
30-12-2009, 01:35 PM
|
 |
نـجــم الـعـطــاء
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 23
|
|
الجمع بين رواية ابن مسعود ورواية أبي هريرة:
وما نود التنبيه إليه مما تجتمع الأدلة عليه في هذه القضية ومن خلال اعتقاد السلف المبني على النصوص القرآنية والنبوية أنه لا شك في أن جملة أسماء الله تعالى الكلية تعد أمرا من الأمور الغيبية التي استأثر الله بها، وأنها غير محصورة في عدد معين وهذا نص ظاهر في رواية ابن مسعود t، ولا يفهم من حديث أبي هريرة t الذي ورد فيه النص على تسعة وتسعين اسما حصرها جميعها بمجموعها الكلي؛ لأن المقصود بإحصاء هذا العدد إحصاء الأسماء الحسنى التي تعرف الله U بها إلى عباده في كتابه وفي سنة رسوله e ، ولا يدل على حصر أسماء الله الكلية في هذا العدد، ولو كان المراد الحصر لقال النبي e : إن أسماء الله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة أو نحو ذلك؛ فمعنى الحديث أن هذا العدد الذي تعرف الله به إلى عباده في كتابه وفي سنة رسوله e من جملة أسماء الله U ومن شأنه أن من أحصاه دخل الجنة، ونظير هذا أن تقول: عندي مائة درهم أعددتها للصدقة؛ فإنه لا يمنع أن يكون عندك دراهم أخرى لم تعدها للصدقة؛ فالمراد إذا الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر أسماء الله الكلية ([1]) .
قال ابن القيم: ( الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا تحد بعدد؛ فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل كما في الحديث الصحيح أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم ولم ينزل به كتابه، وقسم أنزل به كتابه فتعرف به إلى عباده، وقسم استأثر به في علم غيبه فلم يطلع عليه أحد من خلقه، ولهذا قال: استأثرت به، أي انفردت بعلمه ) ([2]) .
وقد أظهرت نتيجة هذا البحث أن ما تعرف الله به إلى عباده من أسمائه الحسنى التي وردت في كتابه وفي سنة رسوله e هي الأسماء التسعة والتسعون المذكورة في العدد النبوي المخصوص، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في المقدمة؛ فالأمر أصبح الآن مرهونا بشروط أو قواعد أو ضوابط أو أسس ــ سمها ما شئت ــ يستطيع من خلالها كل باحث من العامة أو الخاصة أن يطبقها بدقة على كل نص عند إحصائه للأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة وسيصل إن شاء الله إلى النتيجة ذاتها .
ظهور الأسماء الحسنى مرتبط بمقتضى الحكمة الإلهية :
الإحصاء في اللغة معناه الحفظ والجمع والعد والإحاطة، وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى: } يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ { [المجادلة:6]، وقال: } لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً { [الجن:28]، قال ابن منظور: ( الإِحْصَاءُ العَدُّ والحِفْظ وأَحْصَيْت الشيءَ عَدَدته وأَحْصَى الشيءَ أَحاط به ) ([3]) .
من الواضح اتفاق العلماء على أن أسماء الله الكلية لا تحصى ولا تعد؛ فهو سبحانه الذي يعلم عددها، أما تخصيص بعضها بتسعة وتسعين اسما وتأكيد النبي e بقوله مائة إلا واحدا فالعلة في ذلك والله أعلم أن كل مرحلة من مراحل الخلق يُظهر فيها الحق سبحانه وتعالى من أسمائه وصفاته ما يناسب الغاية من وجودها، ويحقق كمال الحكمة في تكوينها، ويظهر دلائل التوحيد في إبداعها، ففي مرحلة الدنيا وما فيها من شهوات وأهواء وشبهات واختلاف وتباين في الآراء، وتقليب الأمور للإنسان على أنواع الابتلاء، وحكمة الله في تكليفه بالشرائع والأحكام، وتمييز الحلال من الحرام، في هذه المرحلة تعرف الله U إلى عباده بجملة من أسمائه وصفاته تناسب حاجة الإنسان وضرورياته، فيبدي لربه أقصى طاقاته وإمكانياته في تحقيق التوحيد بمقتضى هذه الأسماء، تلك الأسماء هي المعنية بقول النبي e : ( إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا ) ([4]) .
1. انظر بتصرف شرح سنن ابن ماجه للسيوطي ص 275، وانظر أيضا مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 6/381، والفتاوى الكبرى 1/218 .
2. بدائع الفوائد 1/171، وانظر أيضا شفاء العليل ص 277 .
3. لسان العرب 14/184 .
4. البخاري في الشروط، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا 6/2691 (6957) .
|