عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 19-11-2006, 08:56 PM
الصورة الرمزية FRANKENSTEIN
FRANKENSTEIN FRANKENSTEIN غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
العمر: 34
المشاركات: 2,829
معدل تقييم المستوى: 0
FRANKENSTEIN is an unknown quantity at this point
افتراضي

ام ميمي التي اكلها الربو ونحن عنها غافلون! (3)
دع الخلق للخالق ودع ميمي لام ميمي!





لعلها كانت المرة الاولى التي يخرج فيها ميمي من بيت امه بعد نفاذ علبة الكبريت دون ان تصحبه امه بالبصاق الحميم واللعنات الحنونة, فقد كانت هذه المرة ذاهلة عنه بعد ان نكأ جراحها التي لم تكن على استعداد لتحمل نكئها الان وهنا وامامي. كانت لحظة نادرة بالنسبة لي ان ارى ام ميمي وهي تبكي وتسعل لاهما ولافرحا, كعاشق خط سطرا في الهوى ومحا, لم يكن ماتفعله بكاء ان شئت الدقة, كان جسدها كله ينتفض حزنا وغضبا وهي تلطم على خديها وتشد شعرها وتخبط الحائط بكلتا قبضتيها, وقفت ارقبها وانا لاالوي على شئ, تتنازعني مشعار الشفقة عليها والدهشة من انها بشر مثلنا يمتلك مشاعر واحاسيس والخوف من مزيد من الفاجات التي لا تتحملها حياتي الان في خضم المعترك الدراسي الذي انا فيه. لم تقتنع ام ميمي بحيادي, ارادت ان تدخلني معها في "تجربة" الحزن المرير التي تعاني منها, شعرت للمرة الاولى ان ام ميمي كانت تقيم لي وزنا وانها تشعر بجرح عميق لان ابنها مرمغ شرفها في الوحل, وهو مااتضح انه يعني لها الكثير, بدأ ذلك واضحا من منظر عينيها الزائغتين الممطرتين دمعا وصوتها الكسير وهي تقول لي متضرعة كان رايي فيها يعني شيئا "اوعى تصدقه يابني -كانت المرة الاولى التي تمنحني فيها شرف البنوة.. عادة كانت تقول لي ياانص اويامنيل على عين امك- شعراوي ابوه كان بيرفعني بالمطواة ويخليني اخده هو واخته وهم لسه صغيرين ويخلينا نسيب البيت ونقعد على محطة الاتوبيس على ما الزبون اللي كان بيجيبه بيقضي غرضه هو والسافلة اللي جايبها له شعراوي.. لما كنت باقوله حرام عليك تشحطط عيالك كده.. يقولي واكلكوا منين ياولاد الكلب.. انتوا فاكرين الحلاقة هتأكلكوا عيش ياولاد الكلب.. وبعدين هو انا بارميكو في الشارع.. ده انتو قاعدين على محطة الاتوبيس في الضلة والطراوة.. وكلها ساعة.. اجعص جعيص بيقعد ساعة.. ولما كبروا العيال وابتدوا ياخدوا بالهم اتخانقت معاه خناقة لرب السما وقلت له هابلغ البوليس لو حاولت تطلعني من الشقة قام دلق على براد مية مغلية وحرق رجلي من وراكي لحد سمانتي.. مش مصدقني حتى بص اهوه.. انت مش غريب انت زي ابني -ازاحت طرف ثوبها البيتي الدائم عن حرق بشع لم اتحمل ادامة النظر اليه-.. شايف.. تصدق الحرق ده اللي هيخليك ترجع كان على قلبي زي العسل.. كان هو الحرق اللي كنت طلباه من ربنا.. حاكم هو اللي خلاني بلغت عنه وطلبت الطلاق ومن ساعة ماكسبت القضية حكموا عليه يبعد عني وعن عيالي.. ويدينا نفقة قلت لهم يغور بيها مش عايزاها.. حد الله بيني وبين الحرام".

