ويذكر عبد القادر البغدادي أن كلام العلاف تعطيل للأخبار الواردة في الأحكام الشرعية عن فوائدها وتهكم واحتقار لما خالف ذلك من روايات السنة واستهزاء بناقليها .
قال السيوطي في رد الشيعة لكلام النبي e: (وأصل هذا الرأي الفاسد في عدم الاحتجاج بالسنة أن الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة، ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن، وهم في ذلك مختلفوا المقاصد، فمنهم من كان يعتقد أن النبوة لعلى وأن جبريل أخطأ في نزوله إلى سيد المرسلين، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، ومنهم من أقر للنبي e بالنبوة ولكن قال: إن الخلافة كانت حقا لعلى، فلما عدل به الصحابة عنه إلى أبى بكر y أجمعين .. كفروا الصحابة وبنوا على ذلك رد الأحاديث كلها، لأنها عندهم بزعمهم من رواية قوم كفار) .
·النقل الصريح لا يثبت إلا بقواعد المحدثين .
من القواعد التي نفهم من خلالها العقيدة الصحيحة التي كان عليها سلفنا الصالح، هي التسليم بأن الطريق الوحيد في ثبوت السنة هو الالتزام بقواعد المحدثين في معرفتها، فإذا كانت الآيات القرآنية لا تؤخذ بمعزل عن السنة وفصل أحدهما عن الآخر لا يقبل في دين الإسلام، فإن من أعظم الأسس في الاعتماد على السنة أن نسلم بأن الطريق الوحيد في ثبوتها هو الالتزام بقواعد المحدثين في معرفتها، وهو ما عرف عند المسلمين بعلم الحديث، أو العلم بالأصول التي يعرف بها أحوال السند والمتن، من حيث القبول والرد، وذلك فيما نقل من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وروايتها وضبطها وتحريرها وإسناد ذلك إلي من نسب إليه بتحديث أو إخبار أو عنعنة أو غير ذلك .
فليس كل ما نسب إلى النبي e يقبل بلا ضبط أو نقاش، فلا بد من الترابط العلمي المتصل بين رواة السند بحيث يتلقى اللاحق من الرواة عن السابق، فلا يكون بين اثنين من رواة الحديث فجوة زمنية أو مسافة مكانية يتعذر معها اللقاء أو يستحيل معها التلقي والأداء، كما يلزم اتصاف الرواة بالعدالة وهى صفة خلقية تكتسبها النفس الإنسانية، وتحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة، ومجانبة الفسوق والابتداع، ولا بد أن يتصف الراوي أيضا بالتتَثَبُّت من الحفظ، والسلامة من الخطأ، وانعدام الوهم مع القدرة على استحضار ما حفظه، وهذا شرط في جميع رواة الحديث الصحيح من أول السند إلى آخره، يضاف ذلك إلى عدم مخالفة الراوي لمن هو أوثق منه، ولا يكون أيضا في روايته علة قادحة ظاهرة تؤدى إلى عدم ثبوت الحديث .
أما الحكم على ثبوت الحديث بالأصول الكلامية أو المناهج الفلسفة، أو الأفكار العقلية أو الكشوفات الذوقية، فلا يعد رجوعا إلى قرآن وسنة بفهم سلف الأمة، لأن الآراء العقلية متعددة، والأذواق مختلفة ومتغيرة، ولا يمكن ضبط هذه الأشياء، فالحكم على أحاديث الرسول في هذه الحالة، يحكمه الهوى ويسوقه استحسان النفس.
ومن ثم لا عبرة بقول ابن عربي: (ربما صح عندنا من أحاديث الأحكام ما اتفق المحدثون على ضعفه وتجريح نقلته، وقد أخذناه عن الكشف عن قائله صحيحا، فنتعبد به أنفسنا على غير ما تقرر عند علماء الأصول، ورب حديث قد صححوه واتفقوا عليه وليس بصحيح عندنا بطريقة الكشف فنترك العمل به) .
ومعنى هذا أن الصوفية لهم حكمهم الخاص على إسناد الحديث، فعن طريق الكشف يتصلون رأساً بالنبي eويصححون الحديث أو يضعفونه !! وبهذا الهجوم على قواعد علم الحديث تنهدم السنة، وتبقى ألعوبة في يد هؤلاء الذين يحكمون عليها بما شاءوا، وليس من ضابط نرجع إليه، ولا فيصل نحتكم إليه، ما دام أن هذا الكشف علم غيبي، وقد يكون كشف هذا الصوفي غير كشف ذاك .