توحيد الأسماء والصفات ينفي قياس التمثيل
·الأصول الخمسة عند المعتزلة .
وقد أسس المعتزلة مذهبهم على خمسة أصول رنانة وشعارات فتانة. اغتر بها كثير من المسلمين في الماضي وكثير من العلمانيين في الحاضر:
الأصل الأول: التوحيد فقد زعموا فيه أنهم أهلُ التوحيد وخاصتُه. والمنزهون لربهم عن التشبيه. وخلاصة رأيهم في التوحيد أن الله تعالى لا صفة له لأنه منزه عن الشبيه والمثيل كما قال: } ليس كمثله شيء { [الشورى:11]. وهذا توحيد يناقض الفطرة ولا ينطلي إلا على أذهان السفهاء. بل هو توحيد يسخر منه جميع العقلاء فهل يصح أن تقول مثلا ولله المثل الأعلى: الأمير لا نظير له أبد. فيقال لك في ماذا؟ أو ما الذي انفرد به؟ فتقول: ولا شيء. أو لا صفة له أصلا.
ولا نظن عاقلا يقبل ذلك على نفسه فضلا عن ربه. فالعقلاء يمدون غيرهم بإثبات الصفات التي تليق بهم. والموحدون لله حقا يحمدون ربهم بإثبات أسمائه الحسنى وصفاته العليا. أما توحيد المعتزلة فتوحيد معكوس يزعمون فيه أنهم يمدحون ربهم وهم في حقيقة أمرهم يذمونه ويصفونه بصفات النقص التي لا يرضاه عاقل لنفسه. وقد أداهم توحيدهم هذا إلى القول بنفي صفة الكلام عن الله سبحانه وتعالى والقول بخلق القرآن وزعموا أنه مخلوق كسائر المخلوقات.
وقد وصل الأمر ببعضهم إلى محاولته تحريف القرآن حتى لا يؤمن بتلك الصفة فقال لأبي عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة: أريدك أن تقرأ هذه الآية: } وَكَلمَ اللهُ مُوسَى تَكْليمَا {[النساء:164] بنصب لفظ الجلالة. وذلك ليكون موسى u هو المتكلم. أما الرب عنده فلا يتكلم ؛ لأن الكلام لا يكون إلا بفم ولسان حسب زعمه فقال أبو عمرو: هب أني وافقتك في ذلك. فماذا تفعل بقوله تعالى: } وَلمَّا جَاءَ مُوسَى لمِيقَاتِنَا وَكَلمَهُ رَبُّه {[الأعراف:143] فبهت المعتزلي؟ ([1]).
الأصل الثاني: العدل ومعناه على رأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد. فعطلوا قوله تعالى: } وَاللهُ خَلقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ { [الصافات:96]. وستروا تحت شعار العدل نفي التقدير وعلم المقادير. وقالوا: إن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به إذ لو خلقه ثم عذبهم عليه كان ذلك جورا وظلما والله تعالى عدل لا يظلم ولا يجور.
وقد يفتن العامة بأصلهم هذا كما فعل العلمانيون والماديون الذين لا يؤمنون بالتقدير وجريان المقادير. أو كما هو منتشر بين العامة من العبارات التي يرددها الفاسقون كقول بعضهم: قدر أحمق الخطى سحقت هامتي خطاه. وهذه الكلمة كفيلة وحدها بإخراج قائلها من ملة الإسلام إن كان يدرك معناها ويفهم لوازمها. أو كقول بعضهم بجهلهم: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. وكأن أفعال الله أسيرة أو مرهونة بأفعال عباده. وقد قال الله في كتابه: } وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً { [الإنسان:30]. وقال: } وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ { [التكوير:29]. وقال تعالى: } وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ { [الأنعام:111]. وقال: } وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً { [الكهف:23/24].
لا فرق بين كلام هؤلاء وكلام المعتزلة فهذا الأصل الفاسد الذي رفعوا فيه شعار العدل. يلزمهم فيه أن الله تعالى يكون في ملكه ما لا يريده. فيريد الشيء ولا يكون ولازمه وصفه سبحانه بالعجز في مقابل وصفهم بمطلق المشيئة والحرية ونفي كونها مشيئة محدودة ومقيدة بالاختيار بين طريقين. طريق الخير أو الشر. أو طريق الإيمان أو الكفر. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. قال تعالى: } إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً { [الإنسان:3]. وقال: } هُوَ الذِي خَلقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ { [التغابن:2] .
الأصل الثالث: المنزلة بين المنزلتين ويقصدون به أن مرتكب الكبيرة في الدنيا في منزلة بين الإيمان والكفر. خرج من الإيمان ولم يدخل الكفر فليس بمؤمن ولا كافر وقد قرر ذلك الأصل واصل بن عطاء رأس المعتزلة لما رد على السائل في حلقة الشيخ الحسن البصري.
أما حكم مرتكب الكبير في الآخرة فهم يتفقون في ذلك مع الخوارج حيث يقولون بأنه مخلد في النار. ولا يخرج منها أبدا. ولا تجوز فيه شفاعة النبي S. والفرق بين المذهبين أن الخوارج يقولون بأن مرتكب الكبيرة في الدنيا كافر خارج من الملة والمعتزلة يقولون هو في منزلة بين المنزلتين. أو بين الإيمان والكفر.
الأصل الرابع: إنفاذ الوعيد ويقصدون به حكم مرتكب الكبيرة في الآخرة ويعني عندهم أن الله U يجب عليه أن يعاقب مرتكب الكبيرة من المسلمين ويخلده في النار أبد الآبدين. ولا يجوز أن يخرجه من النار بشفاعة أحد من المؤمنين حتى لو كان الشافع سيد الأنبياء والمرسلين. فهم يشبهون الخوارج في قولهم: إذا توعد الله بعض عبيده وعيدا فلا يجوز ألا يعذبهم ويخلف وعيده. وكأنه سبحانه مقيد لا يعفو عمن يشاء ولا يغفر لمن يشاء. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
روي عن قريش بن أنس قال : سمعت عمرو بن عبيد يقول : يؤتى بي يوم القيامة فأقام بين يدي الله فيقول لي : أقلت إن القاتل في النار ؟ فأقول : أنت قلته ، ثم تلا هذه الآية : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93) حتى إذا فرغ من الآية فقلت : وما في البيت أصغر مني : أرأيت إن قال لك : أنا قلت : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48) من أين علمت أني لا أشاء أن أغفر لهذا ؟ فما رد علي شيئا .
(1)السابق168.