عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 27-01-2010, 02:25 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

وجه الاستدلال بالأحاديث على الشفاعة العظمى
الناظر في هذه الأحاديث يجد أن المؤمنين يرغبون إلى الأنبياء وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم كي يخلصوهم من الموقف العظيم ، إلا أننا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يشفع إنما يشفع في أمته .
قال شارح الطحاوية بعد إيراده لبعض أحاديث الشفاعة التي سقناها : " والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث من أكثر طرقه ، لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى، في مأتى الرب سبحانه وتعالى لفصل القضاء ، كما ورد في حديث الصور ، فإنه المقصود في هذا المقام ، ومقتضى سياق أول الحديث ، فإن الناس إنما يستشفعون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء في أن يفصل بين الناس ، ويستريحوا من مقامهم ، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه ، فإذا وصلوا إلى الجزاء إنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار ، وكأن مقصود السلف – في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث – هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ، الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها ، فيذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح من الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث " (1) ثم ساق مضمون حديث الصور .
وفي كلام محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي عدة أمور :
1- أنه أكد وجود هذا الإشكال في هذه الأحاديث ، وممن ذكر هذا الإشكال ابن حجر العسقلاني ، ونقله عن الدراوردي ، فإنه قال : " كأن راوي هذا الحديث ركب شيئاً على غير أصله ، وذلك أن في أول ذكر الشفاعة في الإراحة من كرب الموقف ، وفي آخره ذكر الشفاعة في الإخراج من النار ، يعني وذلك إنما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط ، وسقوط من يسقط في تلك الحالة في النار ، ثم يقع بعد ذلك الشفاعة في الإخراج " (2) قال ابن حجر بعد نقله كلام الدراوردي " وهو إشكال قويٌّ " (3) .
2- وقد أجاب شارح الطحاوية عن هذا الإشكال – كما نقلناه عنه – أن الذين نقلوا هذه النصوص قصَّروا في النقل ، وسر هذا التقصير أنهم قصدوا الرد على الخوارج الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها ، وزعموا أن كل من دخل النار فإنه فيها خالد ، واحتج على ما ذهب إليه بحديث الصور الذي يصرح فيه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يشفع أولاً كي يأتي الحق للقضاء بين الناس ، ثم يشفع مرة أخرى لدخول الجنة ، ولو كان حديث الصور هذا صحيحاً لكان فيه حل لهذا الإشكال ، ولكنه حديث ضعيف كما بينه الشيخ ناصر الدين الألباني في تحقيقه لأحاديث الطحاوية .
ولعل ما ذهب إليه القاضي عياض وتابعه النووي وابن حجر وغيرهما عليه أكثر دقة وتوفيقاً مما قاله شارح الطحاوية ، قال ابن حجر : " وقد أجاب عن هذا الإشكال عياض وتبعه النووي وغيره بأنه قد وقع في حديث حذيفة المقرون بحديث أبي هريرة بعد قوله : " فيأتون محمداً ، فيقوم ويؤذن له " أي في الشفاعة ، وترسل الأمانة والرحم ، فيقومان جنبي الصراط يميناً وشمالاً ، فيمر أولكم كالبرق " الحديث ، قال عياض : فبهذا يتصل الكلام ، لأن الشفاعة التي لجأ إليه الناس فيها هي الإراحة من كرب الموقف ، ثم تجيء الشفاعة في الإخراج ، وقد وقع في حديث أبي هريرة .. الأمر باتباع كل أمة ما كانت تعبد ، ثم تمييز المنافقين من المؤمنين ، ثم حلول الشفاعة بعد وضع الصراط والمرور عليه ، فكان الأمر باتباع كل أمة ما كانت تعبد هو أول فصل القضاء والإراحة من كرب الموقف ، قال : وبهذا تجتمع متون الأحاديث ، وتترتب معانيها " (4) .
وقد زاد الحافظ ابن حجر هذه المسألة إيضاحاً ، وأورد النصوص الدالة على أن في بعض الأحاديث شيئاً من الاختصار فقال : " قلت : فكأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر ، وسيأتي بقيته في شرح حديث الباب الذي يليه وفيه " حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً ، وفي جانبي الصراط كلاليب مأمورة بأخذ من أمرت به ، فمخدوش ناج ومكدوس في النار " فظهر منه أنه صلى الله عليه وسلم أول ما يشفع ليقضى بين الخلق ، وأن الشفاعة فيمن يخرج من النار ممن سقط تقع بعد ذلك .
