عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 30-12-2009, 01:34 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 23
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

الفريق الثاني: له وجهة أخرى تولاها ابن حزم الأندلسي، حيث جزم بأن أسماء الله الكلية محصورة في تسعة وتسعين اسما فقط وهي الواردة في الكتاب والسنة، ثم فسر بذلك حديث أبي هريرة t، وفي المقابل غض الطرف عن حديث ابن مسعود t في دعاء الكرب، ولما لزم ابن حزم استخراج التسعة والتسعين لم يتمكن إلا من جمع أربعة وثمانين اسما من الكتاب والسنة، قال رحمه الله: ( فصح أنه لا يحل لأحد أن يسمي الله تعالى إلا بما سمى به نفسه، وصح أن أسماءه لا تزيد على تسعة وتسعين شيئا لقوله عليه السلام: مائة إلا واحدا؛ فنفى الزيادة وأبطلها لكن يخبر عنه بما يفعل تعالى، وجاءت أحاديث في إحصاء التسعة والتسعين اسما مضطربة لا يصح منها شيء أصلا، فإنما تؤخذ من نص القرآن ومما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد بلغ إحصاؤنا منها إلى ما نذكر ) ([1])، ثم ذكر رحمه الله أربعة وثمانين اسما استخرجها من القرآن والسنة ([2]) .
أما الفريق الثالث: فهو فريق وسط تولى وجهته ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومن انتهج نهجهما من أصحاب الطريقة السلفية أو من المتكلمين الأشعرية ؛ فلم يقل بقول ابن حزم، ولم يتوسع في الاشتقاق كما فعل الفريق الأول؛ بل اتفقوا جميعا على أن الأسماء الحسنى توقيفية على النص، لكن أحدا منهم لم يستطع جمعها بتمامها أو حصرها من الكتاب والسنة، وبقي الباحث مترددا في فهم إجاباتهم عن كون أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة تتجاوز أو لا تتجاوز تسعة وتسعين اسما؛ فيراهم يأخذون بالروايتين الثابتتين معا، رواية أبي هريرة t ورواية عبد الله بن مسعود t .
سئل ابن تيمية عمن قال لا يجوز الدعاء إلا بالتسعة والتسعين اسما ولا يقول يا حنان يا منان، ولا يقول يا دليل الحائرين، فهل له أن يقول ذلك؟ فأجاب بأن هذا القول وإن كان قد قاله طائفة من المتأخرين كأبي محمد بن حزم وغيره، فإن جمهور العلماء على خلافه، وعلى ذلك مضى سلف الأمة وأئمتها، وهو الصواب لوجوه:
أحدها: أن التسعة والتسعين اسما لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي e وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب عن أبي حمزة، وحفاظ أهل الحديث يقولون هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث، وفيها حديث ثان أضعف من هذا رواه ابن ماجه وقد روى في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف، وهذا القائل الذي حصر أسماء الله في تسعة وتسعين لم يمكنه استخراجها من القرآن، وإذا لم يقم على تعيينها دليل يجب القول به لم يمكن أن يقال هي التي يجوز الدعاء بها دون غيرها، لأنه لا سبيل إلى تمييز المأمور من المحظور؛ فكل اسم يجهل حاله يمكن أن يكون من المأمور ويمكن أن يكون من المحظور، وإن قيل لا تدعوا إلا باسم له ذكر في الكتاب والسنة قيل هذا أكثر من تسعة وتسعين .
الثاني: أنه إذا قيل بتعيينها على ما في حديث الترمذي مثلا ففي الكتاب والسنة أسماء ليست في ذلك الحديث مثل الرب فإنه ليس في حديث الترمذي وأكثر الدعاء المشروع إنما هو بهذا الاسم .. وكذلك اسم المنان في الحديث الذي قال فيه النبي e لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، وهذا رد لقول من زعم أنه لا يمكن في أسمائه المنان .. وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة وثبت الدعاء بها بإجماع المسلمين، وليس من هذه التسعة والتسعين .. وتتبع هذا يطول .
الثالث: ما احتج به الخطابي وغيره وهو حديث ابن مسعود t عن النبي e أنه قال: ما أصاب عبدا قط .. قال الخطابي فهذا يدل على أن له أسماء استأثر بها ([3]) .
لقد كانت الإشكالية المطروحة دائما لدى الباحثين السابقين هي عدم التوصل إلى شروط نصية أو ضوابط نقلية إلزامية يؤدي تطبيقها إلى إحصاء تسعة وتسعين اسما فقط من القرآن وصحيح السنة، أو على نص ما أشار إليه ابن تيمية أعلاه أنه لا سبيل إلى تمييز المأمور من المحظور؛ فكل اسم يجهل حاله يمكن أن يكون من المأمور، ويمكن أن يكون من المحظور ([4]) .
وقد حاول بعض المعاصرين خوض التجربة دون التزام شروط نصية معلنة، فحاول استخرج الأسماء الثابتة في الكتاب والسنة باجتهاده؛ فتوصل بعضهم إلى ما يزيد عن التسعة والتسعين اسما أو ما يقل عن ذلك، وسوف نفصل نتيجة ما وصلوا إليه عند الحديث عن شروط الإحصاء، لكن الملاحظ أن الزيادة أو النقص فيما وصلوا إليه لا تتجاوز خمسة أسماء، وكأن الدائرة تضيق لتنير طريق السعي إلى تحقيق مقتضى حديث أبي هريرة t، والذي نص فيه النبي e على تسعة وتسعين اسما، أو مائة إلا واحدا ووعد من أحصاها بدخول الجنة .

1. انظر المحلى لابن حزم 8/31، والفصل في الملل والنحل 2/112.

2. انظر السابق 8/31 .

3. مجموع الفتاوى 22/481، 22/482، 22/483 بتصرف .

4. السابق 22/482 .
رد مع اقتباس