لم تعد ام ميمي قادرة على اكمال حكيها من فرط نوبة السعال التي انتابتها ولم يفلح في تهدئتها منها كوب الماء الذي احضرته لها وانا احاول استيعاب الهول الذي سمعته منها دون ان اعلم ان تلك الحكاية القصيرة المريرة التي حكتها كانت الطريق القصير الذي وجدت نفسي مدفوعا للسير عليه قبل ان اصل الى قلب الجحيم الذي تعايشت معه هذه العائلة لدرجة خدعتني انا الذي اقتربت من هذه العائلة فظننتها تحيا حياة هانئة الصخب الذي يسودها نابع من افتقاد الهموم, فاذا به صخب نابع من محاولة نسيان الهموم.

اخذت اسند ام ميمي في طريقها الى السرير وهي تحاول التغلب على سعالها الذي كان يرج الشقة المتهالكة رجا, لايكاد صوتها يبين الا بغمغمات غامضة لاتدري الدعاء على ميمي ام لعنات الشعراوي الزيناوي ام سخط على الحالة المزرية التي تنتابها؟! فردت "جتتها" على السرير, اخذت انظر اليها بتعاطف بين لم اشعر به من قبل تجاهها, ولم يكتب له لن يستمر لاكثر من ثواني, اذ ماان هدأ سعالها قليلا حتى بادرتني بصوت منغم قالت بعده "ايه ياله.. انت هتصورني ولا ايه يا (..) امك.. ماشفتش واحدة عيانة قبل كدة.. امشي انجر اعملي كوباية شاي". اكبرت فيها رفضها ان تنكسر تماما مثل مصر بعد هزية سبعة وستين, فضحكت وهرعت لاعمل لها كوباية الشاي, عندما عدت كانت راحت في النوم كتنين مرهق.

وانا على فراشي في الصالة انتظر النوم استغربت كيف تمكنت ام ميمي بهذه السهولة من معانقة الكرى, وهي تحمل فوق صدرها هما ارقني مجرد الاستماع اليه فمابالك بمعايشته, اخذت اتخيل صورتها وهي تخرج مسرعة مرتبكة مع ابنها وبنتها في اي وقت من اليوم لينتظروا على محطة الاتوبيس فراغ الزبون من لذته سواء كان ذلك في البرد القارس او الحر الحارق, اخذت اعيد تمثل ميمي وسيرة حياته واتفهم كل مايعيسه من حيرة وعناء بل واقتربت من حبه لانه تمكن من الصمود برغم كل ذلك التاريخ الذي حمله على ظهره والذي لا يستطيع حتى الدكتور سيد عويس بجلالة قدره ان يحمله كما حمله ميمي الذي كنت احسبه ظلوما جهولا, فاذا به راجل حمال اسية صابر على البلاء كان يمكن لاحزانه ان تجعله ارهابيا دوليا او عيارا محترفا لكنه جالدها واصبح مجرد ميكانيكي سكير. رحت في النوم وانا عازم على ان افتح صفحة جديدة مع ميمي لأقنع فيها بدور النديم بل اتجاوزه الى دور الخليل والصديق بل والتلميذ الذي يتعلم فن التغلب على الاحزان من استاذ في مدرسة الحياة.. كميمي.

