
08-02-2010, 03:00 PM
|
عضو مجتهد
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 129
معدل تقييم المستوى: 17
|
|
ثم يقول: وحال المؤمن التقي الذي فيه ضعف عن حمل ما يرد على قلبه، فهذا هو الذي يصعق صعق الموت، أو صعق
غشي، فإن ذلك إنما يكون لقوة الورود، وضعف القلب عن حمله، وقد يوجد مثل هذا في من يفرح أو يخاف أو يحزن يرو
يحب في أمور الدنيا بل قد يقتله ذلك أو يذهب بعقله.
فإذا كان ذلك منه بدون تفريط، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه، ولا وجه للريبة. وكان صاحبها-إذا كان العمل مشروعا-محمودا على ما فعل من الخير، وما ناله من الإيمان، معذورا فيما عجز عنه وأصابه بغير اختياره، وهو أكمل ممن لم يبلغ
منزلتهم لنقصر إيمانه وقسوة قلبه ونحو ذلك. ثم يقول رحمه الله:
ولكن من لم يزل عقله مع أنه قد حصل له من الإيمان ما حصل لهم أو مثله أو أكمل منه، فهو أفضل منهم، وهذا حال
الصحابة رضي الله عنهم، وحال نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه لما أسري به إلى السماء، وأراه الله ما أراه، وأصبح
كبائت لم يتغير عليه حاله، فحاله أفضل من حال موسى عليه السلام، الذي خر صعقا لما تجلى ربه للجبل، وحال موسى
حال جليلة علية فاضلة، لكن حال محمد صلى الله عليه وسلم أكمل وأعلا وأفضل.
مرتبة هؤلاء المتصوفة، ثم يقول رحمه الله: التصوف عندهم له حقائق وأحوال معروفة، قد تكلموا في حدوده وسيرته
وأخلاقه كقول بعضهم:” الصوفي” من صفا من الكدر، وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والحجر،” التصوف”:
كتمان المعاني، وترك الدعاوى، وأشباه ذلك، وهم يسيرون بالصوفي إلى معنى الصديق، وأفضل الخلق بعد الأنبياء
الصديقون، آما قال الله تعالى:” فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا” (النساء: 69)
لكنه في الحقيقة نوع من الصديقين، فهو الصديق الذي اختص بالزهد والعبادة على الوجه الذي اجتهدوا فيه.. فإذا قيل عن
أولئك الزهاد والعباد من البصريين: أنهم صديقون، فهو كما يقال: عن أئمة الفقهاء من أهل الكوفة أنهم صديقون أيضا، كل
بحسب الطريق الذي سلكه من طاعة الله ورسوله بحسب اجتهاده، وقد يكون من أجل الصديقين بحسب زمانهم، فهو من
أكمل صديقي زمانهم، والصديق في العصر الأول أآمل منهم والصديقون درجات.
اختلاف الناس فيهم:
وبعد هذا تطرق الإمام ابن تيمية إلى طرق التصوف واختلاف الناس فيهم، فأبان ذلك بمنطق العالم الباحث الذي يعطي كل
شئ حقه. فقال رحمه الله: تنازع الناس في طريقهم: فطائفة ذمت” التصوف والصوفية” وقالوا: مبتدعون خارجون عن
السنة، وطائفة غلت فيهم، وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء، وكلا طرفي هذه الأمور ذميم.
رأيه فيهم
أنهم مجتهدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، فيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم
المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل صنف من قد اجتهد فيخطىء، وفيهم من يذنب فيتوب، أو لا يتوب، ولكن هناك طائفة انتسبت إليهم من أهل البدع والزندقة، وعند المحققين من أهل التصوف أنها ليست منهم مثل الحلاج، فإن أكثر مشايخ الطرق أنكروه وأخرجوه من الطريق. ثم إن الصوفية بعد ذلك كانوا ثلاثة أصناف، صوفية الحقائق، وصوفية
الأرزاق، وصوفية الرسم.
صوفية الحقائق: فهم الذين وصفناهم بالصديقين قبل ذلك.
صوفية الأرزاق، فهم الذين وقفت عليهم الوقوف، ويشترط فيهم ثلاثة شروط: أحدها: العدالة الشرعية، بحيث يؤدون
الفرائض ويجتنبون المحارم.
الثاني: التأدب بآداب الطريق، وهي الآداب الشرعية ولا يلتفتون إلى البدع.
الثالث: لا يتمسك أحدهم بفضول الدنيا، فمن تمسك بجمع المال، أو تخلق بغير الأخلاق المحمودة، ولم يتأدب بالآداب
الشرعية فليس منهم.
صوفية الرسم: فهم المقصورون على النسبة، فمنهم اللباس والآداب الوضعية ونحو ذلك، فهؤلاء في الصوفية بمنزلة
الذي يقتصر على زي أهل العلم وأهل الجهاد، فيظن الجاهل من أقوالهم وأعمالهم أنهم من أهل التصوف، وليسوا منهم.
هذه أقوال ابن تيمية - رحمه الله - في التصوف والصوفية، وقد سبقه رأي الشاطبي في ذلك واراء أسماء، وأما البعض
فلهم رأي آخر لا يلتفت إليه لأنه مبني على غير علم، وعلى نظرات في أهل الزندقة والأدعياء وليسوا منهم.
|