عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 11-10-2006, 07:20 PM
الصورة الرمزية FRANKENSTEIN
FRANKENSTEIN FRANKENSTEIN غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
العمر: 34
المشاركات: 2,829
معدل تقييم المستوى: 0
FRANKENSTEIN is an unknown quantity at this point
افتراضي

ام ميمي التي اكلها الربو ونحن عنها غافلون! (2)
عائلة ام ميمي تحدث اخبارها!





لم تكن مفاجئة الفأر الاضافي في غرفتي الكائنة بشقة ام ميمي امرا سهلا بالنسبة لي, ليس لانني شعرت بان ام ميمي مارست علي خداعا استراتيجيا جعل الثقة بيننا امرا صعب المنال, ولكن لان وجود فأرين يشاطرانك غرفة واحدة يعني امكانية ان يشاطرك فيها المزيد من الفئران, فمن البديهي ان يغري دفء المكان الفأرين الاصليين بالتزاوج وانجاب صبيان وبنات يملوا علينا الغرفة لنعيش فيها سويا كعائلة متماسكة تربطها اواصر المودة, صحيح انني لم انس منهما الميل الى الانجاب او مأجلين الموضوع ده شوية ناهيك عن انني لم اقم اساسا بالكشف على جنس اي من الفأرين للتاكد من كونهما "كوبلز" فعلا, فالوقت الذي قضيناه سويا لم يكف لتربية عشرة لازمة تسمح بسؤال شخصي مثل هذا, لكنني لم اشك لوهلة في كونهما فأرين شاذين يعيشان سويا, فلم فلم يكن الشذوذ وقتها قد انتشر بالصورة التي نراها الان. على اي حال لم اشأ في التدخل في قراراتهم الشخصية ولم افكر لوهلة في تحجيم رغباتهم الاسرية, فقط قررت الا ابادرهما بالعداوة وانقل مقر نومي الى الصالة قانعا بلعب دور نديم الراح للسيد ميمي الذي هو في الاصل عزت.

ربما تسألني عن السبب الذي دفعني لعدم التخلص من الفأرين وتحرير كامل تراب الغرفة منهما, الحقيقة ان الامر كان متعذرا بسبب عدم وجود بند في الميزانية يسمح بذلك, خاصة ان الثلاثة جنيهات المفروضة لكل يوم كانت تشمل نفقات الطعام والشراب والذهاب والاياب من الجامعة في اتوبيس به الحد الادنى من الالتصاقات غير البريئة, وكان من الصعب التفريط في اي من ذلك من اجل شراء سم يناسب حجم الفاراين وقدرتهما على المراوغة, كان الامر يتطلب تعاونا مشتركا بيني وبين ميمي وامه, لم يكن لدى السيدة الفاضلة مانع مع انها تنام على سرير مرتفع ولاتنام مثلي على الارض, لكنها قالت لي "شوف الواد ميمي خليه يديك فلوس انا ماعنديش فلوس بس ماعنديش مانع", اكبرت لها ان انها اعطتنا الغطاء السياسي الذي كنا نحتاجه لمقاومة الفأرين, فقد كان صعبا علينا ان نتحرك في وجود "مانع ام ميمي", ومادام ميمي سيوفر المتبقي من التمويل اذن لا مشكلة حتى لو تطلب الامر التخلي عن وجبتين او ثلاث يتم توزيعها على ايام الاسبوع, كان رد ميمي غير متوقع, ليس فقط لانه بدأه بوصلة سماعي كار عزفها مستخدما منطقة مابين انفه واذنه الوسطى اوصلت رفضه الكامل للفكرة دون ان ينبس ببنت شفة -مشيها شفة- بعد ذلك لكي يستخدم جماليات اللغة العريبة في التوكيد اللفظي والمعنوي مع الضغط على مخارج الحروف والتلويح بزجاجة السبرتو في هواء الصالة غير الطلق قائلا " شوف مش الست المتلقحة جوه دي امي بس انا ماشفتش اوطى منها.. انت عارف انت لو شقيت جوفها هتلاقيه محشي فلوس -استوقفني تعبير جوفها بما له من دلالات حميمية تفيد التماهي بين الام والارض-.. تقوم تاخد مني فلوس.. طب انا لما اديك فلوس عشان تسم الفيران.. انا مين اللي يسممني", لم يمهلني الفرصة لمحاولة البحث عن اجابة عن سؤاله الامبيريقي المحدد, فجأة قفز من على الكنبة التي كان يحتلها في الصالة وهو يصابق الشرر الذي قفز من عينيه ليشير لي باصبعه الوسطى محذرا -للعلم تستخدم الاصبع الوسطى في بعض ثقافات شارع فيصل للتحذير وليس للاهانة- "وله.. انت هتقلب لنا دمغنا يااه.. سيب الفيران في حالها يااه.. ماطول عمرنا عايشين معاهم وماشفناش منهم حاجة وحشة.. هتربي بيننا عداوة ليه"؟!.

