المبحث الثالث
مدى العصمة في إصابة الحق في القضاء
الأنبياء والرسل يجتهدون في حكم ما يعرض عليهم من وقائع ، ويحكمون وفق ما يبدو لهم ، فهم لا يعلمون الغيب ، وقد يخطئون في إصابة الحق ، فمن ذلك عدم إصابة نبي الله داود في الحكم ، وتوفيق الله لابنه سليمان في تلك المسألة .
فعن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "
كانت امرأتان معهما ابناهما ، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما ، فقالت صاحبتها : إنّما ذهب بابنك ، وقالت الأخرى : إنّما ذهب بابنك ، فتحاكمنا إلى داود ، فقضى به للكبرى ، فخرجتا على سليمان بن داود ، فأخبرتاه ، فقال : ائتوني بالسكين أشقّه بينهما ، فقالت الصغرى : لا تفعل يرحمك الله ، هو ابنها ، فقضى به للصغرى "
(1) .
وقد وضح الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القضية وجلاّها ، فقد روت أمُّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : "
أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سمع خصومة بباب حجرته ، فخرج إليهم ، فقال : " إنّما أنا بشر ، وإنّه يأتيني الخصم ، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ، فأحسب أنه صدق ، فأقضى له بذلك ، فمن قضيت له بحق مسلم ، فإنما هي قطعة من النار ، فليأخذها أو ليتركها "
(2) .
الذين ينفون عن الرسل والأنبياء هذه الأعراض مخالفون للنصوص :
ذهبت الشيعة الإمامية الاثنا عشرية
(3) إلى أن العصمة تقتضي ألا يقع من الأنبياء سهو ولا نسيان ولا خطأ ، ولا خوف ولا غير ذلك من الأعراض البشرية ، وقد سقنا لك النصوص من الكتاب والسنة الدالة على خلاف ذلك ، وهي نصوص لا تقبل تحويلاً ولا تأويلاً ، فعليك بالكتاب والسنة ففيهما الهداية .
--------------------------------
(1) صحيح البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قوله تعالى : ( ووهبنا لداوود سليمان ) [ ص : 30 ] حديث رقم : 2428 .
(2) رواه البخاري ، كتاب المظالم ، باب إثم من خاصم في الباطل ورقمه : 2458 ، ورواه مسلم : 1713 .
(3) انظر عقائد الإمامية لمحمد رضا المظفر : ص79 .