
26-01-2010, 05:06 PM
|
 |
نـجــم الـعـطــاء
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 23
|
|
2- الفقه الأكبر: في بداية القرن الثاني الهجري ظهرت عقيدة الجهمية بظهور أصلها الجعد بن درهم (ت:125) فهو أول من قال بخلق القرآن ونفي أوصاف الله بحجة التنزيه والتوحيد ونفي التشبيه، وقد تبني فكره تلميذه الجهم بن صفوان (ت:128) إلا أن الجعد لم ينل شهرة الجهم .وقد كان مصطلح الفقه عند السلف يعني العلم بالدين وأحكام العبودية التي وردت بها الأدلة القرآنية والنبوية , ثم جاء المتأخرون من الفقهاء وغيرهم وحصروه بمعرفة الأحكام الشرعية التكليفية المكتسبة من أدلتها التفصيلية دون تعرض منهم لتفصيل مسائل العقيدة، فظهر في المقابل مصطلح الفقه الأكبر لبيان أهمية التوحيد قبل القول والعمل والرد على الجهمية وأتباعهم .
ويعتبر الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثاب (ت:150) أول من أطلق هذا اللفظ في كتابه الفقه الأكبر، قال رحمه الله في الكشف عن ذلك المعنى الاصطلاحي: (الفقه الأكبر في الدين خير من الفقه في العلم، ولأن يتفقه الرجل كيف يعبد ربه U خير من أن يجمع العلم الكثير) ([1]) .
قال أبو مطيع الحكم البلخي: (قلت:فأخبرني عن أفضل الفقه؟ قال: يتعلم الرجل الإيمان والشرائع والسنن والحدود واختلاف الأئمة .. وذكر مسائل في الإيمان ثم ذكر مسائل في القدر) ([2])، ونسب بعضهم الفقه الأكبر لأبي مطيع الحكم البلخي الذي ذكر فيه أراء أبي حنيفة وأقواله في التوحيد، وهو متن صغير شرحه الكثير من الأحناف ([3])، غير أن الشاهد هنا أن اصطلاح الفقه الأكبر بعد أن ظهر في القرن الثاني الهجري اشتهر على ألسنة العلماء وأصبح مرادفا لعلم التوحيد والعقيدة عند السلف الصالح وأتباعهم .
3- السنة: بمعنى سنة الدلالة والطريقة المسلوكة، وقد أطلق لفظ السنة على علم التوحيد وعرف به في أواخر القرن الثاني الهجري وبداية القرن الثالث، وذلك حين بلورت المعتزلة آرائها الفكرية في خمسة أصول عقلية كان أولها ادعاء التوحيد، فقد رتبوا عليه القول بخلق القرآن وتعطيل السنة، وردوا ما ثبت عن رسول الله e في باب الصفات وعطلوه بحجة أنها من أخبار الآحاد التي لا تدل على اليقين في أمور الاعتقاد، مما دفع أهل السنة وعلى رأسهم الإمام أحمد (ت:241) أن يطلقوا مصطلح السنة على مسائل التوحيد والعقيدة تمييزا لها عن أصول المعتزلة التي أسفرت عن تعطيل السنة وردها، فألف الإمام أحمد بن حنبل كتابه أصول السنة قال في مقدمته: (أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله e والإقتداء بهم، وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات في الدين والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن، وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء، إنما هو الإتباع وترك الهوى، ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقبلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها الإيمان بالقدر خيره وشره، والتصديق بالأحاديث فيه والإيمان بها لا يقال لم ولا كيف ؟) ([4]) .
وكذلك الإمام الحافظ أبو بكر بن أبي عاصم الشيباني (ت:287) كتب في الرد على المعتزلة كتابا سماه: (السنة) حيث جاءت مسائله عن الإيمان بالقدر ورؤية الله تعالى في الآخرة ومسائل أخرى في صفات الله U يقف منها أهل الاعتزال موقف التعطيل .
وعلى الوتيرة نفسها جاء لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت:310) كتابه (صريح السنة) قال فيه: (فأول ما نبدأ بالقول فيه من ذلك عندنا، القرآن كلام الله وتنزيله إذ كان من معاني توحيده، فالصواب من القول في ذلك عندنا أنه كلام الله غير مخلوق كيف كتب وحيث تلي وفي أي موضع قرئ .. فمن قال غير ذلك أو ادعي أن قرآنا في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد غير ذلك بقلبه، أو أضمره في نفسه، أو قاله بلسانه دائنا به فهو بالله كافر حلال الدم بريء من الله والله منه بريء) ([5]) .
وكذلك كتاب: (السنة) لأبي عبد الله بن نصر المروزي (ت:294)، ومثله أيضا كتاب: (السنة) لأبي بكر الخلال (ت:311)، وكتاب: (شرح السنة) لأبي محمد الحسن بن على بن خلف البربهاري (ت:329)، وكل هؤلاء يؤكدون على أن الإسلام هو السنة، والسنة هي الإسلام، ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر، وأن من السنة لزوم الجماعة، ومن رغب غير الجماعة وفارقها فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وكان ضالا مضلا، وأن الأساس الذي بنيت عليه الجماعة أصحاب محمد e رحمهم الله أجمعين، وهم أهل السنة والجماعة، فمن لم يأخذ عنهم فقد ضل وابتدع وكل بدعة ضلالة، والضلال وأهله في النار ([6]) .
وهناك كتب كثيرة باسم السنة كاصطلاح يرادف معنى التوحيد والعقيدة، وكلها كما هو ملاحظ ألفت في القرن الثالث الهجري وحتى منتصف القرن الرابع، وهو عصر سيطرة المعتزلة وولادة المذهب الأشعري وظهور أركانه واستقرار بنيانه .
4- الإيمان: أطلق مصطلح الإيمان على مسائل التوحيد والعقيدة لأنها قضايا تتعلق بتصديق القلب واستعداده للعمل، وهذان ركانان أساسيان في صلاح الإنسان وقد تداول علماء السلف ذلك الاصطلاح منذ وقت مبكر وأطلقوه على مؤلفاتهم , فمن ذلك كتاب: (الإيمان ومعالمه وسنته واستكمال درجات) لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت:223) وكتاب الإيمان لمحمد بن يحيي بن أبي عمر العدني (ت:243)، والإيمان لمحمد بن إسحاق بن يحيي بن منده (ت:395)، وكتاب: (الإيمان وأصول) لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي (ت:429)، وكتاب شعب الإيمان لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت:458) .
ثم كتابان لشيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728) وهما (الإيمان الأوسط) (والإيمان الأكبر)، وأيضا كتاب: (تنبيه الوسنان إلى شعب الإيمان) للشيخ زين الدين عمر بن أحمد الشماع الحلبي (ت:936) وغير ذلك كثير ([7]) .
(1) انظر بتصرف: اجتماع الجيوش الإسلامية علي غزو المعطلة والجهمية لابن قيم الجوزية ص74 .
(2) شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد 4/281،394 .
(3) كشف الظنون لحاجي خليفة 1/69، 2/1151، 2/1859.
(4) أصول السنة، نشر دار المنار، من ص14: ص 17، السعودية الخرج سنة 1411هـ .
(5) صريح السنة ص18، تحقيق بدر يوسف المعتوق، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي الكويت 1405هـ .
(6) انظر بتصرف كتاب شرح السنة لأبي محمد البربهاري، ص 21، تحقيق د. محمد سعيد سالم القحطاني، نشر دار ابن القيم، الدمام 1408هـ .
(7) كشف الظنون 1/448، 2/1401.
|