هززت رأسي له مسلما وقد التصقت بالحائط, وماعن جبن فعلت بقدر ما الجمني منطقه البيوريتاني الطهراني الذي جعلني اشعر انه اكبر من ان يكون عزت, واسمي من ان يكون صبي ميكانيكي, هو كالفليشوف دبشليم او اشد حكمة بحيث يرى مالم اره بعيني القاصرتين عندما قررت ان اعلن الحرب على اخواننا من الفئران الذين لم يفعلوا شيئا سوى الرغبة في العيش المشترك, ولان تحذير ميمي كان قاطعا بعدم فك ارتباط المسارين الفأري والبشري في الشقة فقد قررت ارجاء فكرة التخلص منهما الى حين ميسرة على ان يكون ذلك في السر, قانعا بالنوم في الصالة حتى يقضي الله امرا كانم مفعولا.

عم السلام ارجاء البيت واخذت العلاقات بيني وبين الفأرين تتطور شيئا فشيئا الى درجة اننا اصبجنا نتبادل النظرات العاتبة وهزات الرأس المرحبة وبع الاصوات المعبرة عن المودة, وكان يمكن لعلاقتنا ان تطور اكثر فنتحلق سويا حول مائدة العشاء عند عودة ميمي من العمل وعودتي من الجامعة لولا ان عاصفة هوجاء بددت تماسك اسرتنا السعيدة التي اضحت فجأة أسرة أناخ عليها الدهر.

مرضت ام ميمي, او قل اشتد عليها المرض فمنذ عرفتها وهي مريضة, تفصل بين كل كلمتين بسعلة قصيرة صارت مع الوقت امرا من لاوازم كلامها اقلق عندما لا تصدره واقول لها "ايه يا ام ميمي شرقتي.. اجيب لك ميه"؟, فترد علي بسعلة تطمئنني انها بخير. هذه المرة تحول سعال الربو الذي كانت تعانيه الى ازمة عاتية شرسة صحيا ونفسيا داهمتها عندما اكتشفت ان ميمي سرق تحويشة عمرها التي كانت مبلغا ضخما عندما علمت به اهتزت جوانحي, ليس لان ميمي سرقه, بل لان ام ميمي نجحت في تمثيل دور الفقيرة بجدارة كل هذا الوقت, هذه السيدة التي لاتأكل الا الثريد التي تضعه بمرقة رجلين الفراخ, ولا تشرب الا اعقاب السجاير التي تجلس بالساعات لالتقاطها من ارض محطة الاتوبيس المجاورة لسنترال الهرم, تمتلك مائتين وثلاثين جنيها مرة واحدة, اي سيدة متحجرة القلب هذه, "اه ياولية ياللي هتموتي كافرة مستخسرة في ابنك فلوس زي دي", هكذا قال لها ميمي وهو يبكي عندما واجهته باكتشافها اختفاء تحويشة عمرها التي كانت قد حفرت لها مخبئا في قعر الكومودينو المجاور لسريرها, كان ميمي قد حاول القاء التهمة على الفأرين, لكن امه قمعته فورا بحركة تصويب باستخدام اصبعها الوسطى -الذي يستخدم لدى امهات بعض مناطق فيصل والسيسي للتصويب- وقالت له "الفيران دي تعرف ربنا احسن منك ياسكري ياللي نجست لنا الشقة". بالمناسبة كانت تلك فرصة لكي اكتشف ان لام ميمي موقفا معارضا لادمان ميمي شرب الخمور في الشقة الطاهرة -اذا سلمنا ان مايشربه ميمي يصح ان نسميه خمورا واذا سلمنا ان الشقة التي نسكن فيها طاهرة هذا طبعا بعد تسليمنا انها شقة-.. تذكرت انني كنت قد شكوت لها من سكر ميمي ذات نهار جمعة عندما كنا نجتمع سويا بسبب عدم ذهابي الى الجامعة وخلو البيت من ميمي الذي يكد في رزقه, فقالت لي لائمة "وهي يعني الخمرة حرام والعيشة اللي احنا عايشينها دي مش حرام.. ياخويا سيبه يشرب خمرا احسن مايشد بودرة.. اهو الخمرة بيفوق منها انما البودرة هتلحس دماغه.. وبعدين ده انا سمعت مرة شيخ بيقول ان الخمرة مش حرام لو كانت علاج". هكذا في بضع فقرات معدودة كشفت لي ام ميمي عن مشاعر امومة فياضة وقدرة واسعة على الاجنهاد فضلا عن حس تربوي يقدر درجات الخطر التي يمكن ان تحيق بابنها وتتخير اخف الضرر منها.

