عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 26-02-2010, 02:00 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,554
معدل تقييم المستوى: 22
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

القيود الشرعية على ممارسة حرية التعبير:
إن النصوص الشرعية وضعت قيوداً معقولة وحدوداً أخلاقية لممارسة الحريات كلها، بما فيها حرية التعبير عن الرأي. وتتلخص هذه الحدود والقيود في العناوين التالية:
1-لا يسمح أحد من الناس في حال من الأحوال أن يسب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن ينسب إلى دين الله ما ليس منه. فإن الحفاظ على الدين والدفاع عن تعاليم الإسلام من مقاصد الشارع الأساسية والأولية. والشريعة الإسلامية تأمر أتباعها بأن يعتبروا قول الحق عند حاجة الناس إليه واجباً دينياً، وأن يقوم به كل من عنده علم بالحق. ويجب للحفاظ على أصالة تعاليم الإسلام وعلى نقاء مصادره وعلى تواصل معارفه أن تتخذ دولة الإسلام كل ما في وسعها من تدابير وترتيبات من نشر التعليم الإسلامي الصحيح وضبط عملية التعليم الصحيح، وأن تضمن أن تتوفر لعامة الناس وسائل وتسهيلات الاطلاع على حكم الشريعة كلما سنحت لهم الحاجة إلى ذلك. فقال الفقهاء أنه يجب على الدولة الإسلامية أن تعين عدداً كافياً من المفتين بحيث يوجد في كل مسافة عدوى مفتٍ يرجع إليه الناس(67).
ولكن لا يجوز التعبير عن آراء شخصية غير مستندة إلى نص أو إجماع أو قياس صحيح راجع إلى نصوص الشريعة، ويجب على الدولة أن تضع الحجر على المفتي الماجن ولا يسمح له بالفساد أو إشاعة شبهات واهية عن الإسلام في دار الإسلام ومحاولة افتنان الناس عن دينهم تحت لواء حرية التعبير(68). فهذا كله يعتبر فساداً في الأرض ونوعاً من الزندقة. وقال الفقهاء إن الزنديق له حكم المرتد بل أشد منه(69).
2- إن مبدأ كرامة الإنسان من أهم مبادئ الإسلام. فلا تسمح الشريعة الإسلامية بالنيل من كرامة البشر باسم الحرية. وذلك لأن مبدأ كرامة بني آدم الذي نادى به القرآن الكريم(69) هو أساس كل الحقوق والحريات. فلا كرامة بدون حق الحياة ولا حياة بدون الحرية. ولا حرية بدون المساواة. ولا مساواة بدون التساوي في الحقوق.
فالحرية صنف المساواة ومبدأ كرامة الإنسان منبع الحقوق كلها ومنهلها، وهو مصدر جميع الحريات ومنطلقها. والحفاظ على كرامة الإنسان وعرضه ونفسه ودمه من مقاصد الشارع. وجاءت أحكام كثيرة في الشريعة تحقيقاً لهذا المقصد. فالشريعة الإسلامية تعترف بحرمة دماء الناس وأعراضهم كحرمة أقدس أيام السنة وحرمة أقدس بقاع الأرض. فقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:" ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا"(70)
فحرمة أعراض الناس شرط لازم لممارسة حرية التعبير. وجاءت الشريعة الإسلامية بمجموعة من الأحكام في مجالات مختلفة للحفاظ على حرمة أعراض الناس وكرامتهم. ولا تنحصر هذه الأحكام في باب أو بابين من أبواب الفقه الإسلامى. فما من باب إلا ويحتوي على الأحكام التي تهدف إلى الحفاظ على الأعراض والحرمات.(71)
3-لا يسمح لأحد أن يقوم بإشاعة الفاحشة في المجتمع الإسلامي باسم حرية التعبير. والذين يحبون أن يقوموا بإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة(72). فليست إشاعة الفاحشة معصية دينية فحسب أو خطيئة أخلاقية فقط، بل هي جريمة قانونية يعاقب عليها مرتكبها بعقوبة تكون نكالاً للآخرين.
