
18-02-2010, 12:13 PM
|
 |
نـجــم الـعـطــاء
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
|
|
أحداث ما بعد المعركة (1)حوار أبي سفيان مع الرسول وأصحابه:
قال البراء - رضي الله عنه -: (وأشرف أبو سفيان فقال أفي القوم محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه»، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: «لا تجيبوه»، فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء القوم قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر - رضي الله عنه - نفسه فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك، قال أبو سفيان: اعلُ هبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه»، قال: قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجل»، قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه»، قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا الله مولانا ولا مولى لكم»، قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني) (البخاري، المغازي، رقم 4043).
وفي رواية قال عمر: (لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار) (السيرة النبوية الصحيحة 2/392 ).
عزة المسلم:
كان في سؤال أبي سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر دلالة واضحة على اهتمام المشركين بهؤلاء دون غيرهم؛ لأنه في علمهم أنهم أهل الإسلام وبهم قام صرحه وأركان دولته وأعمدة نظامه، ففي موتهم يعتقد المشركون أنه لا يقوم الإسلام بعدهم وكان السكوت عن إجابة أبي سفيان أولاً تصغيرًا له حتى إذا انتشى وملأه الكبر أخبروه بحقيقة الأمر، وردوا عليه بشجاعة.
وفي هذا يقول ابن القيم في تعليقه على هذا الحوار: فأمرهم بجوابه عند افتخاره بآلهته، وبشركه، تعظيمًا للتوحيد. وإعلامًا بعزة من عبده المسلمون، وقوة جانبه، وأنه لا يغلب، ونحن حزبه وجنده. ولم يأمرهم بإجابته حين قال: أفيكم محمد؟ أفيكم ابن أبي قحافة؟ أفيكم عمر؟ بل روي أنه نهاهم عن إجابته، وقال: لا تجيبوه؛ لأن كَلْمَهم لم يكن برد في طلب القوم، ونار غيظهم بعد متوقدة، فلما قال لأصحابه: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، حمي عمر بن الخطاب واشتد غضبه وقال: كذبت يا عدو الله، فكان في هذا الإعلام من الإذلال، والشجاعة وعدم الجبن، والتعرف إلى العدو في تلك الحال، ما يؤذيهم بقوة القوم وبسالتهم، وأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا، وأنه وقومه جديرون بعدم الخوف منهم وقد أبقى الله لهم ما يسؤوهم منهم،
وكان في الإعلام ببقاء هؤلاء الثلاثة بعد ظنه، وظن قومه أنهم قد أصيبوا من المصلحة، وغيظ العدو وحزبه، والفت في عضده ما ليس في جوابه حين سأل عنهم واحدًا واحدًا، فكان سؤاله عنهم ونعيهم لقومه آخر سهام العدو كيده، فصبر له النبي صلى الله عليه وسلم حتى استوفى كيده، ثم انتدب له عمر فرد بسهام كيده عليه، وكان ترك الجواب عليه أحسن، وذكره ثانيًا أحسن، وأيضا فإن في ترك إجابته حين سأله عنهم إهانة له، وتصغيرًا لشأنه، فلما منته نفسه موتهم، وظن أنهم قد قتلوا، وحصل له بذلك من الكبر والأشر ما حصل، كان في جوابه إهانة له، وتحقير وإذلال، ولم يكن هذا مخالفًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تجيبوه» فإن إنما نهى عن إجابته حين سأل: أفيكم محمد؟ أفيكم فلان؟ ولم ينه عن إجابته حين قال: أما هؤلاء فقد قتلوا، وبكل حال فلا أحسن من ترك إجابته أولاً، ولا أحسن من إجابته ثانيًا.
(2) تفقد الرسول الشهداء:
بعد أن انسحب أبو سفيان من أرض المعركة ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم ليتفقد أصحابه رضي الله عنهم، فمر على بعضهم، ومنهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وحنظلة بن أبي عامر، وسعد بن الربيع والأصيرم، وبقية الصحابة رضي الله عنهم، فلما أشرف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا شهيد على هؤلاء، إنه ما من جريح يجرح في الله إلا والله بعثه يوم القيامة، يدمي جرحه، اللون لون دم، والريح ريح المسك، انظروا أكثر هؤلاء جمعًا للقرآن، فاجعلوه أمام أصحابه في القبر» (الآحاد والمثانى ج1 ص453).
وقال جابر بن عبد الله في رواية البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟» فإذا أشير له إلى واحد قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا) (البخاري، كتاب المغازي، رقم 4079).
(وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا حيث صرعوا، وأعيد من أخذ ليدفن داخل المدينة) (سنن النسائي السيوطي وحاشية السندي، كتاب الجنائز، باب أين يدفن الشهيد (4/79) رقم 2006).