صحوت من النوم فزعا على صوت صراخ ام ميمي الذي دوى في جنبات شارع خلف كازينو رمسيس "ابعد عني يا وسخ.. عايز تغتسب امك ياكافر.. الحقوني ياناس.. ابني عايز يغتسبني", كان صراخها كافيا لايقاظي من احلى نومة لكنه لم يكن كافيا لافهم مايحدث. من خلف عيني اللتين لم يرهما النعاس حاولت تبين مايحدث وانا احاول النهوض دون ان يختل توازني او ارتطم بشئ, كنت ارى شخصا ينقض على ام ميمي النائمة على سريرها لكنه مايلبث ان يبتعد حين تضربه بالشلوت او تدفعه بشراسة, وهو يلهث بصوت عال ويقول لها "بقى انا مش راجل ياكافرة.. انا هاوريكي انا راجل ولا لأ", كان الصوت صوت ميمي, لكنني لم اصدق النتائج الاولية التي ارسل الى بها عقلي, كان النوم قد طار من عيني فانقضضت على الرجل وأدرت وجهه نحوي, كان هول المفاجأة اقسى من اللكمة التي سددها الي, كان ميمي فعلا, وقفت ذاهلا احاول الفهم, فانقض ثانية على امه التي كان صراخها متواصلا مختلطا بلعناتها وسعالها ودموعها, كنت اسمع كثيرا تعبير "اسقط في يدي", لكنني لم اكن قد اسقط في يدي الا في تلك اللحظة الجهنمية, كان شلوت جديد من ام ميمي قد قذ به علي فامسكت به بكل مااوتيت من قوة, لكنه كان قد اوتى قوة ثور هائج -هائج فعلا- برغم رائحة السكر البين التي تفوح منه, قال لي كأنه ينبهني الى ماهو خاف عني "ماتخافش انا بس هفرحها انها مخلفة راجل مش مرة زي مابتقول.. اصلها مش مصدقة ان انا راجل.. مع اني لما بانزل عندنا في الحتة في الظاهر العيال بتوع المنتئة كلهم بييجزا ويقولوا لي والنبي يااسطى ميمي قولنا اخبار الرجولة ايه.. اصلها بعدك دخلت في الجدول" -للامانة لم افهم ماعناه ميمي وقتها بالجملة الاخيرة لكن الزمن علمني فيما بعد انها تعني ان الرجولة اصبحت شيئا محرما ومحظورا وأن حكاية دخلت في الجدول هي استعارة مكنية تشير الى دخول احد الادوية جدول المخدرات وتحوله الى دواء محرم.. لذا لزم التنويه- ..جاء الرد على ميمي فوريا من امه "وهي دي الرجولة ياواطي.. هو اللي بتعمله رجولة دي خيابة.. مش لاقي مرة تعبرك زلاحتى تبص لك نص بصة جاي تتشظر على امك.. مش قلت لك مرة.. وحياة امك لاعملك عملية وارجعك بت زي ماكان مفروض" -كشف رد ام ميمي عن دراية طبية واسعة لم اكن اتوقعها.. لكنها على اي حال لم يكن مفحما بقدر ماكان مثيرا اكثر لغضب ميمي الذي تحول فجأة الى عصبة اولى قوة من الرجال لم استطع لها دفعا-, انقض عليها من جديد وهو اكثر شراسة وعنفا وصوته يدوي في الشقة قائلا "انا اصلا طول اليوم كل الناس تقولي يابن (..) وانا مش مصدقهم.. سيبيني اصدقهم والنبي.. وحياة امك مانا سايبك الا لما اقولهم بعد كده عندكو حق". لفت ماقاله ميمي انتباهي الى ان فعلته الشنعاء لم تعد الان مجرد نزوة سكر غير محسوبة العواقب كما كنت اتخيلها, بل اصبحت قرارا له منطقه الخاص الذي ستبنى عليه نتائج مستقبلية يبدو ميمي شديد الايمان بها. كنت على وشك ان اشرع في مناقشته وابين له خطل منطقه لعله يروعى عن غيه, لكن صوت خبطات عنيفة على باب الشقة جعلتني اتركه يرتد على امه في هجمة جديدة قابلتها بمزيد من الشلاليت والتلطيش والصراخ, بينما سارعت متجها نحو باب الشقة لكي افتحه لعلى اجد من ينجدني ويساعدني في فض هذا الاشتباك الذي كنت اتمنى ان يتوقف لا لكي ارتاح بل لكي احاول الفهم, فقط ليس الا.

ماان فتحت الباب حتى تدفع الجيران داخلين الى الشقة مسلحين بعصى وسكاكين وسواطير وفوق كل هذا بفهم اكثر اكتمالا لما يحدث, لم ادر مااذا كان سببه ادراكهم لما حدث من خلال صراخ ام ميمي, ام معايشتهم له وقد حدث قبل ذلك, لم يكن الوقت متاحا للسؤال او الفهم, كان المهم الان ان احاول تخليص ميمي من ايديهم, خاصة انه حاول اه يشرح لهم منطق هجمته الشرسة على امه, وهو ماكاد يجعله يخسر حياته, لكن الله سلم والبوليس جه.

