انقطعت النت عني زمناً ثم اتصلت كي تفتح صندوق بريدي ، يعج بالرسائل ، تلك التي يرسلها مجهولون لمجهولين عن لا أضرار لا تحصى و منافع لا تعد و مجهولات لا يفيد العلم بها شيئاً . و لأن الوقت لا يعانق يومي و لا يمنحني بركاته فإنني اعتمد البصيرة كي أفرز من ذلك ما يعنيني أعصر منه بعض الفائدة . و إذ يعتريني الملل أحذف ما لا أقدر على تتبعه .
تصل إلي الرسالة العشرون و أنا على شفا الملل فأهم بحذفها ، بها دعاء لكشف الهموم . و الهم ملاصق لجلدي ينازعني صوابي و ينجح في انتزاعه رهينة لديه ريثما أسترده . أحوج الناس لدواء الهم أنا و أقوى عناصر الدواء الفعالة الدعاء . لكن الخط صغير و أنا بالكاد أرى ...
أين زر الحذف ؟
_ أجل
_ لا ، لحظة ، ألمح اسم علي ابن أبي طالب رضى الله عنه يذيل الدعاء و الرجل ماركة مسجلة بالنسبة لي منذ سني المراهقة ، صحبتني أقواله عبر مفازات المصائب و متاهات الأنواء .
أنسخ الدعاء أولاً قبل الحذف و أنقله لملف في حاسبي ، أغير اللون و الخط شكلاً و حجماً لما يناسب عيني و عقلي و أقرأ :
هذا دعاء مروي عن على بن أبي طالب ذكره القاضي التنوخي بسنده من كتاب الفرج بعد الشدة والضيقة الجزء الثاني
يا من تُحل به عُقد المكاره، ويفل حد الشدائد، ويا من يُلتمس به المخرج، ويُطلب منه روح الفرج،
أنت المدعو في المهمات، والمفزع في الملمات، لايندفع منها إلا ما دفعت، ولا ينكشف منها إلا ماكشفت، قد نزل بي ما قد علمت، وقد كادني ثقله، وألم بي ما بهظني حمله، وبقدرتك أوردته علي، وبسلطانك وجهته إلي، ولا مصدرلما أوردت، ولا كاشف لما وجهت، ولا فاتح لما أغلقت، ولا ميسر لما عسر، ولا معسر لما يسرت، فصل اللهم على محمد، وعلى آل محمد، وافتح لي باب الفرج بطولك، واحبس عني سلطان الهم بحولك،وأنلني حسن النظر فيما شكوت، وأذقني حلاوة الصنع فيما سألت، وهب لي من لدنك فرجا هنيا عاجلا، وصلاحاً في جميع أمري سنياً شاملا، واجعل لي من عندك فرجاً قريباً، ومخرجاً رحباً، ولا تشغلني بالاهتمام عن تعاهد فروضك، واستعمال سنتك، فقد ضقتُ ذرعاً بما عراني، وتحيرت فيما نزل بي ودهاني، وضعفتُ عن حمل ما قد أثقلني هماً ، وتبدلتُ بما أنا فيه قلقاً وغماً ، وأنت القادرعلى كشف ما قد وقعت فيه، ودفع ما منيت به، فافعل بي ذلك يا سيدي ومولاي، وإن لم أستحقه، أجبني إليه وإن لم أستوجبه ، يا ذا العرش العظيم ، يا ذا العرش العظيم ،يا ذا العرش العظيم.
ويضاف إليه هذا الدعاء:
اللهم خذ بيدي في المضائق واكشف لي وجوه الحقائق ووفقني لما تحب واعصمني من الزلل ولا تسلب عني إحسانك وقني مصارع السوء واكفني كيد الحساد وشماتة الأضداد وألطف بي في سائر
تصرفاتي واكفني من جميع جهاتي يا أرحم الراحمين .
آميـن يا رب العالمين
***************
أقرأه و أنا طامعة في فرج رب العالمين ثم أنساه و أمضي في وجعي في قلب المتاهة اقتراباً من حافة غياب الوعي .
يدق البواب الجرس يستأذن في الخروج .
_ السلم لم يتم تنظيفه لعشرة أيام خلت ، جمع من التراب ما صيّره أذى لجهاز التنفس و للنفس معاً . هجرك لأعمال النظافة و خروجك الدائم يخل بمصالحنا ، عمال التوصيل لا يفتح لهم أحد بوابة عليها أن تظل مغلقة في صحراء خالية من البشر إلا قليلاً .
_ سأنظفه مساء
_ هكذا تزعم ، مرور الأيام الطوال تشهد بخطأ قولك .
تاريخه معي سجل من اللامبالاة و رفض النصح ، عمل لا أنتظره منه . يخرج كما يحلو له و يعود وقتما يشاء .
تمر ساعة أخرى ثم أسمع دق الجرس يريني السلم نظيف انتهى من مسحه ، يستأذن مجدداً . يفاجأني فعله ، قياساً على أفعاله السابقة ، توقعت أن يخرج دون تنظيف السلم .
هذه المرة يلقى طلبه القبول .
*********************
في حجرتي ، أدير الحاسب مجدداً . يستقبلني الدعاء تمر بنفسي قوة فعله .
لي حاجة أخرى ، الصوت في حجرة المدرسات مزعج حد البؤس ، يطغى على وجودي ، ينزع صوت العلوم من عقلي ، ، يتلف البركة في يومي ، يذهب بركة القرآن في قلبي ، ما أحتاج سماعه بوضوح.
تلاشت نصيحتي بين أصوات السخف . ضبط الأمر يلزمه أداة ذات طاقة عالية . ربما يناسب الدعاء تلك المهمة ، أخبركم بإذن الذي وضعه أمانة عندي كي أضعه بين أيديكم .