عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18-02-2010, 04:17 PM
the long night the long night غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 23
معدل تقييم المستوى: 0
the long night is on a distinguished road
افتراضي

و جزاك الله خيرا و نرجو أن يستفيد القراء و المسلمين جميعا و اليكم
الباب الثاني : ثقافة التيه

وهو باب تأسس علي رؤية واقعية للنفس المستعبَدة في وضعها الحالي .. يحاول أن يري الوجه الخفي لها من خلف الدفاعات المعلنة و الأقنعة الساترة و الخادعة ، ويهدف إلى الانتقال بها إلي وضع أفضل .. من خلال دراسة في علم النفس السياسي نأمل أن تكون لبنة في الأساس تلحقها دراسات أخري تقويها أو تطورها أو تعدلها أو تعلو فوقها ..

و القيمة الأساسية – فى نظرنا – لهذه المحاولة هي في شق طريق البحث النفساني فى مسألة الاستعباد ، و إدخال تنظيم مبدئي لما كان يبدو عشوائياً في تصرفات الإنسان المستعبد وممارساته ، وجمع هذه الجزئيات في كل مترابط نمتلك من خلاله علماً حقيقياً ينطلق من النفوس ، وممارسات الحياة اليومية ؛ فندرك الصورة علي ما هي عليه ، ونعبّر عنها علي نحو منصف ، ونضع أفكارنا وأعمالنا في الإطار السليم الذي ينبغي أن نضعها فيه في طريقنا العملي نحو تحرير الإنسان ..



ولأنه من الأفضل أن نرى واقعنا فى أشعة الشمس الواضحة ، والتى قد تكون محرقة .. بدلاً من أن يبقي تحت الأشعة فوق البنفسجية ، التى لا تُرى ، ولكنها قاتلة ..!! .. فإننا نؤكد أننا لن نعبر إلى " حريتنا المفقودة " إلا عبر جرأتنا على مواجهة " عبوديتنا المختارة " .. ومن ثم كان :

ـ الفصل الأول: العبودية المختارة

والذي حاولنا فيه أن " نقبض " بالفكر – إن صح التعبير ـ علي مأساة الاستعباد فى حياتنا وإدراك جذور عبوديتنا ، و الإجابة علي تساؤلات كثيرة حول تلك المأساة ، مثل : لماذا يحتمل الناس طاغية لا يملك من السلطان إلا ما أعطوه ، ولا من القدرة على الأذى إلا بقدر احتمالهم الأذى منه ؟ .. ولماذا يتحول الإنسان إلي كائن مسخ يتقن الكذب والتمثيل ؟ .. ولماذا لا يري عيباً فى عبوديته ، ويشعر أنها طوق يستحيل كسره .. بل ربما رأي التحرر انتحاراً ؟! .. إلي غيرها من التساؤلات التي لا بد من الإجابة عنها ، حتى لا نظن أننا بذلنا غاية الجهد فى سبيل التحرر من العبودية ، بينما نحن لم نتجاوز مجرد الحديث عنها ، وإدمان الشكوي من واقعها الأليم ..!!



حاولنا الإجابة علي تلك التساؤلات عبر تسليط أضواء البحث العلمي الجاد علي " الاستعباد " من جانبه النفسي والتربوي .. ولقد كشفت لنا أضواء البحث أن سبب ذلك المرض هو ما يمكن أن نطلق عليه " مركب العبودية التربوية " ؛ فالمربون " يضطرهم " الاستبداد إلي الكذب والنفاق والتذلل ، و" يدعوهم " الخوف إلى تربية الأبناء علي العبودية للمستبدين ، و " يأمرهم " الهوان أن يكونوا هم ومن يربونهم زيادة في مملكة الاستبداد ، فيتهافتون على الرق والخِدمة ، ويضعون بأنفسهم الأغلال فى أعناقهم والسلاسل فى أقدامهم ، ويلبسون شارة العبودية فى مباهاة واختيال ..!!