امام الضابط في نقطة الشرطة القريبة بدأت النفوس تهدأ قليلا, لم يذكر احد من الموجودين كلمة عن ميمي وخطته, بما فيهم ام ميمي, كان الكل -بما فيهم ميمي وامه- يحكي وقائع مختلفة لما حدث مفادها ان ميمي حاول سرقة امه وهو سكران, لكن تدخل اولاد الحلال احبط ذلك, اخذت اتابع مايحدث وانا فاغر فمي مشدوها بعبقرية الجميع في التمثيل, حتى انني لوهلة نظرت خلفي لابحث عن اسماعيل عبد الحافظ او محمد فاضل في الاستوديو اقصد في القسم, كانت ام ميمي تبكي وهي تلعن الخمرة التي لحست عقل ابنها وقوت قلبه عليها وافتكرها ياما هنا ياما هناك مع انها ولية غلبانة ومابتقصرش في حقه, وكان ميمي اثناء هذه الحكاية يرقد على قدمها يقبلها وهو ينشج طالبا رضاها وصفحها مؤمنا عن يقين بأن الجنة تحت اقدام الامهات, وكان الضابط يركله على مؤخرته ركلا عنيفا وهو يقول له "قوم يا (..) امك.. لامؤاخذة ياحاجة سيبيني اربيه", وكانت ام ميمي تحاول ان تمسك يد الضابط لتقبلها وتقول له "معلش ياباشا عيل وغلط.. سامحه انا سامحته", كان المشهد ينتمي الى افلام حسين الامام بجدارة, لكنه كان حقيقيا, انا متأكد انه كان حقيقيا, لانني افقت من شكوكي حول مااذا كان حقيقيا على صوت الضابط وهو يقول لي بعنف "وانت مين يااخ انت", تعاملت مع الصوت على انه جزء من الخيال الضبابي لكنه عندما تكرر مصحوبا بزغردة عنيفة لم يدع لي مجالا للشك في انني اعيش فعلا في كل ماسبق وان الله لم يستجب ابتهالي اليه بأن يكون كل هذا مجرد حلم انتجته صدمة حكاية شعراوي ومحطة الاتوبيس.

عندما تأخرت في الرد تدخل احد اولاد الحلال لنجدتي قائلا "ده طالب ساكن عندهم يابيه", هززت رأسي موافقا فنظر الضابط الى ام ميمي وقال لها بصوت عنيف "مسكنة بيتك مفروش من غير ماتبلغي القسم.. وقعتك سودة ياأم ميمي.. البلد فيها ارهاب ياولية بتسكني عندك حد من غير مانعرف", في لحظات اخذت ام ميمي القرار الصعب على والسهل عليها, قرار ان تبيعني بعرض من الدنيا قليل, قالتها بتلقائية لا تحتمل الشك "ماأعرفوش ياباشا.. ولا عمري شوفته", لم اتمكن من الرد عليها ربما لان فمي كان لايزال مفتوحا منذ ان فغرته قبل ساعة ونيف بمجرد استيقاظي من النوم, نظر الضابط الى البيجامة التي ارتديها, ثم اثر التريث وقال "طيب نخلص اللي في ايدينا الاول ونشوف حكايته".

انتهى الموقف بأخذ تعهد على ميمي الا يحاول سرقة امه ثانية, وقيامه بتقبيل راسها امام الضابط, وقراءة الفاتحة جماعة على ذلك, اكتشفت ام ميمي يحفظ الفاتحة لانه قرأها بصوت عالي مليئ بالحماس والاخطاء اللغوية, اه كدت انسى, كما انتهى ببياتي في الحجز حتى التحقق من شخصيتي بعد ان تضارب الاقوال بشأني, ميمي وام ميمي يحلفان انهما لم يرياني ابدا ولايعرفان من انا اساسا, وانا الطم واطلب من الضابط ان يرسل اي عسكري الى الشقة لكي اعطيه صورة العقد ولكي يرى كتبي وملابسي الموجودة بداخل الشقة, والجيران يردون باجابات من نوعية "الله اعلم.. جايز.. اتخايلنا بيه قبل كده".
__________________



Not everything that can be counted counts, and not everything that counts can be counted