عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 26-01-2010, 05:08 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 23
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

وقال صديق بن حسن القنوجي: (علم أصول الدين المسمي بعلم الكلام، هو علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها وموضوعه الموجود من حيث هو موجود) ([1]) .
تلك أغلب المصطلحات التي وردت علما على علم التوحيد تعبر عن التطور التاريخي للمراحل التي مر بها، وقد كان السلف الصالح على أعلى درجات التوحيد والإيمان وكان اللفظ الشائع بينهم لفظ الإسلام والإيمان، تعبيرا عن خضوعهم لله وحده وعدم الإشراك به، والإيمان بكل ما ورد في الكتاب والسنة مما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله .
·مفهوم الألوهية بين السلف ومخالفيهم .

توحيد الألوهية سمي بذلك عند السلف لأنه المقصود بقول العبد لا إله إلا الله فالإله هو المعبود بحق الذي يدعى وحده لا شريك له، وتوحيد الألوهية عندهم هو توحيد العبادة لله وتجريدها له وحده، وتلك هي الغاية التي دعت إليها الرسل ونزلت من أجلها الكتب، وإنما قلنا إن هذا اعتقاد السلف في معنى الألوهية لأن السلف اعتمدوا في تقرير ما ذهبوا إليه على نص كتاب الله وما صح في سنة رسوله e، قال تعالى: } اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {(التوبة: 31)، وقال U} إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي {(طه: 14)، وقال سبحانه وتعالى: } وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ {(الأنبياء: 25).
وقال: } وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {(القصص: 88)، وقال U} هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {(غافر: 65)، وقال تعالى: } رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً {(المزمل: 9).
ومما ورد في سنة رسول الله e في بيان معنى لا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه ما رواه البخاري من حديث ابن عباس t لما بعث النبي e معاذ بن جبل t إلى اليمن قال له: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إلى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تعالى) ([2])، وفي رواية أخرى توضح أن توحيد العبادة هو معنى لا إله إلا الله قال رسول الله e لمعاذ t: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ .. الحديث) ([3])، وعند مسلم من حديث أبي مالك عن أبيه t أن رسول الله e قال: (مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى الله) ([4]) .
وروى البخاري من حديث أبي سفيان t لما سأله هرقل ملك الروم عن النبي e قال: (مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ قُلْت:يَقُولُ اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ) ([5]) .
قال ابن تيمية: (لا إله إلا أنت فيه إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزمك أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل) ([6]) .
وقد يتنوع معنى لا إله إلا الله أو مفهوم الألوهية عند قائليه ولا يعني به ما سبق عند السلف الصالح، فمنهم من جعل الألوهية بمعنى الربوبية وحصرها في إفراد الله بالخالقية، ومنهم من يعني أنه لا موجود إلا الله على اعتبار أن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق حالة ظهوره بأشكال متعددة وكثرة متنوعة، ومنهم من يعني بها العلة الأولي أو العق الفعال، فليس كل من قال لا إله إلا الله يعني بها ما أراده الله في كتابه أو أراده رسوله e في سنته ([7]) .
فالألوهية عند الخلف المعروفين بأهل النظر والكلام الذين اتبعوا فلاسفة اليونان جعلوها بمعنى الخالق أو القادر على الاختراع ([8] وجعلوا غاية التوحيد عندهم إثبات أن صانع العالم واحد، وأن الواحد الحقيقي هو الشيء الذي لا ينقسم .
واحتجوا على وحدانية الإله بما يسمي بدليل التمانع، وهو من الأدلة العقلية في إثبات توحيد الربوبية، وملخصه أنا لو قدرنا إلهين اثنين وفرضنا أمرين متضادين وقدرنا إرادة أحدهما لأحد الأمرين، وإرادة الثاني للثاني فلا يخلو من أمور ثلاثة، إما أن تنفذ إرادتهما أو لا تنفذ إرادتهما أو تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر، واستحال أن تنفذ إرادتهما لاستحالة اجتماع الضدين، واستحال أيضا ألا تنفذ إرادتهما لتمانع الإلهين وخلو المحل عن كلا الضدين، فإذا بطل القسمان تعين الثالث وهو أن تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر، فالذي لا تنفذ إرادته فهو المغلوب المقهور المستكره والذي نفذت إرادته فهو الإله القادر على تحصيل ما يشاء وذلك عندهم مضمون قوله تعالى: } لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا {(الأنبياء: 22)([9]) .
قال ابن أبي العز الحنفي معقبا على الاستدلال بالآية السابقة كحجة على دليل التمانع: (وقد ظن طوائف أن هذا دليل التمانع الذي تقدم ذكره، وهو أنه لو كان للعالم صانعان .. الخ، وغفلوا عن مضمون الآية، فإنه سبحانه أخبر أنه لو كان فيهما آلهة غيره، ولم يقل: أرباب، وأيضا فإن هذا إنما هو بعد وجودهما، وأنه لو كان فيهما وهما موجودتان آلهة سواء لفسدتا، وأيضا فانه قال لفسدتا، وهذا فساد بعد الوجود ولم يقل لم يوجدا) ([10]) .
وقد بين أيضا في معرض الرد أن الآية دلت على أنه لا يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة بل لا يكون الإله إلا واحدا، وعلى أنه لا يجوز أن يكون هذا الإله الواحد إلا الله سبحانه وتعالى، وأن فساد السماوات والأرض يلزم من كون الآلهة فيهما متعددة ومن كون الإله الواحد غير الله، وأنه لا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله وحده لا غيره، فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه كله، فإن قيامه إنما هو بالعدل وبه قامت السماوات والأرض، وأظلم الظلم على الإطلاق الشرك وأعدل العدل التوحيد ([11]) .
وقد بين الله U أن المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، وكانوا يعتقدون أن الله خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم كما قال تعالى في شأنهم: } وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّي يُؤْفَكُون {(العنكبوت:61)، فالقلوب مفطورة على الإقرار بالخالق أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات، ولم يذهب إلى غير ذلك طائفة معروفة من بني آدم، بل الأمر كما قالت الرسل لأممهم كما ذكر الله U في شأنهم: } قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض { (إبراهيم/10) .

(1) أبجد العلوم الوشى المرقوم في بيان أحوال العلوم تحقيق عبد الجبار 2/440 .

(2) تقدم تخريجه ص10 .

(3) البخاري في الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة 2/529 (1389) .

(4) مسلم في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله 1/53 (23) .

(5) البخاري في بدء الوحي،باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله S 1/7 (7) .

(6) دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية تحقيق الدكتور محمد السيد الجليند 2/364 .

(7) انظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 1/459 بتصرف .

(8) كتاب المواقف لعضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة، 3/306، نشر دار الجيل بيروت سنة 1997م .

(9) وانظر لمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة ص 99، لعبد الملك بن عبد الله بن يوسف، تحقيق د. فوقية حسين نشر عالم الكتب بيروت 1987م، وانظر أيضا الغنية في أصول الدين ص 67، لأبي سعيد عبد الرحمن بن محمد، تحقيق عماد الدين أحمد حيدر نشر مؤسسة الخدمات والأبحاث الثقافية بيروت سنة 1987م .

(10) انظر شرح العقيدة الطحاوية، نشر المكتب الإسلامي بيروت 1391ه ص 87 .

(11) السابق ص 87 .
رد مع اقتباس