كيف يعذبون بالنار وقد خلقوا من النار
يورد بعض الناس شبهة فيقولون : أنتم تقرون أن الجن خلقوا من نار ، ثمّ تقولون : إنّ كافرهم يعذب في نار جهنم ، ومسترق السمع منهم يقذف بشهب من نار ، فكيف تؤثر النار فيهم وقد خلقوا منها ؟
الجواب : أنّ الأصل الذي خلقوا منه النار ، أمّا بعد خلقهم فليسوا كذلك ، إذ أصبحوا خلقاً مخالفاً للنار ، يوضح هذا أن الإنسان خلق من تراب ، ثم بعد إيجاده أصبح مخالفاً للتراب ، ولو ضربت إنساناً بقطعة مشوية من الطين لقتلته ، ولو رميته بالتراب لآذاه ، ولو دفنته فيه لاختنق ، فمع أنه من تراب إلا أن التراب يؤذيه ، فكذلك الجن .
قال أبو الوفاء ابن عقيل : " أضاف الشياطين والجان إلى النار حسب ما أضاف الإنسان إلى التراب والطين والفخار ، والمراد به في حق الإنسان أن أصله الطين ، وليس الآدمي حقيقة ، لكنه كان طيناً ، كذلك الجان كان ناراً في الأصل " (1) .
لا نسب بين الجن ورب العزة :
هذا الذي ذكرناه من أن الجن خلق من خلق الله ، وعباد من جملة عباده ، خلقهم لطاعته ، وكلفهم بشريعته ، يقضي على الخرافات التي تنشأ عن الانحراف في التصور ، وعن ضمور العلم وكثرة الجهل ، فمن ذلك ما شاع عند اليهود ومشركي العرب ، من أن الله – تعالى وتقدس – خطب من سروات الجنّ وتزوج منهم ، وكان الملائكة ثمرة هذا الزواج ، وقد حكى الله هذه الخرافة وبين بطلانها : ( وجعلوا بينه وبين الجنَّة نسباً ولقد علمت الجنَّة إنَّهم لمحضرون – سبحان الله عمَّا يصفون – إلاَّ عباد الله المخلصين ) [ الصافات : 158-160 ] .
قال ابن كثير عند تفسيره هذه الآيات : " قال مجاهد : قال المشركون : الملائكة بنات الله – تعالى عما يقولون – فقال أبو بكر – رضي الله عنه - : فمن أمهاتهنّ ؟ قالوا : بنات سروات الجنّ . وبمثل قول مجاهد قال قتادة وابن زيد ... ، وقال العوفي عن ابن عباس : زعم أعداء الله أنه – تبارك وتعالى – هو وإبليس أخوان ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً " (2) .
--------------------------------
(1) لقط المرجان في أحكام الجان : ص33 .
(2) تفسير ابن كثير : 4/24 .