لم يسكت ميمي على اتهام امه له بانه قام بتجنيس الشقة, وياليته سكت وماقام بكشف المستور لكي يجرح امه في الصميم ويعيد اليها ذكريا الماضي الاليم التي كادت تنساها, قال لها ميمي وهو يرتجف مظهرا جانبا طفوليا لم اكن قد انسته منه "انتي اللي بتتكلمي عن النجاسة.. الشقة دي نجسة من يوم ماسكنتيها انت وجوزك ال...-لفظ شعبي يقال عن الشخص الذي يوفق رأسين في الحرام- وكنتو بتشتغلوها في ال... -لفظ شعبي يقال عن الحرام الذي يقوم شخص بتوفيق رأسين او اكثر حسب رغب الزبون-".. صدمني الاتهام فلم اكن اتوقع ان ام ميمي التي تحرص على تشغيل اذاعة القران الكريم مرة على الاقل كل شهرين يمكن يكون لها في اللي اسمه ايه, لكن ام ميمي لم تصدم قط وكشفت عن صلابة وصلادة تليق بسيدة قوية الشكيمة شاب حميع شعرها بفعل الزمن -وهو ماكانت تتفاخر به دائما وان كان بالعامية ان اردت الدقة-. قالت له بصوت ثابت دون ان يهتز لها جفن "الفلوس دي هي اللي عملتك بني ادم ياابن الكلب.. وبعدين هو كان بخطري.. مانت عارف انه كان غصب عني بس كنت هاقف ازاي قصاد ابوك شعراوي الزناوي الواطي.. مانت طالع له وروحك فيه.. فاكرني نايمة على وداني ومش عارفة انك بتروح له في الضاهر وبتاخد منه فلوس.. وحياة امك اللي شمعتها مااتطفت في الحرام لاكون مبلغة عنك البوليس لو مارجعتش الفلوس بكرة".

كانت المفاجات التي حملتها كلمات ام ميمي القليلة اكثر من قدرتي على الاحتمال, اذن فلميمي اب مازال حيا وكان يرزق من اللي اسمه ايه واسمه شعراوي, وكانت الام متواطئة في عمله المعيب مع عدم اغفال انها لم تدنس في اللي اسمه ايه ده ابدا, وكان ثمة خلاف ادى الى تفكك العائلة وانفصالها الى قسمين متعاديين بينهما ماصنع الحداد. اثرت الصمت محاولا الفهم واثر ميمي ان يقوم بالطقس الحميم الذي كان ينهي به المناقشات الحامية الوطيس بينه وبين امه, حيث يقوم بدلق ماتبقى من زجاجة السبرتو على روحه ثم يخطف وابور الجاز ليفرغه ويدلق مابه ايا كان على ملابسه ثم يمسك علية الكبريت ويشعل منها عودا ويلوح به في الهواء بعيدا عنه وهو يقول لها بصوت متهدج يمتزج فيه البكاء بالاصوات الانفية "وحياة امي هولعلك في روحي واعملك فديحة ياولية ياكافرة ياللي عمرك ماهتوردي على جنة". (لاحظ هنا الحس الديني حاضر بقوة في علاقة ميمي بامه, وان مصير كل منهما في الدار الاخرة امر يشغلهما بشدة على عكس مايبدو). لم يكن كل مايفعله يهز شعرة في اي حتة في ام ميمي على كثرة مابها من شعر وماعليها من حتت. كانت دائما تقف ضاحكة وتقول له "لو راجل اعملها.. ده انت مره.. مانا عرفاك..طول عمرك مرة", تنتاب ميمي حالة من البكاء الهستيري وهو يواصل اشعال الكبريت التي تنطفئ بسرعة بينما يرفع عقيرته بالصراخ قائلا لها "انا راجل ياولية وهولع في روحي وهتشوفي", وهي تؤكد له خطأ المعلومة التي لديه انه رجل, وهكذا دواليك حتى ينتهي المشهد بنفاذ عيدان علبة الكبريت وخروجه من الشقة لاحضار علبة كبريت وهي تبصق عليه في حنان نادر مواصلة زعزعة ثقته في هويته الجنسانية وتقول له "وحياة امك مانت راجع يامرة", ليتضح ان قلب الام دليلها عندما يغيب ميمي عن البيت ليلة او ليلتين يعود بعدها وفد نسى الاثنان ماحدث كأنه لم يكن. لكن ذلك لم يحدث هذه المرة ربما لان القدر اراد لي ان ادخل في اكثر الدروب التي دخلتها في حياتي وعورة وعفنا, درب شعراوي "الزيناوي".


--------------------------------------------------------------------------------
__________________



Not everything that can be counted counts, and not everything that counts can be counted