الموضوع: غزوة أحد
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 18-02-2010, 12:12 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي


غزوة أحد والدروس معاملة النبي للرماة والمنافقين:

أ- الرماة:

إن الرماة الذين أخطأوا الاجتهاد في غزوة أحد لم يخرجهم الرسول صلى الله عليه وسلم خارج الصف، ولم يقل لهم إنكم لا تصلحون لشيء من هذا الأمر بعدما بدا منكم في التجربة من النقص والضعف، بل قبل ضعفهم هذا في رحمة وعفو وفي سماحة، ثم شمل سبحانه وتعالى برعايته وعفوه جميع الذين اشتركوا في هذه الغزوة، رغم ما وقع من بعضهم من أخطاء جسيمة وما ترتب عليه من خسائر فادحة، فعفا سبحانه وتعالى عفوًا غسل به خطاياهم ومحا به آثار تلك الخطايا، قال تعالى: ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إذا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) [آل عمران: 152].

وهناك أمر مهم يتصل بهذا العفو قد يترك أثرًا في نفوسهم يعوقها بعض الشيء، ذلك هو موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم مما حدث منهم، إنهم يشعرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو وحده الذي تحمل نتيجة تلك الأخطاء فلا بد أن ينالوا منه عفوًا تطيب به نفوسهم، وتتم به نعمة الله عليهم، لهذا أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يعفو عنهم وحثه على الاستغفار لهم، كما أمره أن يأخذ رأيهم والاستماع إلى مشورتهم، ولا يجعل ما حدث صارفًا له عن الاستفادة من خبراتهم ومشورتهم، قال تعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) [آل عمران: 159].

ب- انخذال ابن سلول المنافق:

كان هدف عبد الله ابن سلول بانسحابه بثلاثمائة من المنافقين، كان يريد أن يحدث بلبلة واضطرابًا في الجيش الإسلامي، لتنهار معنوياته ويتشجع العدو، وتعلو همته وعمله هذا ينطوي على استهانة بمستقبل الإسلام، وغدر به في أحلك الظروف، وقد حاول عبد الله بن حرام أن يمنعهم من ذلك الانخذال إلا أنهم رفضوا دعوته، وفيهم نزل قول الله تعالى: ( وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ *وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ) [آل عمران: 166-167].

فالبرغم من خطورة الموقف وحاجة المسلمين لهذا العدد، لقلة جيش المسلمين وكثرة جيش قريش إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك هؤلاء المنافقين وشأنهم، ولم يعرهم أي اهتمام، واكتفى بفضح أمرهم أمام الناس.

وكان لهذا الأسلوب أثره في توبيخ وإهانة ابن سلول، فعندما رجع رسول الله من غزوته من حمراء الأسد، أراد ابن سلول أن يقوم كعادته لحث الناس على طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام الزهري كان عبد الله بن أبي له مقام يقومه كل جمعة لا ينكسر له شرفًا في نفسه وفي قومه، وكان فيهم شريفًا، إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام فقال: أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم أكرمكم الله به وأعزكم به، فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع ورجع الناس، قام يفعل ذلك كما كان يفعله، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه، وقالوا: اجلس أي عدو الله، والله لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بُجرًا، إن قمت أشدد أمره فلقيه رجال من الأنصار بباب المسجد فقالوا: ويلك ما لك؟ قال: قمت أشدد أمره فوثب إلي رجال من أصحابه يجبذونني ويعنفونني لكأنما قلت بجرًا أن قمت أشدد أمره، قالوا: ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله، قال: والله ما أبغي أن يستغفر لي) (صحيح البخاري، المغازي، رقم 4084).

«أحد جبل يحبنا ونحبه»:

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم طَلَع له أحدٌ فقال: «هذا جبل يحبنا ونحبه»(صحيح مسلم ج 2 ص 993).

وهذا يدل على دقة شعور النبي صلى الله عليه وسلم حيث قارن بين ما كسبه المسلمون من منعة التحصن والاحتماء بذلك الجبل، وما أودعه الله تعالى فيه من قابلية لذلك، فعبر عن ذلك بأرقى وشائج الصلة وهي المحبة، أفلا يعتبر هذا الوجدان الحي والإحساس المرهف مثلا أعلى على التخلق بخلق الوفاء؟ ألا إن الذي يعترف بفضل الحجارة الصماء، ويفضي عليها من الأخلاق السامية ما لا يتصف به إلا أفاضل العقلاء لجدير به أن يعترف بأدنى فضل يكون من بني الإنسان، وإن كان وفاؤه صلى الله عليه وسلم للجماد قد سما حتى حاز أرقى العبارات وأرقها، فأخلق ببني الإنسان الأوفياء أن ينالوا منه أعظم من ذلك، فضلا عمن تجمعه بهم الأخوة في الله تعالى.

