الملائكة وبقيّة المخلوقات
في الفصل الماضي بينت العلاقة بين الملائكة وبني آدم ، وليس هذا كل ما وُكل إلى الملائكة ؛ فإن الملائكة يقومون على مختلف شؤون الكون مما نشاهده ، وما لا نشاهده .
وسأكتفي بذكر بعض ما جاء في ذلك من النصوص .
1- حملة العرش :
العرش أعظم المخلوقات ، محيط بالسماوات وفوقها ، والرحمن مستو عليه ، ويحمله من الملائكة ثمانية : (
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذٍ ثمانيةٌ ) [ الحاقة : 17 ]
(1) .
2- ملك الجبال :
وللجبال ملائكة ، وقد أرسل الله ملك الجبال إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم يستأمره في إهلاك أهل مكة ؛ ففي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : (
يا رسول الله ، هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد ؟ فقال : لقد لقيت من قومك ، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة (2) ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت .
فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم استفق إلا بقرن الثعالب (3) فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني ، فقال : إن الله عزّ وجل قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم .
قال : فناداني ملك الجبال ، وسلّم علي ، ثمّ قال : يا محمد ، إن الله قد سمع قول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربّك إليك لتأمرني بأمرك ، فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ (4) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (
بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )
(5) .
3- الموكلون بالقطر والنبات والأرزاق :
يقول ابن كثير
(6) : " ميكائيل موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق منهما الأرزاق في هذه الدار ، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه ، يصرفون الرياح والسحاب ، كما يشاء الرب جلّ جلاله .
ومن الملائكة ما هو موكل بالسحاب ، ففي سنن الترمذي عن ابن عباس : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (
الرعد ملك من الملائكة موكل بالسحاب ، معه مخاريق من نار ، يسوق بها السحاب حيث شاء الله )
(7) ، وقد يسقي بلاداً دون بلاد ، أو قرية دون أخرى .
وقد يؤمر بأن يسقي زرع رجل واحد دون سواه ، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
بينا رجل بفلاة من الأرض ، فسمع صوتاً في سحابة : اسق حديقة فلان ؛ فتنحى ذلك السحاب ، فأفرغ ماءَه في حرّة ، فإذا شرجة من تلك الشراج (8) قد استوعبت ذلك الماء كله .
فتتبع الماء ، فإذا رجل قائم في حديقته ، يحول الماء بمسحاته ، فقال له : يا عبد الله ، ما اسمك ؟ قال : فلان ، للاسم الذي سمع في السحابة ، فقال له : يا عبد الله ، لِمَ تسألني عن اسمي ؟ قال : إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول : اسق حديقة فلان ، لاسمك ، فما تصنع فيها ؟ قال : أمّا إذ قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها ، فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثاً ، وأرد فيها ثلثه )
(9) .
وعلى كل فالملائكة موكلون بالسماوات والأرض ، فكل حركة في العالم فهي ناشئة عن الملائكة ، كما قال تعالى : (
فَالْمُدَبِّرَاتِأمراً ) [ النازعات : 5 ] ، وقال : (
فَالْمُقَسِّمَاتِ أمراً ) [ الذاريات : 4 ] ، ويزعم المكذبون للرسل المنكرون للخالق أن النجوم هي التي تقوم بذلك كله ، وكذبوا ، فالذي يدبر ذلك كله الملائكة بأمر الله تعالى ، كما قال تعالى : (
والمرسلات عرفاً – فَالْعَاصِفَاتِ عصفاً – وَالنَّاشِرَاتِ نشراً – فَالْفَارِقَاتِ فرقاً – فَالْمُلْقِيَاتِ ذكراً ) [ المرسلات : 1-5 ] .
وقال : (
والنَّازعات غرقاً – والناَّشطات نشطاً – والسَّابحات سبحاً – فالسَّابقات سبقاً – فالمدبِّرات أمراً ) [ النازعات : 1-5 ] ، وقال : (
والصَّافَّات صفاً – فالزَّاجرات زجراً – فالتَّاليات ذكراً ) [ الصافّات : 1-3 ] .
فكل هذه الآيات حديث عن الملائكة حال قيامها بتدبير شؤون السماوات والأرض .
--------------------------------
(1) وقد سبق أن بيّنا عظيم خلقهم في الفصل الذي تحدثنا فيه عن صفاتهم وقدراتهم .
(2) موضع بمنى .
(3) موضع بين مكة والطائف .
(4) جبلان بمكة .
(5) صحيح مسلم : 3/1420 . ورقمه : 1795 . واللفظ له . ورواه البخاري : 6/312 . ورقمه : 3231 .
(6) البداية والنهاية : 1/50 .
(7) صحيح سنن الترمذي : 3/64 . ورقمه : 2492 .
(8) الشرجة : مسيل الماء .
(9) صحيح مسلم : 4/2288 . ورقمه : 2984 .