تواضعه أخرج ابن سعد عن عطاء بن السائب قال: لما بويع أبو بكر أصبح وعلى ساعده أيراد، وهو ذاهب إلى السوق، فقال عمر: أين تريد؟ قال: إلى السوق. قال: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين. قال: فمن أين أطعم عيالي؟! فقال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة، فانطلقا إلى أبي عبيدة، فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين ليس بأفضلهم، ولا أوكسهم، وكسوة الشتاء والصيف، إذا أخلقت شيئًا رددته، وأخذت غيره. ففرضا له كل يوم نصف شاة وما كساه في الرأس والبطن.
وأخرج ابن سعد عن ميمون قال: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، فقال زيدوني فإن لي عيالاً، وقد شغلتموني عن التجارة فزاده خمسمائة.
وأخرج الطبراني في مسنده عن الحسن بن علي بن أبي طالب قال: لما احتضر أبو بكر قال: يا عائشة انظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها، والجفنة التي كنا نصطبغ فيها، والقطيعة التي كنا نلبسها، فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا نلي أمر المسلمين، فإذا مت فاردديه إلى عمر. فلما مات أبو بكر أرسلت به إلى عمر فقال عمر: رحمك الله يا أبا بكر لقد أتعبت من جاء بعدك.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي بكر بن حفص قال: قال أبو بكر لما احتضر لعائشة -رضي الله عنها-: يا بنية إنا ولينا أمر المسلمين فلم نأخذ لنا دينارًا ولا درهمًا، ولكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وإنه لم يبق عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي، وهذا البعير الناضح، وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر.
ومنها أنه أول من اتخذ بيت المال.
أخرج ابن سعد عن سهل بن أبي خيثمة وغيره أن أبا بكر كان له بيت مال بالسنح ليس يحرسه أحد، فقيل له ألا تجعل عليه من يحرسه؟ قال: عليه قفل، فكان يعطى ما فيه حتى يفرغ. فلما انتقل إلى المدينة حوله فجعله في داره، فقدم عليه مال فكان يقسمه على فقراء الناس فيسوى بين الناس في القسم، وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيجعله في سبيل الله، واشترى قطائف أتى بها من البادية ففرقها في أرامل المدينة، فلما توفي أبو بكر ودفن دعا عمر الأمناء، ودخل بهم في بيت مال أبي بكر منهم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان ففتحوا بيت المال، فلم يجدوا فيه شيئًا ولا دينارًا ولا درهمًا.
قلت: وبهذا الأثر يرد قول العسكري في الأوائل: إن أول من اتخذ بيت المال عمر، وإنه لم يكن للنبي -صلى الله عليه وسلم- بيت مال، ولا لأبي بكر -رضي الله عنه- وقد رددته عليه في كتابي الذي صنفته في الأوائل، ثم رأيت العسكري تنبه له في موضع آخر من كتابه فقال: إن أول من ولي بيت المال أبو عبيدة بن الجراح لأبي بكر. منها قال الحاكم: أول لقب في الإسلام لقب أبي بكر -رضي الله عنه- عتيق.
أخرج الشيخان عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا " فلما جاء مال البحرين بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال أبو بكر: من كان له عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دين أو عدة فليأتنا، فجئت وأخبرته فقال: خذ فأخذت فوجدتها خمسمائة، فأعطاني ألفًا وخمسمائة.
أخرج ابن عساكر عن أنيسة قالت: نزل فينا أبو بكر ثلاث سنين قبل أن يستخلف وسنة بعد ما استخلف، فكان جواري الحي يأتينه بغنمهن فيحلبهن لهن.
وأخرج أحمد في الزهد عن ميمون بن مهران قال: جاء رجل إلى أبي بكر فقال: السلام عليك يا خليفة رسول الله. قال: من بين هؤلاء أجمعين.
وأخرج ابن عساكر عن أبي صالح الغفاري: أن عمر بن الخطاب كان يتعهد عجوزًا كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل، فيسقي لها، ويقوم بأمرها، فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها، فأصلح ما أرادت، فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها، فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها، وهو يومئذ خليفة، فقال عمر: أنت هو لعمري.
وأخرج أبو نعيم وغيره عن عبد الرحمن الأصبهاني قال: جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: انزل عن مجلس أبي، فقال: صدقت إنه مجلس أبيك، وأجلسه في حجره وبكى، فقال علي: والله ما هذا عن أمري فقال: صدقت والله ما أتهمك.
|