ويتم ذلك من خلال " الترويض " الذي يهييء تربة المجتمع لاستنبات بذور الاستعباد ، و يميّع النفوس فى سوائل ومحاليل الاستكبار التي تشبه إلى حد كبير ما يزعمه السحرة من محاليل تحوّل التراب إلى ذهب ..!! ولكنها هذه المرة تحوّل الذهب الإنساني إلى تراب عديم الفائدة ، لا يقدر علي شيء إلا " امتصاص " العبودية من كل واقع إستبدادي ؛ لأنه يعاني في داخله من " القابلية للاستعباد " التي تنشيء في النفوس أخلاقيات الضعف والخوف ، وممارسات الانعزال في دائرة الهموم الفردية ؛ فيفقد الإنسان الطموح إلي الحرية ، و يهرب من تضحيات التحرر بإلقاء هذا " الحِمل " علي السلطة المستبدة ليرتاح .. و يكون ثمن هذه الراحة هو " حياة الأغلال " التي يرى الإنسان من خلالها أن التحرر تمردًا ، والاستعلاء شذوذًا ، والعزة جريمة ، ومن ثم يصب نقمته الجامحة على الأحرار ، الذين لا يسيرون فى قافلة الرقيق .. التي تجري وراء من استغني عنها ، وتطلب محبة من ترفع عليها ..



ولا شك أن أكثر ما يؤلم في هذه الحياة .. حياة الأغلال .. أننا شاركنا فى حفر فخها بأنفسنا ، وبحماس منقطع النظير .. فكلنا يتحمل جزءاً من المسؤولية ؛ فأعداؤنا لم يجرُُّونا إلى نفق العبودية جراً ، بل إننا أحياناً ركضنا إليه ، وشاركنا فى حفره وبنائه فى أحيان أخرى .. وفى جر الآخرين إلى غياباته فى معظم الأوقات ..!! فهل نحن واعون لنقائصنا ، ولكننا نتعايش معها .. أم أننا ألفنا ظلام العبودية فلم نعد نرغب في نور الحرية ؟!!



إن الحقيقة المرّة أننا لا زلنا نصنع آلهتنا ، ولكنها ليست من تَمر نأكله حين يعضُّنا الجوع ، وإنما هي من لحم ودم ، نركع تحت أقدامها ، و نتجادل ـ وبكل صفاقة ـ أيها أقلُّ سوءاً ؟! .. وكأن الأفضلية عندنا لها حدٌّ خاص قِمَّتُه الصفر ، وقياساته تحت الصفر ..!!



إنه لا يوجد شيء يبرر الحط من مكانة البشر ، و لا يبرر البؤس ولقمة العيش الاستسلام للعبودية .. بل من حق البؤساء التمرد في وجه الانتهاك الإنساني الذي كانوا ضحاياه المعذبين طويلاً .. لأنهم إن لم يقوموا بذلك فسيدخلون في حالة الإحباط وعدم الفعالية ، ومن ثم لا يستطيعون تقديم الشهادة العملية للحرية ، ولا البقاء في ميدان الصراع من أجلها دون استسلام .. ليس لأنهم مكبلون بأغلال الحديد ، وإنما لأنهم مكبلون بفقدان المبادأة والمقاومة ..



إننا فى جنازة الحريّة كنا المعزين ، وكنا الموتى فى الوقت ذاته .. و عند حافة المقصلة كانت رقابنا ممدودة ، وكانت أيدينا هي التى وضعتها هناك .. فكنا القتلى ، وكنا القاتلين .. كنا الجلاد ، وكنا الضحايا فى الوقت نفسه .. لقد كنّا على أقل تقدير شركاء فى تلك الجريمة التى أودت بحريتنا ..



ولا شك أن النفس تلعب دوراً حاسماً فيما وصلنا إليه من واقع أليم ؛ ولذلك فقد كان من الضروري جدا أن تكون هناك وقفة عند النفس المستعبدة .. هذه النفس التى تتصف ببعض الخصائص التى تجعل رؤيتها للواقع سطحية ، عاجزة عن الغوص فيه والسيطرة عليه ، ومن ثم فإنها تخلق العقبات التي تعرقل خطط التغيير التى يكون منطلقها هو التقدير الصحيح والعميق للواقع ، بل إنها قد تعطي المبررات الذهنية لمقاومة التغيير !! ومن هنا كان :

ـ الفصل الثاني : النفس المستعبَدة

وهو مرصد نقدي لسلوكيات النفس المستعبدة ، وأخلاق العبيد .. حلوها ومرها ... وإن كانت المرارة تطفو علي سطح الأسطر وتملأ حواشي الصفحات . . فلا يعني هذا أننا ندعو لليأس ، وإنما نحاول الرصد الصادق الذي يقوم على الملاحظة والتحليل النفسي والاجتماعي للظواهر التى نعيشها .. لكتابة نوع من المدخل إلى علم نفس الاستعباد والتخلف .

