تغيير
- بحثتُ طويلاً حتى وجدتها .
هكذا استهلت رئيسة قسم اللغة الإنجليزية كلامها ثم وزعت على كل مدرسة من طاقمها و أنا منهن ميدالية بلاستيكية وردية اللون بها رسم ولد و بنت لهما طابع غربي و عليها عبارة (أصدقاء للأبد) باللغة الإنجليزية.
كان ذلك في آخر اجتماع لنا سوياً قبل بدء إجازة الصيف و تفرق المدرسات لحال بيوتهن. لعل أشهر الصيف تجمعنا مجدداً أو تفرقنا للأبد.
و قد نشرت تلك الرئيسة جناح صداقة و مودة على مدرسات قسم اللغة الإنجليزية. خلال العام الدراسي جمعتنا أمور متعددة غير تدريس اللغة الإنجليزية للفصول الإبتدائية ، أيام عمل طويلة و مصالح مشتركة و طعام و شراب و أفراح و أحزان و الآن تفرقنا الإجازة و قد أرادت أن تربطنا بتلك الهدية الصغيرة.
و المطلوب منا أمر هين: فقط نخبر الصبيان بما في الكتب ثم نطالبهم بكتابته ثانية و حين يكتبوه نصفق لهم طويلاً أحسنتم ، ما أروعكم!
لكن الصبيان تمردوا طويلاً على النظام ، مما زرع المرارة في المكان. تلقي الأطراف المتنافرة الإتهامات على شتى الأطراف ، غضب و نفور ، قطيعة و خصام ، مراكز قوى ، فعلياً لم تهنأ إحدانا بوظيفة مشاكلها لا تنتهي و الإستقرار أبعد الأشياء عن جو العمل.
أضع مفاتيحي في تلك الميدالية و ألتحف بتلك الصداقة عمراً طويلاً تتفرق فيه كل الأطراف في مدارس عدة و بلدان مختلفة . حالياً لا يصلنا سوى تاريخ مهترىء في ذاكرة مفككة و ميدالية مفاتيح بلاستيكية.
حاولت طويلاً أن أغيرها فلم أجرؤ. صارت الميدالية قديمة و انقطعت صلتي بصاحبتها و بذاك المكان. لكن عقلي المغلق رفض التغيير.
أ تمر بكم أوضاع كتلك ؟ تكررون فيها أفعالاً لا تنفعكم بتاتاً ، و تلك الأشياء التي لا تلزم لكنها تصر على البقاء في الإدراك و أمام العين و في متناول اليد..؟!
و تلك الحالة التي تغلق التفكير في موضع من تاريخ حياتي ، لا أود تركها و لا أقدر على تغييرها؟!
أهو اعتزاز بما كان ، أم هي آثام تحيك في الصدور لم يأذن المولى بمحوها؟
عقلي مقتنع بسوء حالي و بضرورة تغييره ، لكنه يضطرب كلما حاولت تحويل صور العقل الجديدة لأفعال!
أتشبث بكل العلل و الأسباب كي لا أفعل !
تمر بي سنين طويلة تمحو إحتلال الأجنبي لعقلي و تمحو من نفسي أطنان مرض و تزيح من ضعف عزيمتي حملاً. و سنين أخر تعيد لثقتي حقها في الحياة على ما أنا عليه . أرتدي ثوب العربية و أوشيه بقدر من العافية العقلية و الجسمانية ، ثم تعبر سنين أخرى يطهرُ فيها المولى من الذنوب ما يشاء ثم يمر زمن يجلب أشياء و يمحو أخر ...
****************
تقع الميدالية ذات حادثة و يعيبها شرخ فأقرر تغييرها بواحدة ذات مظهر طيب فقد أذاقني المولى من نعمته الكثير. تناديني واحدة في واجهة محل. ميدالية من زجاج شفاف يزينها خط عربي أنيق بعبارة (هذا من فضل ربي) فأجيب نداءها.
أضع فيها مفاتيحي و أقبض عليها بقوة و أحمد المولى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ثم أتنفس الصعداء .
****************
|