4-لا يسمح لأحد أن يتتبع عورات الناس باسم حرية الصحافة وحرية التعبير. فإن الشارع الحكيم منع من ذلك وقال لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم. فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عثرته. ومن تتبع الله عثرته يفضحه ولو في قعر بيته (73).
5- لا يجوز لأحد باسم حرية الاعتقاد و حرية التعبير أن يسيء إلى مشاعر الآخرين بالسب أو الشتم أو السخرية من الآخرين. فسباب المسلم فسوق و قتاله كفر(74). وحرمة ماله كحرمة دمه. و يجب على أولياء أمور المسلمين أن يتخذوا ما في وسعهم من ترتيبات لمنع انتشار الفسوق في حدود دولة الإسلام. ومن أسوأ أنواع المساس بمشاعر الآخرين ارتكاب السب و الشتم و توجيه التهم إلى الشخصيات المحترمة و المقدسة عند الناس . إن شريعة الله نهت المسلمين أن يسبوا الآلهة الذين يعبدهم المشركون من دون الله(75).
6- لا تسمح الشريعة الإسلامية بزعزعة قواعد النظام في الإسلام وأمن الدولة و وحدة الأمة و التضامن الفكري بين أعضاء الأمة. لأن كل محاولة تسيء إلى التضامن الفكري و الحضاري بين أعضاء الأمة تسيء إلى وحدة الأمة. و الضعف في وحدة الأمة و الانحلال في تضامنها يؤثر تأثيرا سلبيا في أمن الدولة. فلا يجوز لأحد أن يقول شيئا ينشئ فتنة بين المسلمين أو يدعو إلى عصبية جاهلية. وكل ما يضعف كيان الأمة و يزعزع وحدتها يعتبر إساءة إلى النظام و المس بأمن الدولة. وكل ذلك يؤدي إلى الفوضى الفكرية والانحلال الخلقي والاجتماعي. وحرية التعبير لا تعني في حال من الأحوال أن تتحول إلى حرية الفوضى والانحلال و توجيه التهم و السب و الشتم و الإساءة إلى النظام و المس بالأمن والسلام وأن يتعرض أحد باسم الحرية للأعراض و الدماء.
7- إن من مقاصد الشريعة الحفاظ على العقل. وجاءت الشريعة الإسلامية بكثير من الأحكام تهدف إلى الحفاظ على العقل الذي هو مناط التكليف الشرعي كله. و حرم الشارع الحكيم كل شيء يؤثر في العقل تأثيرا سلبيا. منها منع الخمور و المخدرات. ومنها منع الجبت و الطاغوت و السحر وكل ما أثر في العقل البشري وأخل بالملكة الفكرية. فلا يجوز نشر الخرافات و السفاهات و الضلال و الكفر و الطاغوت باسم حرية التعبير. فحرية التعبير لا تعني الهذيان.لأن الهذيان يؤدي إلى الفرية و الفرية تستوجب عقوبة الحد. قال سيدنا علي بن أبي طالب في شارب الخمر: " نرى أنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى وإذا هذى، افترى ،وعلى المفتري ثمانون جلدة"(76) . هذا القياس العلوي يدل على أن كل شيء يؤدي إلى الفرية و الهذيان يجب أن يمنع و يعاقب عليه في الدولة الإسلامية.
ثم، كما سبقت الإشارة إليه، أن قول الحق و التعبير عن الرأي السديد من الواجبات الشرعية الهامة التي أمرت بها الشريعة الإسلامية. فالأمر بالمعروف لا تنحصر مسؤولياته وواجباته في شؤون الدولة و مؤسسات القضاء . بل له مستويات. فيجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على كل فرد من أفراد المسلمين رجالاً و نساء، شيوخا و شبابا، كل حسب مؤهلاته و سعة نفوذه. و هذا الواجب على المستوى الفردي أشار إليه قوله تعالى ناقلا نصيحة لقمان لابنه وهو يعظه:" يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك"(77). فكما أن الصلاة فريضة على كل مسلم عاقل بالغ ومسؤوليته فردية فكذلك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وعليه أن يصبر على ما أصابه خلال أداء هذه الفريضة.