و هذه المحاولة بما يعتورها من بعض الثغرات ، تطمح إلى فتح الطريق أمام أبحاث نفسية ميدانية ، تحاول فهم الإنسان المستبعد بنوعيته وخصوصية وضعه ، وبشكل حي وواقعي ، ثم رسم صورة تعرض بعض الخصائص الأساسية لهذا الإنسان وأسبابها ، وتوضح كل منها ، وتبين الرابطة بينها .. لندرك جميعاً الخصائص النفسية للإنسان المستعبد ، والتي تشكّل عقبات في وجه التغيير الاجتماعي ، وتكوّن كابحاً لمشاريع التغيير .. ذلك أنه من المحال أن يتحرر بدن يحمل عقلاً عبداً !!



وإذا كنا نسعي لتحرير المجتمع ، فيجب ألا نضع حجراً في بناء حتي ننبش الأرض أولاً ، ونطهرها جيداً ، ولقد أرادنا بهذه المحاولة أن نصنع شيئاً من ذلك ، واخترنا منطقة شديدة الوعورة للبدء ، وهي منطقة النفس والأخلاق ..لأن المجتمع إذا زاغت أخلاقه ، زاغ معها فهمه وتلعثم إدراكه ووقع في براثن الخوف ، وفقد الرغبة في استشراف الحقيقة ، والشجاعة في تقبلها



لقد تبين من خلال هذه المحاولة أن مجتمع العبيد يقوم في الأساس علي فكرة " المصلحة " وتحقيق أكبر نصيب من المتع الحسية دون الاعتبار للقيم ، ومن ثم فهو يعتبر أن الطموح ، وشهوة القوة ، والمصلحة الذاتية ، والانغماس في الشهوات والتكبر ، والانتقام هي الصفات التي يجب أن تُحترم !! .. فيكون له مفهومه الخاص للسعادة ، ومفهومه الخاص للحب والبغض ، ومفهومه الخاص للنجاح والفشل ، ومفهومه الخاص للاستقامة والانحراف ، والصواب والخطأ .. وهذه المفاهيم هي التي تقرر سلوكيات العبيد !!



و إذا أردت أن تتيقن من ذلك فدونك وقف على الكيفية التى يعيش بها الفرد فى بيته ، وكيف يتصرف مع زوجته وأولاده ؟ .. وكيف يتعامل مع السلطات التى تحكمه , بل كيف يتعامل مع الخدم إن كان لديه خدماً ؟

فهذه الأمور الحياتية هي التى توضح لك طبيعة هذا الإنسان وحقيقته .!!



إن العبيد يتعاملون مع كل صاحب سلطة بالخضوع والخنوع والاستسلام ، ويرون أنهم غير جديرين بالحياة الكريمة ، ويرضون بالفتات الذي يُلقي إليهم من يد السيد صاحب السلطة والسطوة .. وشيئاً فشيئاً تذوب الكرامة ، وتنمحي النخوة والعزة والرجولة ، وتسود صفات الانتهازية والنذالة والجبن والتسول المهين ..!!

ذلك أن الفرد بادئ ذي بدء يخضع للإستبداد ويستسلم له ، وقلبه غير مطمئن به ، ثم يأخذ قلبه في الاستئناس به يوماً بعد يوم حتى يطمئن به ، ويحس من نفسه ميلاً وتشوقاً إليه .. وهكذا يتدرج في الركون إليه والاستئناس به إلي أن يكون عوناً له ومؤازراً في توطيد دعائمه ، بل حتى يأتي عليه اليوم الذي لا يضن فيه ببذل النفس والمال في سبيل إقامة صرحه !!



ولأن العبيد يؤمنون بالحلول المفاجئة ؛ فإنهم يصبرون في انتظار الفرج بلا عمل جاد ، وينظرون إلى مآسي واقعهم على أنها " أزمة وتعدي " ؟!! ، ومهما كانت قسوة "الأزمة " أمام عيونهم فإنهم يظلون في انتظار حدوث المعجزة وظهور " الزعيم المخلّص " فإن ظهر ؛ انقادوا وراءه لينقذهم من واقعهم " المأساة " بشعاراته القوية .. بل وتدفعهم هذه " الشعارات " لتقديم التضحية والولاء والطاعة للزعيم المغوار " الصنم " من أجل أن يغدق عليهم بالمزيد من الوعود والشعارات الكاذبة لتخفف عنهم وطأة الذل والخزي والمهانة الناخرة لذواتهم !!

