
30-12-2009, 01:40 PM
|
 |
نـجــم الـعـطــاء
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 23
|
|
وأما ما ذكره في استبعاد اسم الفاعل الذي يدل على نوع من الأفعال ليس بعام شامل وأنه لا يكون من الأسماء الحسنى وتعليله ذلك بأن الأسماء الحسنى معانيها كاملة الحسن تدل على الذات ولا تدل على معنى خاص، ثم ضرب لذلك أمثلة بمجري السحاب وهازم الأحزاب والزارع والذارئ والمسعر فهذا أمر فيه نظر؛ لأن الأسماء الحسنى جميعها تدل بالمطابقة على الذات والوصف معا؛ فهي علمية ووصفية وليست أعلاما مجردة، وهي مترادفة باعتبار دلالتها على الذات ومتنوعة باعتبار دلالتها على الصفات .
كما أن اسم الفاعل هو ما يدل على التجدد والحدوث دون النظر إلى العموم أو الخصوص كالخالق والقاهر والرازق والشاكر والمالك والقادر وغير ذلك من الأسماء المشتقة من الأفعال؛ فهذه أسماء تحدث أثارها في المخلوقات بمقتضيات الزمان والمكان وإظهار حكمة الله في ابتلاء كل إنسان .
وكذلك المسعر اسم عام لا يظهر أثره في سلعة واحدة بل في كل السلع تدبيرا ورزقا وقبضا وبسطا لكل ما يتفاعل معه الإنسان في بيعه وشرائه، وليس الاسم مرتبطا بسلعة معينة أو مقيدا بزمان مخصوص أو بمكان دون آخر بحيث يمكن القول إنه نوع من الأفعال ليس بعام ولا شامل، كما أن الاسم لا يظهر أثره في البيع والشراء فقط بل يتعلق أيضا بمشيئة الله في إظهار أثر عدله وحكمه في الآخرة، وذلك بتسعير النار وزيادتها على من كفر بربه وتمادى في شركه ومات ظالما لنفسه مصرا على ذنبه دون إنابة أو توبة، قال تعالى: } وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً { [الإسراء:97] .
أما الأمثلة الأخرى التي ذكرها كمجري السحاب وهازم الأحزاب والزارع والذارئ فالعلة في عدم إحصائها ليس كما ذكر في كونها نوعا من الأفعال ليس بعام أو شامل وإنما لكونها مضافة كما في مجري السحاب وهازم الأحزاب، أو مقيدة كما في الذارع حيث ورد مقيدا بما يحرثون كما قال الله تعالى: } أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ { [الواقعة:63/64] .
وكذلك الذاريء لم يرد في القرآن اسما وإنما ورد فعلا، وورد في السنة بلفظ مقيد رواه أحمد من حديث عبد الله بن عباس t أنه قال: ( لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الدَّيْنِ قَالَ رَسُولُ اللهِ e : إِنَّ أَوَّلَ مَنْ جَحَدَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، قَالَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، إِنَّ اللهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَمُ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ ذَارِئٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) ([1])، فاللفظ ظاهر على تقيده على فرض صحة الحديث، والمعنى أخرج منه ما هو ذارؤه من البشر، وإن كان اللفظ الثابت الصحيح ليس فيه اسم الذارئ أصلا فالرواية الصحيحة المرفوعة: ( إِنَّ أَوَّلَ مَنْ جَحَدَ آدَمُ، إِنَّ اللهَ U لَمَّا خَلَقَه مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ ذَرَارِىَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فعَرضهُمْ عَلَيْهِ ) ([2]) .
وقد حرصت على لقاء الشيخ الدكتور الغصن حفظه الله أو الاتصال به هاتفيا لأسأله عن علة واضحة لاستبعاده اسم الله المسعر؟ ولماذا أدخل في جمعه وإحصاءه ثلاثة أسماء واستثنى المسعر من حديث أنس t الذي اشتمل على أربعة أسماء هي المسعر القابض الباسط الرازق، في حين أن الشيخ ابن عثيمين أدخل القابض والباسط واستثنى المسعر والرازق؟!
وبعد جهد كبير عثرت على هاتفه وتمكنت من الاتصال به وكان في دولة أخرى وأخبرني أنه لا يعرف علة أو ضابطا لذلك، وأنه لا دليل لديه على عدم اعتبار المسعر اسما، وقد عده ابن حزم والقرطبي، وذكر لي أيضا أن الأمر في إحصاء الأسماء ما زال غامضا يفتقر إلى مزيد من الدراسة، فجزاه الله خير الجزاء ونفعنا وإياه ببحثه المتميز في دراسة الأسماء، فقد اتفق معنا في خمسة وتسعين اسما .
وفي دراسته المتميزة عن صفات الله الواردة في الكتاب والسنة جمع الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف حفظه الله مائة اسم غير لفظ الجلالة، وقد تتبع في منهجيته ما ورد في النص بلفظ الاسم، وإن لم يبين ضابطا معلنا في جمعه من حيث الإطلاق أو عدمه أو دلالة الاسم على كمال الوصف أو غير ذلك مما سيأتي بيانه في شروط الإحصاء .
وقد ظهر ذلك في تردده بين الطبعة الأولى والثانية حيث تراجع عن بعض الأسماء التي وافقت معنا شروط الإحصاء وأدخل فيها ما لم يوافقها، فقال حفظه الله: ( أما الأسماء الحسنى فقد أضفت ثلاثة أسماء ترجح لي بالدليل أنها من أسماء الله U وهي الديان والمقيت والهادي، وتوقفت في اسمين فلم أوردهما في هذه الطبعة وهما العالم والوارث ) ([3])، ولم يبين الشيخ ماهية الدليل الذي ترجح لديه غير أنه أدخل الهادي في الطبعة الثانية وهو مقيد كما تقدم، وتوقف في العالم وهو مصيب في توقفه لأنه ورد مقيدا بالإضافة، لكن اسم الله الوارث الذي استبعده يتفق مع ضوابط الإحصاء كما سيأتي بيانه .
أما الأسماء التي عدها ولم تتوافق مع شروط الإحصاء فهي الأعز والحافظ والمحيط والهادي، وقد تقدم الحديث عن التقيد في الحافظ والمحيط والهادي، أما الأعز فلم يرد مرفوعا، وإنما ورد موقوفا على ابن مسعود t وابن عمر رضي الله عنهما: ( رب اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم ) ([4])، واعتباره الموقوف في حكم المرفوع عند بعض المحدثين لا يكفي لإثباته، وشأنه في ذلك شأن القراءة الشاذة التي صحت عن عمر بن الخطاب t ورواها الإمام البخاري في صحيحه عندما قرأ الحي القيوم في آية الكرسي: الحي القيام ([5])، وهي من حيث الصحة أثبت من رواية الأعز، ومع ذلك ذكر الشيخ حفظه الله الأعز اسما والقيام وصفا وغض الطرف عن اعتبار القيام اسما مع وضوح العلمية فيه كوضوح الشمس ([6]) .
1. المسند 1/371 (3519)، وانظر تعليق الحافظ ابن كثير على الحديث في تفسيره 1/335 .
2. مسند الإمام أحمد 1/251 (2270)، وانظر ظلال الجنة (204) .
3. صفات الله الواردة في الكتاب والسنة ص8، ط2 نشر دار الهجرة الرياض 1422هـ .
4. انظر مصنف ابن أبي شيبة 4/68، وصححه الألباني موقوفا في مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف وسرد ما ألحق الناس بها من البدع ص53 .
5. البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة نوح 4/ 1872 .
6. صفات الله الواردة في الكتاب والسنة ص347 .
|