ثم تأتي مرحلة المجتمع كله و جماعة المسلمين بأسرها . وهذه المرحلة هي أشارت إليها نصوص كثيرة من الكتاب و السنة وهو ما ثبت من الدين بالضرورة. فإن النصوص تضافرت و الأحاديث تواترت بهذا المعنى.
ومن هذا الباب القيام بواجب التواصي بالحق و التواصي بالصبر، الواجب الذي نزلت به سورة العصر وهي من السور المكية. وهذه دلالة واضحة و صريحة على أن التواصي بالحق و الصبر فريضة محكمة على أهل الإيمان ولا تحتاج في القيام بها إلى وجود دولة أو مؤسسة سياسية. ولا يمكن التواصي بالحق و التواصي بالصبر – وهما فريضتان جماعيتان و مسؤوليتان اجتماعيتان، كما تدل عليه صيغة التواصي التي هي من باب التفاعل – إلا بممارسة حرية التعبير و حرية كلمة الحق.
من المعلوم أن الشريعة الإسلامية أمرت المسلمين بالنصيحة لكل واحد . ومن أهم أنواع النصيحة النصيحة لأئمة المسلمين و عامتهم، كما ورد في الحديث المعروف(78) وهذه النصيحة هي التي أشار إليها الخلفاء الراشدون عندما طلبوا من المسلمين أن يسددوهم ويقوموهم كلما زاغوا عن الطريق. ولا شك أن القيام بهذا الواجب يتطلب وجود بيئة تسودها الحرية و مشاعر النصيحة و عواطف الإخاء. ولا يمكن نصيحة أولياء الأمور وأصحاب النفوذ في بيئة استبدادية يسودها الخوف و العدوان. فإن الجو المثالي في الدولة الإسلامية هو الذي تتجلى فيه روح من الإخاء و الرحمة و الحب و الإخلاص بين أئمة المسلمين وعامتهم. فروى سيدنا عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :" خيار أئمتكم الذين تحبونهم و يحبونكم و يصلون عليكم و تصلون عليهم وأشرار أئمتكم الذين تبغضونهم و يبغضونكم و الذين يلعنوكم وتلعنوهم"(79).
ولا يمكن تحقيق هذا الهدف وإيجاد هذا الجو إلا بوجود علماء مخلصين وأئمة عادلين يساعدون الأمة في اتباع حكم الشريعة . بسبب أهمية هذه الشروط الثلاثة كان النبي صلى الله عليه و سلم يهتم بها اهتماما خاصا. فيقول سيدنا عوف بن مالك : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إني أخاف على أمتي من أعمال ثلاثة " قالوا : وما هي يا رسول الله؟ قال:
- ذلة عالم
- حكم جائر
- و هوى متبع
هذا هو الجو الذي كان سائدا في قرون السلف الصالح. فالصحابة كانوا يتواصون بينهم بالحق و الصبر. و كانوا يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر . و كان أحدهم لا يجامل أحدا في الحق. و كانوا لا يخافون في الله لومة لائم. و كان دأبهم حرية القول وكلمة الحق. وكان النبي صلى الله عليه وسلم رباهم على ذلك. فكانوا يختلفون معه في أمور سمحت الشريعة الإسلامية فيها أن يكون للرأي مجالاً . فهذا الصحابي الجليل حباب بن المنذر يسأل النبي صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر عن قراره في اختيار مكان مناسب للمعسكر الإسلامي و يقول: هل هذا وحي أوحى الله إليك أم هو الرأي و الحرب و المكيدة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي و الحرب و المكيدة. فأبدى حباب بن المنذر عن رأيه في موقع المعسكر و الذي وافقه عليه النبي صلى الله عليه وسلم(80) . وهذا الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا هريرة أن يبشر من رآه من المسلمين بالجنة. فضرب في صدره ومنعه من ذلك و قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أخشى ان يتكلوا. فوافقه النبي صلى الله عليه وسلم على رأيه وقال: فلا إذا(81).