عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 07-01-2010, 12:01 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 23
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

فإذا كان مصطلح الأصول قد اشتهر بين السلف مرتبطا بالفقه ، إلا أن اقترانه بالدين كان أشعري المنشأ والتكوين ، فأغلب الذين ابتدعوه واستعملوه كانوا من متكلمى الأشعرية ، وكانوا يرغبون أن تكون أصولهم متميزة عن الأصول الخمسة عند المعتزلة ، حيث اعتبروا أنفسهم أهل السنة والجماعة الذين جمعوا حسب زعمهم بين عقيدة السلف أصحاب المدرسة النقلية وعقيدة المعتزلة أصحاب المدرسة العقلية ، فابتدعوا أصولا فكرية أثبتوا بها سبع صفات فقط بدلالات عقلية إرضاء للسلف ، وعطلوا باقي النصوص التي تدل على الصفات الخبرية إرضاء للمعتزلة ، تحت مسمى التأويل وبحجة أن هذه النصوص توهم التشبيه وظاهرها باطل ، ثم أطلقوا على أصولهم في التوحيد الجديد الذي ابتدعوه مصطلح ( أصول الدين ) .
وأول من عرف عنه هذا الاصطلاح هو أبو القاسم عبيد الله بن أحمد البلخي (ت:319هـ) إذ أنه ألف كتابا سماه : ( أوائل الأدلة في أصول الدين ) ، وقام بشرحه أبو بكر بن فورك الأصبهاني (ت:406هـ) وكلاهما ضليعان في المذهب الأشعري ، وقد ألف أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد النيسابورى (ت: 478هـ) كتابا سماه : ( الغنية في أصول الدين ) نسجه أيضا على طريقة الأشعرية ومنهجهم ، قال في أوله : ( فصل في بيان العبارات المصطلح عليها بين أهل الأصول منها : العالم هو اسم لكل موجود سوى الله تعالى وينقسم قسمين : جواهر وأعراض ، فالجوهر كل ذي حجم متحيز والحيز تقدير المكان ، ومعناه أنه لا يجوز أن يكون عين ذلك الجوهر حيث هو ، وأما العرض فالمعاني القائمة بالجواهر كالطعوم والروائح والألوان ، والجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتصور تجزئته عقلا ولا تقدير تجزئته وهما ، وأما الجسم فهو المؤلف وأقل الجسم جوهران بينهما تأليف ) ، ثم بدأ يطبق هذه الأصول على ذات الله وصفاته وأفعاله فينفي بها ما يشاء ويثبت .
وعلى الوتيرة نفسها ألف جمال الدين أحمد بن محمد بن محمود بن سعيد (ت:593هـ) كتاب : ( أصول الدين ) انتهج فيه مذهب المتكلمين من الأشعرية ، ومما جاء فيه : ( فصل صانع العالم لا يقال له : أين هو ؟ لأن أين يستخبر به عن المكان ولا مكان له ) ، وقال حاجى خليفة عن فخر الدين الرازي : ( الأربعين في أصول الدين للإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت:606هـ) ، ألفه لولده محمد ورتبه على أربعين مسألة من مسائل الكلام ) ، ومعلوم أن الرازي من أعمدة المذهب الأشعري .
وقال ياقوت الحموي في ترجمة الجوينى (ت: 874هـ) : ( أبو المعالي عبد الملك بن يوسف الجويني إمام الحرمين أشهر من علم في رأسه نار ، كان قليل الرواية معرضا عن الحديث وصنف التصانيف المشهورة نحو الشامل في أصول الدين على مذهب الأشعري والإرشاد وغير ذلك ) ، ومن المصطلحات التي أطلقت على علم التوحيد وشاعت حتى الآن :
(6- علم الكلام : لما ظهرت مذاهب الضلال في باب العقيدة على يد الجهمية والمعتزلة والأشعرية ، وبنوا أصول عقيدتهم على الححج العقلية والكلام الفاسد في باب الغيبيات ونفي الصفات ، ولم يستندوا إلى ما ورد في الأدلة القرآنية والنبوية إلا باعتبارها دليلا ثانويا لا يعد أساسيا في إثبات العقائد ، بل ما وافقهم منها أخذوه وما خالفهم عطلوه ، أطلق هؤلاء وغيرهم على مسائل التوحيد والعقيدة علم الكلام لكثرة الجدل بين الطوائف المختلفة في مسائله ، أو لأن أعظم مسألة من قضايا هذا العلم حصل فيها النزاع هو كلام الله سبحانه وتعالى ، وهذه التسمية ليست معتمدة عند السلف أهل السنة والجماعة بل آراؤهم مجتمعة على ذم الكلام وأهله الذين عارضوا به الكتاب والسنة .
