[م. محمد حمدي]

وقفة ثانية لا بد منها:
في الصفحات السابقة أخذتك في رحلة سريعة عبر تاريخ لغات البرمجة عموما ولغة البيزيك خصوصا.. لم يكن هدفي من هذا تحبير الصفحات أو إهدار وقتك، ولكني أحببت أن أبدأ معك منذ البداية حتى تأخذ خلفية عن العالم الذي تخطو إليه.
كما أردت كذلك أن ألفت انتباهك إلى أن علم البرمجة علم عميق ولم يأتِ من فراغ، بل هو وليد جهود آلاف المهندسين والمبرمجين طوال الأعوام الستين الماضية، وكان التقدم فيه مرهونا بالتقدم في صناعة مكونات الحاسب المادية، لأن مطوري لغات البرمجة كانوا مجبرين دائما على مراعاة سرعات الحاسب المتاحة ومساحة الذاكرة المتوفرة.
إن ما وصلت إليه البرمجة اليوم من تطور مذهل جعلها أشبه بلعبة يمكن أن يتعلمها الصبية في المرحلة الإعدادية ـ وربما الابتدائية لو كانوا يجيدون أساسيات الإنجليزية ـ هو نتاج سهر وتعب وفكر عشرات المؤسسات وآلاف المبدعين.. ومما يؤسف له أننا كنا خارج هذا السباق الرائع على طريق الموجة الحضارية الثالثة: حضارة المعلومات، كما كنا خارج السباق على طريق الموجة الحضارية الثانية: الحضارة الصناعية.. والنتيجة الحتمية هي أننا لا نملك أي مؤسسات تقنية لصناعة الإلكترونيات ولا حتى لصناعة نظم التشغيل ولغات البرمجة والتطبيقات العملاقة، ما عدا بضع شركات قليلة تحاول أن تشق طريقها بجدية في مجال البحوث والتطوير، مثل صخر والشركة الهندسية لتطوير البرمجيات RDI.
لا أقول لك هذا لأصيبك باليأس والإحباط، فالأمل دائما موجود ما دامت هناك إرادة وإدارة، وقبلهما الإيمان بالله سبحانه وتوفيقه.
ومن يدري.. ربما تكون أنت واحدا ممن يضيفون شيئا إلى البرمجة لم يسبق إليه غيرك، فتضيف بذلك سبقا يحمل اسم الإسلام والعروبة.
آه: حتى لا تظنها أحلاما جزافية أو كلاما حماسيا رنانا، أنصحك بتصفح موقع الشركة العربية لتطوير البرمجيات RDI على هذا الرابط www.rdi-eg.com لترى إنجازاتهم، والتي أعتبر أهمها وأروعها برنامج حفص لتعليم تجويد القرآن الكريم، الذي يستقبل قراءة المستخدم صوتيا ويصحح له مواضع الخطأ في التجويد.
العقول العربية بخير.. تحتاج فقط إلى من يأخذ بيدها إلى بداية الطريق.. وإن كنا قد خسرنا السباق التقني في مجال مكونات الحاسب المادية Hardware، فالأمل ما زال موجودا في أن نقدم شيئا في مجال البرمجيات Software.. ولا يقتصر الأمر على الشركات وحدها، فحماسة الشباب ـ خاصة في وجود شبكة المعلومات Internet قادرة على إحداث تأثير كبير.. تخيل لو أن كل شاب يتعلم البرمجة في الوطن العربي شارك بفكرة واحدة جيدة في أحد منتديات البرمجة، كيف سيكون تأثير ذلك على تراكم الأفكار والخبرات في خلال عشر سنوات فقط؟
هذه دعوة لك لكي تتعلم وتعلم غيرك.