عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 26-02-2010, 01:28 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

الحرية في الفكر الغربي

يقسم الفكر الغربي الحرية إلى قسمين كبيرين:
1-الحرية الايجابية
2-الحرية السلبية
أما الحرية السلبية فهي تعنى بالمجال الذي يجب أن يترك فيه الفرد حرّا طليقا يمارس حريته، ويفعل ما يريد دون أن يتدخل في ممارسة هذه الحرية أحد، كائنا من كان ومهما كانت صفته. وهى عبارة عن عدم تدخل الآخرين في ممارسة هذه الحرية من قبل الأفراد، سواء كان هذا التدخل باسم الدين، أو باسم القيم الأخلاقية، أو باسم المثل الحضارية. وهى لا تعنى في التصور الغربي إلا ان يتمتع الفرد باتخاذ كل قرار يراه مناسبا له ولمصلحته الخاصة وأن لا يكون للوالدين، أو للأساتذة أو للمجتمع أي دور في توجيه قراره وحجته مناسبة. وكلما اتسع مجال عدم التدخل اتسع مجال الحرية وكبر نطاقها.(2)
ولكن اختلف دعاة هذه الحرية في مابينهم حول مدى وسعة المجال الذي يتمتع فيه الفرد بهذه الحرية – وذلك لان الغايات البشرية ونشاطات الإنسان لا ينسجم بعضها مع بعض انسجاماً تلقائياً. فلا بد أن تكون هناك قيود وحدود لا يتعداها الممارس لحريته. ثم اختلف أصحاب هذه النظرية اختلافاً كبيراً في نوعية هذه الحدود وأين توضع ومن الذي يضعها وعلى أي أساس يضعها.
ثم هناك أهداف أخرى وقيم أخرى ليست بأقل أهمية من الحرية. فيجب أن لا تطغى الحرية على المثل الأخرى وأن لا تتدخل في حدودها. فالعدل له حدود يجب أن يحافظ عليها. والسعادة قيمة من القيم يجب تحقيقها والمحافظة على حدودها. وكذلك الثقافة والأمن والسلام كلها تعمل في حدودها. فإذا طغت هذه القيم بعضها على بعض ضاعت كل القيم وكل الحريات. هذا يدل على أن القائلين بالحرية لا يقولون بالحرية المطلقة بل يعترفون بأهمية وضع الحدود والقيود على ممارستها.
ثم أن هناك أمر آخر ذو أهمية بالغة. وهو أن الحرية بمعناها السلبي ليس لها مدلول موضوعي في الواقع. إذ أن حرية الحياة لا تحقق للإنسان ضرورات الحياة من مأكل وملبس وعلاج. بل تكتفي بمنع قتله إن كان حياً. وحرية الفكر لا توفر للإنسان أسباب العلم والمعرفة، ولكن تعني أن أحدا لا يمنعه من أن يفكر كما يشاء. وحرية العمل لا توفر له العمل الذي يريده ويتفق مع كفاءاته. ولكن تعني أن أحداً لا يسخره دون أجر. وكذلك الحرية السياسية، فإنها لا تعني إلا أن يعبر أحد عن رأيه ويمارس حريته في التصويت لمن يريده، وهذه الحرية بنفسها لا توفر لها مكانة سياسية أو منصباً حكومياً.(3)

تنقسم هذه الحريات إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول تشتمل على الحريات التي تتعلق بالمصالح المادية للإنسان، وهي تحتوي على الحرية الشخصية وحرية المسكن وحرية التملك وحرية العمل وحرية النشاط الاقتصادي والمهني. والنوع الثاني عبارة عن الحريات التي تتعلق بالمصالح المعنوية للإنسان، وهي حرية العقيدة وحرية الفكر وحرية العلم والتعليم وحرية التعبير عن الرأي وحرية الاجتماع وحرية تكوين الجمعيات والمؤسسات. وأما النوع الثالث فهو عبارة عن الحريات السياسية، وهي حرية الترشيح وحرية التصويت وحرية الانتخاب وحرية تكوين الأحزاب السياسية وحرية النقد والمعارضة.(4) لاشك أن هذه الحريات التي ذكرت تحت هذه العناوين مضمونة للناس في الشريعة الإسلامية. وليس هناك نظام من النظم القديمة والحديثة عالج هذه الحريات (أو الحقوق والواجبات) بهذه الدقة والعمق والتوازن التي نراها في أحكام الشريعة الإسلامية.
أما النوع الاخر من مفهوم الحرية – وهو المسمى بالنوع الايجابي- فهو عبارة عن تحديد السلطة التي تحدد حريات الفرد. ومصدر سيطرتها، ومدى حقها في التدخل في حرية الآخرين. والحق يقال ان الشريعة الإسلامية تفوق كل الأنظمة في تحديد هذه السلطة ومصدر صلاحيتها وحدود عملها

إن الأنظمة الغربية تمنح هذا الحق لجماعة المشرعين أو المقننين من أصحاب النفوذ والسلطة. وإن هم إلا بشر مثل عامة الناس. ولهم مصالح مثل مصالح الآخرين. ولهم أهواء وشهوات مثل الآخرين. فلا يمكن أن يضعوا قيوداً عادلة وحدوداً موضوعية بكل معنى الكلمة. وتدل أنظمة الحكم قديماً وحديثاً على أن هذه الحدود والقيود خدمت مصالح الحكام وأصحاب النفوذ بدل أن تنظم حقوق الناس وحريات تخدم الأفراد. وليست حالة الدساتير المعاصرة مختلفة عن ما سبق. كل هذه الدساتير من وضع طائفة محدودة من البشر. مهما طابت أنفسهم وصفت نواياهم وخلصت مقاصدهم. ولكنهم بشر ومتصفون بكل ما يتصف به البشر من حب الخير والمال والسعي وراء المصالح الفردية والشهوات المادية والشهرة والبخل وحب الاستيلاء.
أما الشريعة الإسلامية فهي نظام إلهي المصدر، ديني المبدأ، أخلاقي النزعة، إنساني الاتجاه، عالمي الهدف، شمولي الطبع. وليس من وضع مجموعة من البشر. بل هو وحي من الله العلي القدير المدون في الكتاب الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ولم تسمح هذه الشريعة لأي انسان أن يعدّل قواعدها ويغير أسسها ويضيف إليها ما ليس منها، ويخرج منها ما كان منها. هذا النظام هو الذي يقدر على أن يضمن التوازن والاعتدال وعدم اعتداء مجموعة من البشر على المجموعات الأخرى وعدم طغيان مصلحة على أخرى.(5)