فيا من نسيت الوكيل.. مالك الملك.. تبارك وتعالى.. بمن تعوَّضْتَ؟!
فكم من أناس نزلت بهم شدائد؛ فلما توكلوا على الله تعالى؛ انكشف.. ونزل الخير والفرج.
وكم من أناس ضاقت عليهم وجوه الحيل في طلب الرزق؛ فلما توكلوا على الرزاق عز وجل؛ فتح عليهم أنواعًا من خزائن رزقه.
لما نزل البلاء بالنبي r وأصحابه يوم أحد، وسمعوا بكرَّة المشركين عليهم مرة أخرى؛ لم يزيدوا على التوكل على الله تعالى؛ فأعقبهم الله تعالى النصر والظَّفَرَ..
قال الله تعالى: }الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{ [آل عمران: 173].
فكانت النتيجة: }فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ{ [آل عمران: 174].
لقد عاش الصالحون حياتهم؛ وقد فوَّضوا أمرهم إلى الله تعالى.. ووضعوا حوائجهم بين يدي من لا تأخذه سنة ولا نوح؛ فاطمأنت النفوس.. وارتاحت من تعب الالتفات لغير الله تعالى.
* وقال عمر بن الخطاب t: «ما أبالي على أيِّ حال أصبحت، على ما أحب، أو على ما أكره، لأني لا أدري الخير فيما أحب، أو فيما أكراه».
* وقال علي بن بكار: شكا رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثره عياله، فقال له إبراهيم: «يا أخي، انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله، فحوِّله إلى منزلي».
* وقال عامر بن عبد قيس رحمه الله: «ثلاث آيات من كتاب الله عزَّ وجلَّ اكتفيت بهنَّ عن جميع الخلائق.
أولهنَّ:}وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{.
والآية الثانية:}مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{.
والثالثة:}وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{».
* وقال وهيب بن الورد رحمه الله: «لو كانت السماء نحاسًا والأرض رصاصًا، واهتممت برزقي لظننت أني مشرك».
* وقال أبو حازم رحمه الله: «وجدت الدنيا شيئين: شيء هو لي، وشيء هو لغيري. فأما الذي هو لي: فلو طلبته قبل أجله بحِيَل السماوات والأرض لم أقدر عليه. وأما الذي هو لغيري: فلم أصبه فيما مضى، ولم أرجه فيما بقى، يمنع رزقي من غيري؛ كما يمنع رزق غيري مني, ففي أي هذين أفني عمري؟!».
* وقال رجل لحاتم الأصم رحمه الله: من أين تأكل؟ فقال: }وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ{ [المنافقون: 7].
أخي المسلم: ذلك طرف من حياة الصالحين؛ الذين امتلأت قلوبهم بالتوكل على الله تعالى..واليقين الصادق؛ أن الله تعالى بيده الحكم والأمر.
فأين أنت من هذه العقيدة الراسخة؟!
وإيَّاك أيها العاقل أن تكون من أولئك الذين ضعفت في نفوسهم عقيدة التوكل على الله تعالى فتراهم؛ حيارى.. متخبطين.
فحاسب نفسك.. وأوقفها على هذه المحطة المهمة.. ولا تغفل تعهدها وتقويمها؛ كلما أحسست ميلاً عن طريق التوكل على الله تعالى.
وإيَّاك أن تفهم أن من أخذ بالأسباب فإنَّ ذلك ينافي التوكل.
فإنَّ من أخذ بالأسباب الموصلة إلى مسبباتها؛ فإنّ ذلك لا يقدح في توحيده؛ بل إن ذلك من كمال التوكل على الله تعالى، ولكن الركون إلى الأسباب والالتفات إليها دون المسبب تبارك وتعالى؛ فهو الذي يقدح في التوحيد.
قال ابن القيم: «التوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم معه التوكل، ولكن من تمام التوكل؛ عدم الركون إلى الأسباب، وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه فيامه بالله لا بهاء، وحال بدنه قيامه بها، فالأسباب محل حكمة الله وأمره ونهيه، والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبودية السباب إلا على ساق التوكل، ولا يقوم ساق التوكل إلاَّ على قدم العبودية».
قال إبراهيم الخواص رحمه الله: «أدب التوكل ثلاثة أشياء: صحبة القافلة بالزاد، والجلوس في الزروق بالزاد، والجلوس في المجلس بالزاد».
أخي المسلم: التوكل على الله تعالى؛ صفة أولياء الله تعالى.. وحزبه المفلحين.. فاحرص أن تكون واحدًا من المتوكلين على الله تعالى.. الواثقين به تبارك وتعالى.. المفوِّضين أمورهم إليه عز وجل.. يسهُل أمرك.. ويحالفك التَّوفيق والظَّفَر.
قال رسول الله r: «لو أنَّكم توكلتم على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماسًا، وتروح بطانًا» [رواه ابن ماجه وغيره/ صحيح ابن ماجه للألباني: 3377].
وقال رسول الله r: «من نزلت به فاقةٌ فأنزلها بالناس؛ لم تُسَدَّ فاقتُهُ، ومن نزلت به فاقةٌ، فأنزلها بالله؛ فيوشك الله له برزقٍ عاجل أو آجلٍ» [رواه الترمذي وغيره/ صحيح الترمذي للألباني: 2326].
أخي المسلم: ما أظنك تختار على الثقة بالله الثقة بغيره.. فهو تبارك وتعالى العليم بما يصلحك.
فلُتقبل على ربك تعالى؛ متوكلاً.. مستعينًا.. راجيًا.
فهو تبارك وتعالى كهفك إذا أحاطت بك الشدائد..
وأملك إذا ضاقت عليك المخارج.. وسلواك إذا نزلت بك الأحزان.. وعضُدك إذا كادك العدو..
من اعتصم به أفلح.. ومن طلب ما عنده أنجح..
فلا تطرقنَّ إلاَّ بابه.. ولا تتوكلنَّ إلاَّ عليه تبارك وتعالى..
ولا يفوتك أيُّها المسلم أن تكون من الفائزين بثمار التوكل على الله؛ التي يفوز بها المتوكلون في الدنيا والآخرة..
فإذا اعتصم سواك بغير الله تعالى.. فكُن معتصمًا بالله تعالى.
وإذا وثق غيرك بالمخلوق.. فكُن واثقًا بالخالق عز وجل..
فالله تبارك وتعالى وكيل الصادقين.. وأمل المخلصين.. }وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ{ [المائدة: 23].
والحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على النبي محمد وآله وصحبه.
|