وتجدر الإشارة إلى أن السلف لم يمنعوا الاحتجاج بالأدلة العقلية لتأييد الأصول القرآنية والنبوية ، وإنما منعوا أن تبنى عليها عقيدة المسلم في الغيبيات وباب الأسماء والصفات أو يعارض بها الأدلة النقلية ، قال ابن الجوزى :
( وقد تنوعت أحوال المتكلمين وأفضى الكلام بأكثرهم إلى الشكوك وببعضهم إلى الإلحاد ، ولم تسكت القدماء من فقهاء هذه الأمة عن الكلام عجزا ، ولكنهم رأوا أنه لا يشفي غليلا ثم يرد الصحيح عليلا ، فأمسكوا عنه ونهوا عن الخوض فيه حتى قال الشافعي رحمه الله : لأن يبتلى العبد بكل ما نهي الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في الكلام ... وقال : حكمي في علماء الكلام أن يضربوابالجريد والنعال ، ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام ، وقال أحمد بن حنبل : لا يفلح صاحب كلام أبدا ، علماء الكلام زنادقة ) .
وقد حذر أتباع السلف الصالح من هذا العلم ، وألفوا كتبا في ذمه ، منها كتاب : ( تحريم النظر في كتب الكلام ) لأبى محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة ، ومنهم من كتب يحذر من صعوبته وأنه للخواص ، كما فعل أبو حامد الغزالي في كتابه : ( إلجام العوام عن علم الكلام ) ، وقد ألفت كتب كثيرة من قبل المتكلمين في هذا العلم ، معتبرين إياه علم التوحيد الأمثل الذي نزل به جبريل على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر كتاب : ( نهاية الإقدام في علم الكلام ) لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت:548هـ) ، وكتاب : ( الداعي إلى الإسلام في أصول علم الكلام ) ، لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد الدفع (ت:577هـ) .
وكذلك كتاب : ( مطية النقل وعطية العقل في علم الكلام ) ، لمحمد بن إبراهيم الصوفي (ت:622هـ) ، وكتاب : ( غاية المرام في علم الكلام ) لسيف الدين أبى الحسن الآمدي (631هـ) ، ( وزبدة الكلام في علم الكلام ) لصفي الدين الهندي (ت:715هـ) ، وكتاب : ( علم الكرام في علم الكلام ) للشيخ زين الدين الملطي (ت:788هـ) ، وكتاب : ( والمواقف في علم الكلام ) للعضد الدين الإيجي (ت:1000هـ) ، وقال صديق بن حسن القنوجي : ( علم أصول الدين المسمى بعلم الكلام هو علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها وموضوعه الموجود من حيث هو موجود ) .
هذه أغلب المصطلحات التي وردت علما على علم التوحيد تعبر عن التطور التاريخي للمراحل التي مر بها ، وقد كان السلف الصالح على أعلى درجات التوحيد والإيمان ، وكان اللفظ الشائع بينهم للدلالة على علم التوحيد لفظ الإسلام والإيمان تعبيرا عن خضوعهم لله وحده وعدم الإشراك به ، والإيمان بكل ما ورد في الكتاب والسنة مما يتعلق بذات الله وصفاته وأفعاله .
نستكمل في المحاضرة القادمة بإذن الله بقية الأمور التي تتعلق بتقسيمات التوحيد وأنواعها ، كيف ظهرت واستقرت واستمرت حتى الآن ؟ ، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

تفريغ المحاضرة الأولي من أنواع التوحيد فضيلة الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني استاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة
رد مع اقتباس