وهكذا تظهر بين الحين والآخر في حياة العبيد بعض " المفاتيح السحرية " في صورة شعارات تعطي الغريق طوق النجاة ، وتقوم بالتنفيس عن آلام العبيد ، وتعطيهم آمالاً خادعة في المستقبل ، فهي أشبه بإعطاء المخدر دون إجراء أي عمليات جراحية لتصحيح المسار ..!!

ولا يعني هذا بالطبع أن مجتمع العبيد مجتمع ساكن جامد .. بل هناك انتفاضات ومحاولات تغييرية تبرز من آن لآخر ..ولكنها تطمس بسرعة نظراً لشدة قوى القمع .. ولأن من يعيشون أجواء القهر يحاولون التوفيق بين التطلع إلى الحريّة العميق فى النفوس من ناحية ، وبين خبرات الحياة اليومية التى تصدم مشاعرهم وعقولهم ، ويصعب عليهم تجاهلها والاستهانة بها .. وهم يحاولون الخروج من هذا المأزق بالرجوع إلى صورة " القدرية " أو " الجبرية " .. فالمستبدون مقهورون على ما يفعلون بالمستعبَدين ..!! والمستعبَدون يجب أن يرضخوا لقدر الله !!!!

وهكذا تبقي لدى العبيد رغبة دائمة فى تبرير الواقع ، وتنزيه الذات ، وتشويه الحقيقة بما يخدع الناظر لأول وهلة ، وهم دائمي البحث عن كبش الفداء ، وتلمس العذر للمهانات التى تصيبهم . ومن ثم تكون الأسطورة عندهم أعمق أثراً من الوثيقة التاريخية .. والبدعة التى اختلطت بالدين أقوى من الدين نفسه ، بل إن ذكرى حادثة قديمة قد تكون عندهم أضخم بكثير من الحادثة نفسها ..!!



إن ظاهرة الاستبداد لن تزول في الواقع إلا حين تزول نفسياً من نفوس المستعبدين حين ينضجوا ويتحرروا نفسياً ويرغبون في استرداد وعيهم وكرامتهم وإرادتهم التي سلموها طوعاً أو كرهاً للمستبد ، حينئذ فقط تضعف منظومة الاستبداد حتي تنطفئ ، وليس هناك طريق غير هذا إذ لا يعقل أن يتخلي المستبد طواعية عن مكاسبه من الاستبداد . و قد أثبتت خبرات التاريخ أن الحرية لا تمنح وإنما تسترد وتكتسب .



إن أزمة الحرية ليست مجرد نظم إستبدادية ، أو قوانين استثنائية ، أو إعتقالات وسجون وأجهزة أمن وتجسس .. بل تمتد جذورها إلي النفس الإنسانية ، والبيئة الاجتماعية ؛ ولذلك ينبغي على فقه التغيير أن يقرأ النفس المستعبَدة وما تنتجه من فكر ووسلوكيات تقوي شوكة المستبِد ، وتضفي عليها هالة من القضائية والقدرية التي تشعر الانسان بطبيعية المسألة فيسلم ليد الغيب التي هي في الواقع يد السلطان ليس غير . !!



وحتي لا تبقى هذه هي حال العبيد .. وحتى لايبقون على نومهم ، بينما ديارهم مهددة من النوافذ والأبواب ، والهجوم يتجه إلى الأطراف والقلب معاً ، والهاجمون تراودهم الأمانيّ أنهم هذه المرة منتصرون ، وأن حظهم سيكون أفضل من حظوظ آبائهم الأقدمين ..!!

وحتي لا تبقي محاولاتهم للتحرر تشبه أعمال طائفة من الرسامين الذين خامرهم النوم ، وأيديهم مازالت تحرك أقلامهم محاولة رسم بناء ، بينما تحاول أيدٍ أخري هدمه من الأساس لتصوغ من أهدافهم النبيلة سخرية متوحشة ... فقد وجدنا من الضروري أن يكون :
__________________
إلي الذين يحلمون بميلاد مجتمع الحرية حيث يسود فيه الاسلام و تعود الأمة الاسلامية إلي قيادة البشرية
أهدي لهم كتاب
نحو مجتمع الحرية
لفضيلة الشيخ الدكتور
محمد محمد بدري
رد مع اقتباس