إقامة الحجّة
لا أحد أحبّ إليه العذر من الله تعالى ، فالله جلّ وعلا أرسل الرسل وأنزل الكتب كي لا يبقى للناس حجّة في يوم القيامة ، (
رُّسلاً مُّبشرين ومنذرين لئلاَّ يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسل ) [ النساء : 165 ] ، ولو لم يرسل الله إلى الناس لجاؤوا يوم القيامة يخاصمون الله – جل وعلا – ويقولون : كيف تعذبنا وتدخلنا النار ، وأنت لم ترسل إلينا من يبلغنا مرادك منّا ، كما قال تعالى : (
ولو أنَّا أهلكناهم بعذابٍ من قبله لقالوا ربَّنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبَّع آياتك من قبل أن نَّذلَّ ونخزى ) [ طه : 134 ] ، أي : لو أهلكهم الله بعذاب جزاء كفرهم قبل أن يرسل إليهم رسولاً لقالوا : هلا أرسلت إلينا رسولا كي نعرف مرادك ، ونتبع آياتك ، ونسير على النهج الذي تريد ؟
وفي يوم القيامة عندما يجمع الله الأولين والآخرين يأتي الله لكل أمة برسولها ليشهد عليها بأنّه بلغها رسالة ربه ، وأقام عليها الحجّة (
فكيف إذا جئنا من كل أمَّة بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً – يومئذٍ يودُّ الَّذين كفروا وعصوا الرَّسول لو تُسوَّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً ) [ النساء : 41-42 ] .
وقال في آية أخرى : (
ويوم نبعث في كل أمَّةٍ شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ) [ النحل : 89 ] .
ولذلك فإن الذين يرفضون اتبّاع الرسل ، ويعرضون عن هديهم – لا يملكون إلاّ الاعتراف بظلمهم إذا وقع بهم العذاب في الدنيا (
وكم قصمنا من قريةٍ كانت ظالمةً وأنشأنا بعدها قوماً آخرين – فلمَّا أحسُّوا بأسنا إذا هم منها يركضون – لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلَّكم تسألون – قالوا يا ويلنا إنَّا كنَّا ظالمين – فما زالت تلك دعواهم حتَّى جعلناهم حصيداً خامدين ) [ الأنبياء : 11-15 ] .
وفي يوم القيامة عندما يساقون إلى المصير الرهيب ، وقبل أن يلقوا في الجحيم يسألون عن ذنبهم فيعترفون (
تكاد تميَّز من الغيظ كلَّما ألقى فيها فوجٌ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذيرٌ – قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ فكذَّبنا وقلنا ما نزَّل الله من شيءٍ إن أنتم إلاَّ في ضلالٍ كبيرٍ – وقالوا لو كنَّا نسمع أو نعقل ما كنَّا في أصحاب السَّعير – فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السَّعير ) [ الملك : 8-11 ] .
وعندما يضجّون في النَّار بعد أن يُحيط بهم العذاب من كل جانب ، وينادون ويصرخون تقول لهم خزنة النار : (
أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلاَّ في ضلالٍ ) [ غافر : 50 ] .