السخرية والاستهزاء بالمسلم من كبائر الذنوب
ومنها[1] السخرية والاستهزاء بالمسلم؛ قال الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} الآية [الحجرات: 11]، وقد أجمع العلماء[2] على تحريم ذلك، وفي كونه كبيرة مجال للنظر، مع أنه قد روي عن ابن عباس في قوله - تعالى -: {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49]، قال: الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك على حالة الاستهزاء، وهذا تصريح بأن ذلك من الكبائر، وقال الغزالي في قول ابن عباس هذا إشارة إلى أن الضحك على الناس من الجرائم والذنوب.
واعلم أن معنى السخرية الاستحقارُ والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقائص على من يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء، وقد يكون بالضحك، كأنْ يضحك على كلامه إذا تخبط فيه أو غلط، أو على صنعته، أو قبح في صورته، ونحو ذلك، وقد خرَّج البيهقي عن الحسن البصري - رحمه الله - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن المستهزئين بالناس لَيُفتحُ لأحدهم بابُ الجنة، فيقال: هلمَّ، فيجيء بكربه وغمِّه، فإذا جاء أُغلق دونه، ثم يفتح له باب آخر، فيقال: هلم هلم، فيجيء بكربه وغمه، فإذا جاء أغلق دونه، فما يزال كذلك حتى إن الرجل ليفتح له الباب، فيقال: هلم هلم، فلا يأتيه من اليأس)) انتهى.
وقال بعض أئمة التفسير في قوله - تعالى -: {بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ} [الحجرات: 11]: من لقب أخاه وسخر منه، فهو فاسق، حكاه القرطبي[3].
س1: أرى كثيرًا من الشباب إذا رأوا الشابَّ المحافظ على صلاته ودينه يستهزئون به، وأرى كذلك بعض الشباب - هداهم الله - يتكلمون عن الدين باستهتار وعدم مبالاة، فما القول في ذلك؟ وهل تجوز مجالستُهم والمرح معهم في أوقات ليس فيها وقت صلاة؟
جـ1: الاستهزاء بالإسلام أو بشيء منه كفرٌ أكبر؛ قال الله - تعالى -: ﴿قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ الآية [التوبة:65، 66]، ومن يستهزئ بأهل الدين والمحافظين على الصلوات؛ من أجل دينهم ومحافظتهم عليه - يعتبر مستهزئًا بالدين؛ فلا تجوز مجالسته ولا مصاحبتُه؛ بل يجب الإنكارُ عليه والتحذير منه ومن صحبته، وهكذا من يخوض في مسائل الدين بالسخرية والاستهزاء يعتبر كافرًا؛ فلا تجوز صحبتُه ولا مجالسته؛ بل يجب الإنكار عليه والتحذير منه، وحثُّه على التوبة النصوح، فإن تاب فالحمد لله، وإلا وجب الرفع عنه إلى ولاة الأمور بعد إثبات أعماله السيئة بالشهود العدول؛ حتى ينفذ فيه حكم الله من جهة المحاكم الشرعية، وبكل حال فهذه المسائل مسائلُ خطيرةٌ يجب على كل طالب علم، وعلى كل مسلم عرَف دينه، أن يحذرها، وأن يحذر من يخوض في مسائل الدين بالسخرية واللعب؛ لئلا يصيبَه ما أصابه من فساد العقيدة والسخرية بالحق وأهله.
نسأل الله للمسلمين جميعًا العافية من كل ما يخالف شرعه، كما نسأله - سبحانه - أن يعافي المسلمين جميعًا من شر أعدائهم من الكفرة والمنافقين، وأن يعينهم على التمسُّك بكتابه - سبحانه - وسنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - في جميع الأحوال، إنه جواد كريم[4].
س2: ما حكم الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله ورسوله؟
ج2: الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله ورسوله؛ لكونهم التزموا بذلك - محرَّمٌ وخطير جدًّا على المرء؛ لأنه يخشى أن تكون كراهتُه لهم لكراهة ما هم عليه من الاستقامة على دين الله، وحينئذٍ يكون استهزاؤه بهم استهزاءً بطريقهم الذي هم عليه، فيشبهون من قال الله عنهم: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة:65، 66].
فإنها نزلتْ في قوم من المنافقين قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء - يعنون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء، فأنزل الله فيهم هذه الآية، فليحذر الذين يسخرون من أهل الحق لكونهم من أهل الدين؛ فإن الله - سبحانه وتعالى - يقول: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 29 - 36][5].
[1] أي: من كبائر الذنوب.
[2]في نسخة (الأمة).
[3] من كتاب "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين"، للشيخ أحمد الدمشقي، ص212.
[4]إجابة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (مجلة الدعوة، عدد 978).
[5]من رسالة "أسئلة مهمة"، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، ص8.