والحديث النبوي الشريف فيه كثير من المعاني منها ما ذكره الحميدي، ومنها ما قاله الأستاذ صالح الشامي حيث قال: والإنسان كثيرًا ما يربط بين المصيبة وبين مكانها أو زمانها.. وحتى لا تنسحب هذه العادة وتستمر بعد أن جاء الإسلام كان هذا القول الكريم بيانًا للحق، وابتعادًا عن الطيرة والتشاؤم، وذلك المعنى الذي يبقي الآثار السيئة في نفس الإنسان، ولا شك أن المسلمين سيقفون على أحد يتذكرون تلك المعركة فحتى لا يرتبط بفكرهم ذلك المعنى السيئ بين لهم أن المكان والزمان مخلوقات لله لا علاقة لهما ولا أثر بما يحدث فيهما، وإنما الأمر بيد الله تعالى، والاستشهاد في سبيل الله كرامة لصاحبه لا مصيبة، وهكذا تتسق المفاهيم في إطارها الإيماني، إذًا (أحد) يكرم ويحب انطلاقًا من هذا القول الكريم، وكيف لا يكرم وقد اختاره الله ليثوي فيه حمزة وأصحابه ممن اختارهم الله في ذلك اليوم فجادوا بأنفسهم ابتغاء مرضاته.

الملائكة في أحد:

قال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: (رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد، رجلين عليهما ثياب يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد، يعني جبريل وميكائيل، عليهما السلام) (مسلم، كتاب الفضائل، باب في قتال جبريل وميكائيل (4/1802).

وهذا خاص بالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تكفل بعصمته من الناس، ولم يصح أن الملائكة قاتلت في أحد سوى هذا القتال، ذلك لأن الله تعالى وعدهم أن يمدهم؛ وجعل وعده معلقًا على ثلاثة أمور: الصبر والتقوى وإتيان الأعداء من فورهم، ولم تتحقق هذه الأمور فلم يحصل الإمداد، قال تعالى: ( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنزَلِينَ *بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ) [آل عمران: 124، 125]

قوانين النصر والهزيمة:

تحدثت سورة الأنفال عن غزوة بدر بشيء من التفصيل، وتحدثت سورة آل عمران عن غزوة أحد لكي تتعلم الأمة كثيرًا من المفاهيم، تتعلق بمفهوم القضاء والقدر، ومفهوم الحياة والموت، ومفهوم النصر والهزيمة، ومفهوم الربح والخسارة، ومفهوم الإيمان والنفاق، ومفهوم المنحة والمحنة، ومن المفاهيم التي تعلمها الصحابة -رضي الله عنهم- من خلال أحداث بدر وأحد وسورتي الأنفال وآل عمران، قوانين النصر والهزيمة، وهذه القوانين قد بينتها الآيات الكريمة ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أ- النصر ابتداء وانتهاء، بيد الله عز وجل، وليس ملكًا لأحد من الخلق، يهبه الله لمن يشاء ويصرفه عمن يشاء، مثله مثل الرزق، والأجل والعمل: ( وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [الأنفال: 10].

ب- وحين يقدر الله تعالى النصر، فلن تستطيع قوى الأرض كلها الحيلولة دونه،وحين يقدر الهزيمة، فلن تستطيع قوى الأرض أن تحول بينه وبين الأمة، قال تعالى: ( إِن يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) [آل عمران: 160].

ج- ولكن هذا النصر له نواميس ثابتة عند الله عز وجل، نحن بحاجة إلى فقهها، فلا بد أن تكون الراية خالصة لله سبحانه عند الذين يمثلون جنده، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) [محمد: 7] ونصر الله في الاستجابة له، والاستقامة على منهجه والجهاد في سبيله.

د- ووحدة الصف ووحدة الكلمة أساس في النصر، وتفريق الكلمة والاختلاف في الرأي دمار وهزيمة، قال تعالى: ( وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [الأنفال: 46].

هـ- وطاعة أمر الله تعالى ورسوله وعدم الخروج عليها أساس في النصر، أما المعصية فتقود إلى الهزيمة قال تعالى: ( وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [الأنفال: 46].

و- وحب الدنيا والتهافت عليها يفقد الأمة عون الله ونصره، قال تعالى: ( حَتَّى إذا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ ) [آل عمران: 152].

ز- ونقص العدد والعدة ليس هو سبب الهزيمة، قال تعالى: ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [آل عمران: 123].

ح- ولكن لا بد من الإعداد المادي والمعنوي لمواجهة العدو، قال تعالى: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) [الأنفال: 60].

ط- والثبات عند المواجهة، والصبر عند اللقاء من العوامل الرئيسية في النصر، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[الأنفال: 45].

وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ لأَدْبَارَ )[الأنفال:15].

ي- ولا شيء يعين على الثبات والصبر عند اللقاء مثل ذكر الله الكثير، باتجاه القلب إلى الله وحده منزل النصر، وطلب العون منه، والتوكل عليه، وعدم الاعتماد على العدد أو العدة أو الذات، والتبرؤ من الحول والقوة، هو عامل أساسي من عوامل النصر، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[الأنفال: 45].

===========================
المصدر: كتاب ( السيرة النبوية للصلابى)