ، القاموس المحيط 1/54 .
وتخشع وهو قريب من الهبوط فى قوله : } وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ {[البقرة/74] (1) ، ومن دعاء النبي e عن ابن عباس : " رب اجعلني لك ، شكارا لك ، ذكارا لك ، رهابا لك ، مطواعا لك ، مخبتا إليك ، أواها منيبا " (2) .
`الإخبات فى العرف الصوفى :
الإخبات فى العرف الصوفى يعنى السكون إلى اللَّه تعالى ، كما ورد فى قوله : } وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ { ، أى سكنوا إليه واطمئنوا (3) ، ومما ذكر لهم فى الإخبات قول الحكيم الترمذى (ت:320هـ) وهو يعدد أوصاف القلب ، وأعمال القلوب ، ويجعل الإخبات محله القلب :
( القلب هو معدن التقوى ، والسكينة والوجل ، والإخبات واللين والاطمأنينة والخشوع ، والتمحيص والطهارة ) (4) ، واستدل لذلك بالآية : } وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ {[الحج/54] (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. انظر المفردات ص141.
2. أخرجه الإمام الترمذى فى كتاب الدعوات 5/554 (3551) وقال : حديث حسن وأبو داود 2/83 (1510) وأحمد فى المسند 1/227 (1997 ) .
3. لطائف الإعلام 1/180،181 .
4. بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب ص54 ، وانظر فى التعرف على موقع القلب وأعمال القلوب ، موقف الصوفية من العقل حتى نهاية القرن الرابع الهجرى رسالة ماجستير ، د/محمد عبد الله الشرقاوى ، دار العلوم جامعة القاهرة 268سنة 1978م .
5. السابق ص54 .
ويذكر القشيرى (ت:465هـ) الإخبات ، على المعنى الوارد فى الأصول القرآنية ، ويفسره باستدامة الطاعة بشرط الاستقامة وبقدر الاستطاعة ، ومن أمارات الإخبات ، كمال الخضوع بشرط دوام الخشوع ، وذلك يكون بإطراق السريرة ، ويستشهد لذلك بقوله تعالى : } فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ {[الحج/34] (1) ، ويعرفه مرة أخرى بأنه التخشع لله بالقلب بدوام الانكسار ، ومن علامته الذبول تحت جريان المقادير بدوام الاستغاثة بالسر لقوله تعالى : } إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {[هود/23] (2) .
وينصف الكاشانى (ت:735هـ) ، عنما يجعل الإخبات عند الصوفية على أنواع (3) ، وإن كان ذلك معبرا عن تطور المعنى الدلالى للمصطلح عبر مراحل التصوف المختلفة ، وهى فى أغلبها متوافقة مع الأصول القرآنية ، فذكر منها :
1- إخبات العوام : وهو سكون النفس إلى الرجوع عن المخالفات ، وهو سكون البدايات .
2- إخبات المتوسطين : وهو الخلاص من تردد الخواطر ، بين الإقبال إلى اللَّه والإدبار عنه ، والدوام على الحضور والخدمة .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإشارات 2/542 ، وانظر حقائق التفسير للسلمى 1/360 وقارن .
2. السابق 2/130 .
3. معجم الكاشانى ص214 .
3- إخبات الخواص : وهو أن يكون الإنسان ممن يستوى عنده المدح والذم مع لائمته لنفسه ، وعماه عن نقصان الخلق عن درجته ، لإقامته على دوام العذل لنفسه والعذر لغيره .
4- إخبات البالغين : وهو إخبات من انقطع عن نفسه ، فضلا عن باقى الخلق لاستغراقه فى حضرة الحق (1) .
وهذا التقسيم فضلا عن كونه يفتقر إلى الدليل ، إلا أن إخبات البالغين مخالف للأصول القرآنية ، لكونه يخرج من مشكاة الفناء الحلولى .
**********************************