نزلة برد و دور إنفلونزا هذا ما سمعته يتردد حول رأسي بينما أغيب عن وعيي في غياهب ألم شديد جراء الحمى، تسد الإفرازات حلقي فتبهر أنفاسي.
حينها كنت في الحادية عشر من عمري. تعطيني أمي كبسولات المضادات الحيوية التي أحضرها أبي من المستشفى حيث يعمل.
ثلاثة أيام ثم يتراجع المرض و أمضي إلى حال سبيلي.
تصيبني العلة ذاتها بعد مضي شهر من عمري ثم تعاودني بعد عام و عندها تلبث في جسمي فترة أطول من ذي قبل. و أتناول نفس الدواء بنفس الجرعة و لنفس المدة.
ثم تمثل الإصابة بنوبة المرض تلك فقرة ثابتة كل شهر و معها يدخل نفس الدواء جسمي في روتين ثابت.
السادسة عشر تحضر لي من ضعف المناعة ما يجعل كل من يعطس حولي يصيبني بداء و يقال لي حينها بل تتوهمين . و معها أدرك أن الدواء لا يؤثر في مرضي و لكن الإلحاح على تناوله لا يتوانى. إلحاح كالدوي يمحو عقلي فأتناوله مجدداً.
في الجامعة تطالعني كتب الأحياء بأفكار مغايرة لما أوصى به الأطباء الذين تعلموا في حقبة تاريخية مغايرة.
يخبرني أحد كتب علم الأحياء أن البكتيريا تغشى الحلق و الأنف و الجلد و أنها تتواءم مع الجهاز المناعي البشري فيكون لجهاز المناعة القدرة على الرد عليها و صدها و إيقاف نموها عند حد معين.
و لأن تلك البكتيريا تحت سيطرة جهاز المناعة فإنها لا تعد ضارة بالجسم. على العكس تقف تلك البكتيريا حاجزاً ضد بكتيريا أكثر شراسة لا يستطيع جهاز المناعة أن يقتلها. فالبكتريا لا تحتل مكاناً مشغولاً بأقارب لها.
يخبرني أستاذ في هذا العلم أيضاً أن البكتريا لا تنتهي حتى مع استخدام المضادات الحيوية. حيث تلك البكتيريا التي تحمل جينات مقاومة ، لا تموت بفعل المضاد و ربما تغذت عليه. تموت البكتيريا الأضعف حالاً و تنتشر البكتيريا المقاومة للمضاد و تسود الأنواع الأخرى.
أما استخدام المطهرات لقتل البكتيريا من على الأسطح المختلفة فأمره كأمر المضاد الحيوي. يقتل المطهر أنواعاً كثيرة من البكتيريا و يترك البكتيريا المقاومة له و شأنها. ما تلبث تلك أن تتكاثر فتملأ الأسطح من جديد. يمضي زمن ثم تصبح البكتيريا المضادة للمضادات و المطهرات هي الواقع الجديد.أعتى الجراثيم موجودة في المستشفيات حيث استخدام المطهرات على أشده!
في الحقيقة ، تطور المضادات الحيوية لا يجاري اكتساب البكتيريا للمناعة ضدها على الإطلاق!
***************
|