التعريف بالقضاء
" القضاء : الفصل والحكم . وقد تكرر في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر ( القضاء ) وأصله القطع والفصل . يُقال : قضى يقضي قضاء فهو قاضٍ ، إذا حكم وفصل . وقضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه ، فيكون بمعنى الخلق .
وقال الزهري : القضاء في اللغة على وجوه ، مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه ،وكل ما أُحكم عمله ، أو أُتمَّ ، أو أُدِّى ،أو أُوجب ، أو عُلم ، أو نُفِّذ ، أو أُمضى ، فقد قضي ، وقد جاءت هذه الوجوه كلها في الأحاديث
(1) .
وللعلماء في التفرقة بين القضاء والقدر قولان :
الأول : القضاء هو العلم السابق الذي حكم الله به في الأزل ، والقدر وقوع الخلق على وزن الأمر المقضي السابق . يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى : " قال العلماء القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل ، والقدر جزيئات ذلك الحكم وتفاصيله "
(2) . وقال في موضع آخر : " القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل ، والقدر الحكم بوقوع الجزيئات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل "
(3) .
الثاني : عكس القول السابق ، فالقدر هو الحكم السابق ، والقضاء هو الخلق .
قال ابن بطال : " القضاء هو المقضي "
(4) ومراده بالمقضي المخلوق ، وهذا هو قول الخطابي ، فقد قال في معالم السنن : " القدر اسم لما صار مُقدَّراً عن فعل القادر ، كالهدم والنشر والقبض : أسماء لما صدر من فِعل الهادم والناشر والقابض .
والقضاء في هذا معناه الخلق ، كقوله تعالى : (
فقضاهن سبع سماوات في يومين ) [فصلت :12] أي خلقهن "
(5) .
وبناء على هذا القول يكون " القضاء من الله تعالى أخص من القدر ، لأنّه الفصل بين التقديرين ، فالقدر هو التقدير ، والقضاء هو الفصل والقطع "
(6) .
ويدل لصحة هذا القول نصوص كثيرة من كتاب الله ، قال تعالى : (
وكان أمراً مقضياً ) [ مريم :21] ، وقال : (
كان على ربك حتماً مقضياً ) [مريم :71] . وقال : (
وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) [ البقرة : 117] .
فالقضاء والقدر – بناء على هذا القول – أمران متلازمان ، لا ينفك أحدهما عن الآخر ، لأن أحدهما بمنزلة الأساس وهو القدر ، والآخر بمنزلة البناء وهو القضاء ، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه "
(7) .
--------------------------------
(1) النهاية في غريب الحديث ، لابن الأثير :4/78 .
(2) فتح الباري :11/477 .
(3) فتح الباري :11/149 .
(4) فتح الباري :11/149 .
(5) معالم السنن للخطابي :7/70 .
(6) المفردات للراغب الأصفهاني : ص406 .
(7) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير :4/78.وانظر جامع الأصول :10/104 .