الحلقة الثالثة
بعد عدة أيام أمسكت نادية بالظرف الجديد وهي تنظر إلى أمة الرحمن التي كانت تقف مع زميلاتها في إنتظار بدأ المحاضرة، كانت تريد أن تختار الوقت المناسب حتى لا تعطي لأمة الرحمن فرصة توجيه أي أسئلة لها. وبالفعل ما أن رأت أنهم يتحركون لدخول المدرج أسرعت الخطى نحوها ودست نفسها بينهن حتى أصبحت بجانب أمة الرحمن التي كانت تحتضن حاجياتها أثناء الدخول، فأمسكت نادية الخطاب ووضعته على حاجاتها فالتفتت أمة الرحمن لها قائلة في إستنكار:
- إيه ده.!!! انتي.
إكتفت نادية بابتسامة بلهاء على شفتيها وتقهقرت للوراء لتخرج من الزحام وقبل أن تتبعها أمة الرحمن أمسكت إحدى زميلاتها بذراعها قائلة:
- إنتي رايحه فين أنا مابحبش نظام الحجز إدخلي معانا علشان تقعدي جنبنا.
سارت معها بالفعل رغم أن عيناها ظلت تبحث عن نادية التي إختفت تماماً.
عادت أمة الرحمن إلى منزلها وبعد تناول الغذاء جلست مع هاجر لشرب الشاي وقالت:
- مش البنت جات رميتلي جواب تاني النهاردة.
رشفت هاجر من كوب الشاي رشفة ثم قالت:
- تاني.... وانتي عملتي إيه في الاولاني.
- ولا حاجه.... سايباه في الدرج.
- فعلا!!!... غريبة كنت فاكرة إنك هتحراقيه ومش هتسمحي للبنت ديه تديكي جوابات تانيه.
عقدت أمة الرحمن حاجبيها قائلة:
- أحرقه.... إنتي ما قولتليش كده.
وضعت هاجر كوب الشاي على المنضدة قائلة:
- لإني بثق في قراراتك... وزي ما عبد الله عودك تخدي قراراتك بنفسك المفروض أنا كمان أعمل كده، ولإن انتي أصلاً مابتحبيش حد يقولك إعملي وماتعمليش.. ولا أنا غلطانه.
أمسكت أمة الرحمن بالكوب لتشرب منه دون أن تعلق بشيء فأضافت هاجر:
- إسمعي يا أمة أخوكِ عبد الله لو عرف بالموضوع ده مش هيسكوت خصوصاً إنه ممكن يربطه بموضوع صاحبه عماد إلي إنتي رفضاه تماماً، ثم إستمرارك في قراءة الخطابات ديه ممكن يأثر عليكي ومافيش أبشع من إنك تتعلقي بوهم..... لأنه مجرد كلام..... الله أعلم صح ولا لأ، وانتي بس إللي هتتعبي في الأخر.... وأنا مش شايفه لده كله غير حل واحد ماتقريش الجواب الجديد وتحرقيه مع القديم، ولما تشوفي البنت ديه تاني توقفيها عند حدها وده مش صعب عليكي.
ظلت أمة تشرب من الكوب دون أن تتكلم وما أن انتهت من الكوب حتى وضعته وهمت واقفه قائلة في إقتضاب:
- إن شاء الله، أنا داخله أنام ماتخليش المغرب يفوتني.
لم تسمع إجابة هاجر واتجهت لحجرتها مباشرةً فهزت هاجر رأسها داعيه في قلبها:
- ربنا يحفظك يا أمة زي ما بتحفظيه.
جلست أمة الرحمن على مكتبها تتطلع للظرف الذي أمامها والذي لم يكتب عليه إلا البسمله كسابقه كان هناك صوتان داخلها صوتً يؤيد كل كلمة قالتها هاجر وصوتً آخر يردد أن لا بأس في معرفة فحوى الخطابات فكلماته ليست مؤذيه ولكن لم ينجح أي صوتٍ منهما أن يعلو على الأخر. هزت رأسها في عنف وفتحت الدرج لتلقي بالخطاب مع سابقه وتغلق الدرج وتذهب لسريرها لتخد للنوم.
استيقظت أمة الرحمن وخرجت من غرفتها لتجد أخيها عبد الله جالس في الصالة وما أن رأها حتى ابتسم قائلاً:
- صباح الخير باليل.
ابتسمت أمة الرحمن وجلست أمامه فقال:
- أختي... حبيبتي مش هتريح قلبي.
- أخويا حبيبي هو إللي تاعب قلبه.
ابتسم عبد الله قائلاً:
- ما انا لو متعبتش لأختي حبيبتي هتعب لمين؟
- عبد الله إختصر عايز إيه؟!!!
- هاكون عايز إيه يعني؟... عايز اطمن عليكِ وعلى مستقبلك.
- محسسني أكني هم على قلبك، إطمن انا بخير والمستقبل بيدي الله وحده.
- طبعا..ماحدش قال حاجه، بس أنا نفسي أفهم انتي رافضه عماد ليه ؟!مع إنه صابر خالص وعايز يرتبط بكِ جداً وانا بصراحة هطمن عليكِ جداً وانتي معاه، ده شاب ممتاز وناجح.. حد يرفض شاب بالمواصفات إلي عنده.... ده...