وقد وقع ذلك صريحاً في حديث ابن عمر اختصر في سياقه الحديث الذي ساقه أنس وأبو هريرة مطولاً . وقد تقدم في كتاب الزكاة من طريق حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ : " إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن ، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ، ثم بموسى ، ثم بمحمد ، فيشفع ليقضى بين الخلق ، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم " .
ووقع في حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى " ثم أمتدحه بمدحة يرضى بها عني ، ثم يؤذن لي في الكلام ، ثم تمر أمتي على الصراط ، وهو منصوب بين ظهراني جهنم فيمرون ".
وفي حديث ابن عباس من رواية عبد الله بن الحارث عنه عند أحمد " فيقول عز وجل: يا محمد ما تريد أن أصنع في أمتك ؟ فأقول : يا رب عجل حسابهم " وفي رواية عن ابن عباس عند أحمد وأبي يعلى " فأقول أنا لها ، حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى ، فإذا أراد الله أن يفرغ من خلقه نادى مناد : أين محمد وأمته " .
وتعرَّض الطيبي للجواب عن الإشكال بطريق آخر فقال : يجوز أن يراد بالنار الحبس والكرب والشدة التي كان أهل الموقف فيها من دنو الشمس إلى رؤوسهم وكربهم بحرها وسفعها حتى ألجمهم العرق ، وأن يراد بالخروج منها خلاصهم من تلك الحالة التي كانوا فيها .
قال ابن حجر : وهو احتمال بعيد ، إلا أن يقال إنه يقع إخراجان وقع ذكر أحدهما في حديث الباب على اختلاف طرقه والمراد به الخلاص من كرب الموقف ، والثاني في حديث الباب الذي يليه ويكون قوله فيه : " فيقول من كان بعيد شيئاً فليتبعه " بعد تمام الخلاص من الموقف ونصب الصراط والإذن في المرور عليه ، ويقع الإخراج الثاني لمن يسقط في النار حال المرور فيتحدا " .
وأجاب القرطبي عن أصل الإشكال بأن في قوله آخر حديث أبي زرعة عن أبي هريرة بعد قوله صلى الله عليه وسلم فأقول : يا رب أمتي أمتي ، " فيقال : أدخل من أمتك من الباب الأيمن من أبواب الجنة من لا حساب عليه ولا عذاب " .
فقال : في هذا ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيما طلب من تعجيل الحساب ، فإنه لما أذن له في إدخال من لا حساب عليه دل على تأخير من عليه حساب ليحاسب ، ووقع في حديث الصور الطويل عند أبي يعلى : " فأقول وعدتني الشفاعة ، فشفعتني في أهل الجنة يدخلون الجنة ، فيقول الله : وقد شفعتك فيهم وأذنت لهم في دخول الجنة " .
قلت : وفيه إشعار بأن العرض والميزان وتطاير الصحف يقع في هذا الموطن ، ثم ينادي المنادي : ليتبع كل أمة من كانت تعبد ، فيسقط الكفار في النار ، ثم يميز بين المؤمنين والمنافقين بالامتحان بالسجود عند كشف الساق ، ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليه ، فيطفأ نور المنافقين فيسقطون في النار أيضاً ، ويمر المؤمنون عليه إلى الجنة، فمن العصاة من يسقط ويوقف بعض من نجا عند القنطرة بينهم ثم يدخلون الجنة " (5) .
قلت : فهذا لو ثبت لرفع الإشكال لكن الكلبي ضعيف ، ومع ذلك لم يسنده ، ثم هو مخالف لصريح الأحاديث الصحيحة أن سؤال المؤمنين الأنبياء واحداً بعد واحد إنما يقع في الموقف قبل دخول المؤمنين الجنة والله أعلم .
--------------------------------
(1) شرح الطحاوية : ص 255 .
(2) فتح الباري : (11/437) .
(3) فتح الباري : (11/438) .
(4) فتح الباري : (11/438) .
(5) فتح الباري : (11/438) .
رد مع اقتباس