عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 01-04-2010, 09:39 PM
أبو إسراء A أبو إسراء A غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 6,315
معدل تقييم المستوى: 23
أبو إسراء A is a jewel in the rough
افتراضي

أسباب البلطجة
1- طبيعة المجتمع السلطوي: فرغم أن مجتمعنا يمر في مرحلة انتقالية فإننا نرى جذور المجتمع المبني على هرمية السلطة الاجتماعية ما زالت مسيطرة. فنرى -على سبيل المثال- أن استخدام العنف من قبل الأخ الكبير أمر مباح، ويعتبر في إطار المعايير الاجتماعية السليمة، وحسب النظرية النفسية الاجتماعية فإن الإنسان يكون عنيفاً عندما يتواجد في مجتمع يعتبر العنف سلوكاً ممكناً، مسموحاً ومتفقاً عليه.
بناءً على ذلك تعتبر المدرسة مركزية؛ إذ يأتي الطلاب المُعنّفون من قبل الأهل والمجتمع المحيط بهم إلى المدرسة ليفرغوا الكبت القائم بسلوكيات عدوانية عنيفة يقابلهم طلاب آخرون يشابهونهم الوضع بسلوكيات مماثلة، وبهذه الطريقة تتطور حدة العنف ويزداد انتشارها. كما في داخل المدرسة تأخذ الجماعات ذوات المواقف المتشابهة حيال العنف شِللا وتحالفات من أجل الانتماء، وهو ما يعزز عندها تلك التوجهات والسلوكيات؛ فيذكر "إذا كانت البيئة خارج المدرسة عنيفة فإن المدرسة ستكون عنيفة".
تشير هذه النظرية إلى أن الطالب في بيئته خارج المدرسة يتأثر بثلاثة مركبات، وهي: العائلة، والمجتمع، والإعلام، وبالتالي يكون العنف المدرسي نتاجا للثقافة المجتمعية العنيفة.
2- المجتمع التحصيلي: في كثير من الأحيان نحترم الطالب الناجح فقط، ولا نعطي أهمية وكياناً للطالب الفاشل تعليمياً.. الطالب الذي لا يتجاوب معنا، حسب نظرية الدوافع؛ فالإحباط هو الدافع الرئيسي من وراء العنف؛ إذ إنه بواسطة العنف يتمكن الفرد الذي يشعر بالعجز أن يثبت قدراته الخاصة؛ فكثيراً ما نرى أن العنف ناتج عن المنافسة والغيرة. كذلك فإن الطالب الذي يعاقَب من قبل معلمه باستمرار يفتش عن موضوع (شخص) يمكنه أن يصب غضبه عليه.
3- الجو التربوي: عدم وضوح القوانين وقواعد المدرسة.. حدود غير واضحة لا يعرف الطالب بها حقوقه ولا واجباته، مبنى المدرسة واكتظاظ الصفوف، التدريس غير الفعال وغير الممتع الذي يعتمد على التلقين والطرق التقليدية.. كل هذا وذاك يخلق العديد من الإحباطات عند الطلاب التي تدفعهم إلى القيام بمشاكل سلوكية تظهر بأشكال عنيفة، وأحياناً تخريب للممتلكات الخاصة والعامة، بالإضافة إلى استخدام المعلمين للعنف، والذين يعتبرون نموذجاً للطلاب حيث يأخذهم الطلاب قدوة لهم.
الجو التربوي العنيف يوقع المعلم الضعيف في شراكه؛ فالمعلم يلجأ إلى استخدام العنف؛ لأنه يقع تحت تأثير ضغط مجموعة المعلمين الذي يشعرونه بأنه شاذ، وأن العنف عادة ومعيار يمثل تلك المدرسة، والطلاب لا يمكن التعامل معهم إلا بتلك الصورة، وغالباً ما نسمع ذلك من معلمين محبطين، محاولين بذلك نقل إحباطهم إلى باقي المعلمين ليتماثلوا معهم؛ فيرددون على مسمعهم عبارات، وهنا تلعب شخصية المعلم دورا في رضوخه لضغط المجموعة إذا كان من ذوي النفَس القصير أو عدم التأثر بما يقولون.
إضافة إلى ما ذُكر فإن الأسلوب الديمقراطي قد يلاقي معارضة من قِبل الطلاب الذين اعتادوا على الضرب والأسلوب السلطوي؛ فيحاولون جاهدين فحص إلى أي مدى سيبقى المعلم قادراً على تحمل إزعاجاتهم، وكأنهم بطريقة غير مباشرة يدعونه إلى استخدام العنف، وإذا ما تجاوب المعلم مع هذه الدعوة فسيؤكد لهم أنهم طلاب أشرار لا ينفع معهم إلا الضرب، ونعود إلى المعلم ذي النفس القصير الذي سرعان ما يحمل عصاه ليختصر على نفسه الجهد والتعب بدلاً من أن يصمد ويكون واعيا بأن عملية التغيير هي السيرورة Process التي تتطلب خطة طويلة المدى.