قاطعته أمة الرحمن وقالت مقلده له:
- ده رائد في الشرطة زي.... لا وكمان أحسن وأنشط مني يعني هيترقى قبلي، ده غير إنه متدين وأمين ، ده حتى لما يقبض على حد بيفضل ورا القضية لحد مايتأكد من إنه مذنب ولو شك يفضل يبحث لحد ما يثبت برأته...
ثم وقفت قائلة:
- حفظت كلامك كله ... وماظنش إن عندك جديد، بعد إذنك قبل ما صلاة المغرب تفوتني.
مط شفتيه في غضب ثم نظر إلى زوجته قائلاً:
- عجبك كده... عجبك إللى هي بتعمله ده .
ابتسمت له في حنان قائلة:
- حبيبي كل شيء بالخناق إلا الجواز بالإتفاق، ثم ما يمكن مش هو إللي في دماغها.
عقد حاجبيه مستنكرا:
- إيه... مش في دماغها، هو في حد في دماغها؟
قالت بسرعة:
- لأ مش قصدي... أنا قصدي مش هو يعني فتى أحلامها، يمكن مش عايزة تتجوز ظابط شرطة
- نعم ... نعم.. إحنا هنغلط ولا إيه ومالهم ظباط الشرطة؟!
لوحت هاجر بكفها قائلة:
- ظباط الشرطة هو في زي ظباط الشرطة، هو أنا وقعني فيك وخلاني وافقت من أول مرة غير انك ظابط شرطة.
أمسك كفها قائلا في جديه:
- كلام بجد ، هي قالتلك كده.
مطت هاجر شفتيها قائلة:
- بصراحة لأ، مقلتهاش..... لكن انت عارف هي عانت أد إيه من الشغلانه ديه، والدكم رحمه الله إستشهد في مهمة من مهمات الوظيفة ديه ومع ذلك انت كمان طلعت ظابط شرطة واحنا دايما بنكون قلقانين عليك وساعات شغلك بيخدك منا كتير قوي، يعني في حاجات كتيرة أعتقد إنها بتفكر فيها..... معلش يا عبد الله الافضل تسبها براحتها....... نصيبها هيجلها إن شاء الله ، وأمة الرحمن تستاهل كل خير.
هز عبد الله رأسه قائلاً:
- عماد هيزعل قوي، وانا بصراحة مستخسرها في حد غيره، على كل حال أنا مش هقوله حاجه واتحجج بإنها لسه بتدرس يمكن تغير رأيها.
أومأت هاجر برأسها دون أن تضيف شيئاً.
جلست أمة الرحمن على مكتبها تتطلع للدرج المغلق وقد عادا الصوتان يعلوان في رأسها لكن هذه المرة هناك صوت علا عن الآخر ففتحت الدرج وقد إتخذت القرار.
بعد عدة أسابيع،
ضحك باسم بصوتٍ عالي إستنكره كل من سمعه فقال شريف:
- بس يا بني فضحتنا... وطي صوتك شوية.
- معلش .. معلش مش قادر أمسك نفسي.... كل ما أفتكر نادية وهي بتقولي " تصدق إن هي إلي كانت بدور عليا علشان تاخد الجواب " لأ وأول ما شافتها عملت إنها مش شايفها علشان ماتحسسهاش إنها مستنيه الجواب.
ابتسم شريف قائلاً:
- أنا حاسس إن صحبتك ديه بتهول وعلى كل حال إنت كان عندك شك في قدراتي الكتابية.
- أبداً أبداً هو أنا اقدر اقول كده، هانت يا صاحبي وهحقق انتقامي.
- أنا مش شايف كده .... أهي مجرد جوابات بتقراها يعني في كل الاحوال هي مش خسرانه حاجه.
- فعلاً ، بس كونها بتستناها هيخليها تنفذ طلبك وتكتبلك جواب خاصةً لما ماتبعتلهاش حاجه.
مط شريف شفتيه قائلاً:
- ممكن.... خاصة إني في الجواب إلي فات طلبت جواب ومعبرتنيش يمكن المرة دية تعبرني خاصة إني قولتلها إني مش هبعت تاني لو مرديتش عليا.
ضم باسم قبضته وهزها في سعادة قائلاً:
- إن شاء الله ربنا يهديها وترد.
قال شريف في سخرية:
- أقصدك شيطانها يوزها وترد.
عقد باسم حاجبيه قائلاً:
- المهم ترد.
أمسك شريف برأسه قائلاً:
- إمبارح ما نمتش كويس ... بقولك إيه انا هراوح.
تشبث باسم بذراعه قائلاً:
- تراوح !!! تراوح إزاي!! ما هي يمكن تجيب الجواب النهاردة.
- وإيه المشكلة يعني هو أنا إلي هستلمه، هي هتديه لنادية ونادية هتسلمهولك ، وانا هشوفه بكرة .. ده لو جابته أساساً.
- يعني مش عايز تشوفها لما تعرف إن المرسال بتاع نادية هو أنا.
- انت لسه مصمم إنك تخليها تشوف نادية وهي بتسلمك جوابها.
ضاقت عينا باسم :
- طبعاً... ده بس بداية انتقامي.
هز شريف رأسه قائلاً:
- برحتك يا عم... إنما انا رايح انام في بيتنا... سلام.
- سلام.
يتبع