صبر الرسول وصحابته الكرام:
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب، وقد مُثِّل به حزن حزنًا شديدًا، وبكى حتى نشغ من البكاء وقال صلى الله عليه وسلم: (لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم»، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن ظفرنا الله بهم يومًا من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب، فنزل قول الله تعالى: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ) [النحل: 126] (تاريخ الطبرى ج 2 ص 72).
لقد ارتكب المشركون صورًا من الوحشية، حيث قاموا بالتمثيل في قتلى المسلمين فبقروا بطون كثير من القتلى وجدعوا أنوفهم، وقطعوا الآذان ومذاكير بعضهم.
ومع ذلك صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه واستجابوا لتوجيه المولى عز وجل، فعفا وصبر وكفَّر عن يمينه، ونهى عن المثلة.
روى ابن إسحاق بسنده عن سمرة بن جندب قال: (ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه، حتى يأمرنا بالصدقة وينهانا عن المثلة)(5) ( السيرة النبويةج 4 ص 46 ).
(3) دعاء الرسول يوم أحد:
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الظهر قاعدًا لكثرة ما نزف من دمه، وصلى وراءه المسلمون قعود، وتوجه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة إلى الله بالدعاء والثناء على ما نالهم من الجهد والبلاء، فقال لأصحابه: «استووا، حتى أثني على ربي عز وجل» فصاروا خلفه صفوفًا، ثم دعا بهذه الكلمات الدالة على عمق الإيمان،
فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك النعيم يوم الغلبة، والأمن يوم الخوف، اللهم عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعت، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا نادمين ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسولك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق»(2) ثم ركب فرسه ورجع إلى المدينة) (مجمع الزوائد (6/121، 122) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح).
الدعاء مخ العبادة:
وهذا أمر عظيم شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته لكي يطلبوا النصر والتوفيق من رب العالمين، وبين لأمته أن الدعاء مطلوب في ساعة النصر والفتح، وفي ساعة الهزيمة لأن الدعاء مخ العبادة، كما أنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ويجعل القلوب متعلقة بخالقها، فينزل عليها السكينة، والثبات والاطمئنان ويمدها بقوة روحية عظيمة، فترتفع المعنويات نحو المعالي وتتطلع إلى ما عند الله تعالى.
في أعقاب المعركة، يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم أهبته وينظم المسلمين صفوفًا، لكي يثني على ربه عز وجل، إنه لموقف عظيم، يجلي إيمانًا عميقًا، ويكشف عن العبودية المطلقة لرب العالمين الفعَّال لما يريد، فهو القابض والباسط، المعطي والمانع، لا راد ولا معقب لحكمه.
إن هذا الموقف من أعظم مواقف العبودية التي تسمو بالعابدين، وتجل المعبود، كأعظم ما يكون الإجلال والإكبار، وأبرز ما يكون الحمد والثناء.
(4) معرفة وجهة العدو:
بعد أن انسحب جيش المشركين من أرض المعركة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بعد الغزوة مباشرة، وذلك لمعرفة اتجاه العدو، فقال له: (اخرج في آثار القوم، وانظر ماذا يصنعون وما يريدون؟ فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم قال علي: فخرجت في أثرهم ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة فرجع علي - رضي الله عنه - وأخبر رسول الله بخبر القوم) ( السيرة النبوية ج4 ص 43 ).
وفي هذا الخبر عدة دروس وعبر منها:
ـ يقظة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومراقبته الدقيقة لتحركات العدو، وقدرته صلى الله عليه وسلم على تقدير الأمور.
ـ ظهور قوته المعنوية العالية، ويظهر ذلك في استعداده لمقاتلة المشركين لو أرادوا المدينة.
ـ ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بعلي - رضي الله عنه - ومعرفته بمعادن الرجال، وفيه شجاعة علي - رضي الله عنه -؛ لأن هذا الجيش لو أبصره ما تورع في محاولة قتله.
ـ ونلحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في أرض المعركة بعد أن انتهت، تفقد خلالها الجرحى والشهداء، وأمر بدفنهم ودعا ربه وأثنى عليه سبحانه، وأرسل عليًّا ليتتبع خبر القوم، كل ذلك من أجل أن يحافظ على النصر الذي أحرزه المسلمون في غزوة أحد، وهذا من فقه سنن الله تعالى في الحروب والمعارك، فقد جعل سبحانه من سننه في خلقه أن جعل للنصر أسبابًا، وللهزيمة أسبابًا، فمن أخذ بأسباب النصر، وصدق التوكل على الله سبحانه وتعالى حقيقة التوكل نال النصر بإذن الله عز وجل، كما قال تعالى: ( سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) [الفتح: 23].
ويتجلى فقه النبي صلى الله عليه وسلم في ممارسة سنة الأخذ بالأسباب في غزوة حمراء الأسد.
=============================
المصدر: كتاب (لاسيرة النبوية للصلايى)
|