محمد فى قافلة "خديجة" :
عندما جاء يوم الرحيل مع القافلة أعطت "خديجة" مالها إلى "محمد" وزودته بنصائحها وبعثت معه غلاماً إسمه "ميسرة" , وأمرت هذا الغلام أن يطيع محمداً وينفذ أوامره , وودعتهم كما ودعت باقى الراحلين , ثم وقفت تنظر للقافلة وهى تبعد عن الأنظار منطلقة إلى الشمال . وكانت القافلة تشق طريقها بين الجبال والرمال فى الطريق إلى الشام حيث مرت القافلة بوادى القرى ومدين وديار ثمود وغيرها من الأماكن التى مر بها "محمد" مع عمه "أبو طالب" وهو فى الثانية عشر من عمره , وكان "محمداً" مسروراً بتلك الرحلة التى خرج فيها لتجارة "خديجة" , وكان يقضى ليله وهو ينظر إلى السماء متأملاً فى صنع الله وقدرته , ويقضى نهاره متأملاً فى تلك الصحراء الفسيحة ورمالها الدقيقة , وجبالها الثابتة التى تحيط الطريق .
وسارت القافلة حتى وصلت إلى سوق بُصرَى وهى موضع بالشام تنسب إليها السيوف , فنزل الجميع ليستريحوا عند صومعة الراهب بحيرى , ما عدا "محمد" فإنه نزل ليستريح تحت ظل شجرة فى السوق قريباً من الصومعة لا تمتاز عن غيرها من الأشجار بشئ. وكان فيها راهب من رهبان الشام يسمى "لـَسطورَى" , فنظر إلى "ميسرة", وقد كان يعرفه من قبل, وقال له : "يا ميسرة, من هذا الذى تحت الشجرة ؟"
فأجاب "ميسرة" : "إنه رجل من قريش, من أهل الحرم ."
فصاح فيه الراهب قائلاً : أبـُعث هذا الرجل ؟
فرد "ميسرة" فى دهشة : وماذا تعنى بهذا البعث ؟
فقال بلهفة الواثق : إن لم يكن قد بـُعث فسوف يـُبعث برسالة الله للناس , فما جلس تحت هذه الشجرة إلا نبى .. إن هذا خاتم النبيين . ليتنى أدركه حين يؤمر بالخروج .
وما كادوا يصلون إلى سوق "بصرى" ودخلوا السوق مع القافلة حتى إجتمع عليهم المشترون وأعجبتهم سلع القافلة وكأن السوق ليس فيه غيرها أو مثيلها وقد أظهر "محمداً" مهارته فى البيع حتى فرغوا من البضاعة فى وقت قصير والتجار من حولهم ينظرون لهم فى عجب , وكان الله مع "محمد" فى الشراء كما كان معه فى البيع فلم يدخل السوق شارياً حتى دعاه البائعون وعملوا على تقليل أسعار سلعهم له , فلم يعرض عليهم قيمة ثمناً لبضاعتهم إلا قبلوها والناس فى حيرة يتسآلون عن هذا التاجر الذى سبق كل التجار .
إشترى "محمد" ما أراد من السلع. وكان بينه وبين رجل إختلاف فى سلعة, فقال الرجل لمحمد : "إحلف باللات والعزى"
فقال "محمد" : "ما حلفت بها قط"
فقال له الرجل : "القول قولك"
وخلا الرجل "بميسرة", وقال له : "هذا نبى, والذى نفسى بيده لهو النبى الذى تجده أحبارنا موصوفاً فى كتبهم"
ثم إنصرفت القافلة كلها. وكان "ميسرة" يعى كل مايشاهده من أحوال "محمد" , وما يراه من تكريم الله إياه , وعنايته به, ومزيد رعايته فى حله وترحاله , وبيعه وشرائه.
|