4- التفكك الاجتماعي: تحدث الانحرافات السلوكية الناجمة عن حالات اضطراب الشخصية –وهي حالات تختلف عن الأمراض النفسية التقليدية مثل القلق والاكتئاب والفصام والوساوس– في نسبة تصل إلى 3% من الذكور، و1% من الإناث، حسب الإحصائيات العالمية في بعض المجتمعات، وتبدأ بوادر الانحراف السلوكي في مرحلة المراهقة عادة أو قبل سن الخامسة عشرة، وتحدث بصفة رئيسية في المناطق المزدحمة والعشوائية، وتزيد احتمالاتها في الأسرة المفككة وفي المستويات الاجتماعية والتعليمية المنخفضة. ومن دراسات على أقارب المنحرفين (أو البلطجية) ثبت أن نفس الاضطراب السلوكي يوجد في أقاربهم بنسبة 5 أضعاف المعدل المعتاد، كما أن الفحص النفسي لنزلاء السجون أثبت أن 75% ممن يرتكبون الجرائم المتكررة هم من حالات اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع أو ما يطلق عليه الشخصية السيكوباتية.
هل من علاج؟
1- الوقاية التي هي خير من العلاج ويأتي ذلك بالتخلص من العوامل المساعدة على انتشار الظاهرة مثل عدم توقيع العقاب الرادع، والتباطؤ في تحقيق العدالة وعدم وجود ارتباط مباشر بين ارتكاب المخالفة القانونية وتطبيق العقاب المناسب، والتأخير في مواجهة الحوادث الفردية حتى تتزايد لتصبح ظاهرة.فالوقاية هنا أهم من العلاج، وتبدأ بالاهتمام بالتنشئة؛ لأن الانحراف الذي يصيب الشخصية يبدأ مبكرا، وإذا حدث فإن علاجه لا يكون ممكنا.
2- أما إذا ظهرت بوادر للمشكلة فإن بعضا من الحلول الحازمة التي ينبغي اتخاذها في هذا الإطار مثلما تفعل بعض البلدان التي تقوم بوضع هؤلاء المنحرفين بعد تشخيص حالتهم -وقبل أن تتعدد الجرائم التي يقومون بارتكابها– في أماكن تشبه المعتقلات من حيث النظام الصارم وبها علاج مثل المستشفيات، ويتم تأهيلهم عن طريق تكليفهم ببعض الأعمال الجماعية والأنشطة التي تفرغ طاقة الغضب لديهم.
3- يطرح الإسلام رؤية متميزة في التعامل مع مثل هذه الحالات فهو يتعامل مع مفهوم العنف والعقاب على أنهما مفهومان منفصلان ومختلفان؛ فينبذ العنف، ويدعو إلى الرفق والعطف والتسامح ومقابلة السيئة بالحسنة؛ حيث يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن"، وفيما يتعلق بالعنف الكلامي فالإسلام يرفضه رفضاً قاطعاً، ويطالب بعدم الاستهزاء والاستهتار بالآخرين، وهذا واضح من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات: 11).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعتبر الإسلام العقاب الجسدي نوعاً من أنواع الوسائل التربوية، ويستخدم لكف سلوك غير مرغوب فيه أو لتأديب إنسان أو ردعه عن ظلم الآخرين؛ فنجد من ذلك إجازة باستخدام العقاب بشكل عام، ويصل إلى العقاب البدني، وهذا ما أكد عليه، مشيراً إلى إمكانية استخدام العنف الجسدي على أن يكون غير مبرح أو ضربا غير شديد وغير مؤلم.
ومن خلال مراجعة القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، باعتبارهما المصدر الأساسي للتشريع نجد أن الإسلام أجاز استخدام العقاب الرادع لحفظ المال والعرض والدين في الجماعة الاجتماعية؛ فتبدأ من الجلد والإيذاء الجسمي إلى قطع الأيدي والأرجل والرجم حتى الموت، وهذا وارد في العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، لا تنكيلاً بالإنسان الذي كرمه الله بل ردعاً للجريمة وترهيباً من مغبتها؛ فقسوة العقوبة هدفها منع الجريمة لا تعذيب البشر.
فالعنف يرتبط بالعدوان، وقد نهى الله –عز وجل- عنه حيث يقول {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ولإسلام يرى أن العنف غير المبرر والذي لا يقترن بمفهوم القصاص والعدل سلوك عدائي هجومي تخريبي تدميري، تصاحبه كراهية وغضب وممارسة القوة الباطشة لشخص أو جماعة دون مرجعية قانونية أو أخلاقية.
وإذا لوحظ هذا في سلوك الأطفال أو الشباب فإنهم يُعتبرون من ذوي المشكلات.. والعنف ظلم للنفس وللآخرين، ومن الناحية الدينية يُعتبر سلوكًا آثمًا وهو أيضًا سلوك يجرمه القانون.. ومن أكثر ما يميز الشخصية العدوانية الأنانية، والتمركز حول الذات، واللامسئولية، ونقص البصيرة، والميل إلى السيطرة، والتعبير الغامض المندفع الرافض، وعدم ضبط النفس…
4- تجنب أساليب التنشئة الاجتماعية الخاطئة، والتنبؤ المبكر باحتمال السلوك العنيف والعدواني، وتنمية المسئولية الاجتماعية عند الأفراد، والاهتمام بالرياضة (الرياضة البدنية)، وإعادة تأهيل الكبار نحو سلوك حضاري رشيد كي يكونوا قدوة ولمنع السلوك العنيف عند الصغار.
__________________
المستمع للقرآن كالقارئ ، فلا تحرم نفسك أخى المسلم من سماع القرآن .