في قولهم ( روح الله )
شرح الشبهة وتفنيدها
يقول النصارى في رسالتهم : ( دُعي المسيح روح الله في القرآن :
{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }النساء171.
وكلمة (روح منه) فسَّرها الإمام الرازي بقوله :
" أنه روح لله لأنه واهب الحياة للعالم في أديانهم".
وفسرها الإمام البيضاوي بقوله : "سُمِّيَ روحاً لأنه كان يحيي الأموات وقلوب البشر " .
ومن المهم أن نعرف الفرق بين قول القرآن عن آدم :
{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ}السجدة9 ,
وبين قوله عن المسيح :
{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }النساء171.
فالقول (نفخ فيه من روحه) يعني أن النفخة لأدم صادرة من الروح .
والقول الثاني (روح منه) يعنى أن المسيح هو ذات الروح معطي الحياة ) .
قال الإمام أحمد : ( قالت النصارى روح الله من ذات الله , وكلمة الله من ذات الله , كما يقال : هذه الخرقة من هذا الثوب ) ( الجواب الصحيح 2 / 158 ) .
الرد
إن النصارى يؤمنون أن المسيح يمثل روح الله التي في ذات الله وكيانه والعياذ بالله ,
فهذا هو منهجهم في فهم النصوص ,
فهم يمثلون ويجسمون الله تعالى
عما يصفون ويقولون أنه جسد وروح كسائر مخلوقاته
وأن المسيح هو هذه الروح التي محلها البدن , ونسوا ما جاء في نفس القرآن الذي يستدلون به :
{ لَيْس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}الشورى11,
وهذا التجسيم والتمثيل والتشبيه درب من دروب الكفر الذي يمتليء به الكتاب المقدس ,
ولهذا عندما تعرضوا لآيات الذكر الحكيم كقوله تعالى :
{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }النساء171 .
جسدوا الوصف كعادتهم فظنوا أن المسيح روح الله التي فى كيان الله والعياذ بالله ,
وبمعنى أخر فهم ظنوا أن ( من ) في الآية للتبعيض !
ولهذا قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : ( قوله تعالى (وَرُوحٌ مِّنْهُ) كقوله في سورة الجاثية :
{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الجاثية13 . أي من خلقه ومن عنده
وليست ( من ) للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة ,
بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى...
وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف
من باب إضافة المخلوق للخالق
كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله
في قوله : { هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ }الأعراف73 .
وفي قوله : {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ }البقرة125 ) ( تفسير ابن كثير 2/294 ).
فالله ليس كمثله شيء حتى نشبهه بالإنسان المركب من كيان وروح ,
إنما المقصود روح من خلقه جل وعلا ,
فكل منا بداخله روح من الله أي من خلقه جل في علاه ,
كما جاء في الحديث النبوي الذي أخرجه الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ... ) , وهذا عين ما حدث لمريم عليها السلام , فلو طبقنا منهج النصارى في الفهم المادي لأصبح كل واحد منا هو الله وروحه التي في كيانه والعياذ بالله !
وقال الألوسي رحمه الله:
( حكي أن طبيـبًا نصرانيًا حاذقًا للرشيد ناظر على بن الحسين الواقدي المروزي ذات يوم فقال له : إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى ، وتلا هذه الآية :
( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ )
فقرأ الواقدي قوله تعالى :
( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) الجاثـية13 .
فقال : إذاً يلزم أن يكون جميع الأشياء جزءاً منه سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا ، فانقطع النصراني فأسلم ،
وفرح الرشيد فرحًا شديدًا ) (روح المعاني 6/25)
وهذا ما سيحدث معك ومع غيرك إن كنت من العاقلين
ولو كان الأمر كما تدعي لكان آدم أحق أن يكون إله بل وإله أكبر من عيس وأفضل لأنه ليس له أب أو أم كما أنه روح الله أيضاً
{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ}السجدة9
وقولهم أن هناك فارق بين قوله تعالى حكاية عن آدم عليه السلام :
{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ}السجدة9 ,
وقوله تعالى حكاية عن المسيح عليه السلام :
{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }النساء171 ,
غلط محض ,
وأكبر دليل على أنه لا فارق بينهما هو القرآن الكريم ذاته ,
إذ ساوى في آية صريحة بين خلق آدم عليه السلام وخلق المسيح عليه السلام فقال تعالى : {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }آل عمران59 ,
وهذا رد قاطع فصل ما هو بالهزل , يبين الحقيقة في أوضح صورة .
وأما قولهم : ( وكلمة (روح منه) فسَّرها الإمام الرازي بقوله : " أنه روح لله لأنه واهب الحياة للعالم في أديانهم" ) ,
فهذا تحريف وطمس للحقائق , فليس في استدلالهم ما يفيد أن المسيح روح الله التي في كيانه – تعالى الله – بل على العكس ,
حيث أن قول الإمام يفيد أن المسيح عليه السلام كان يرشد الناس إلى مصالحهم في دينهم ودنياهم بصفته رسول من الله , ولقد بين الإمام أن هذا التعبير قيل في حق رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال تعالى :
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}الشورى52 ,
ثم إنهم نقلوا وجهًا واحدًا من وجوه عدة فصلها الإمام الرازي وبين فيها كفرهم وضلالهم .
فلقد قال رحمه الله :
( واعلم أنه تعالى لما أجاب عن شبهات اليهود تكلم بعد ذلك مع النصارى في هذه الآية ، والتقدير: يا أهل الكتاب من النصارى لا تغلوا في دينكم أي لا تفرطوا في تعظيم المسيح ، وذلك لأنه تعالى حكى عن اليهود أنهم يبالغون في الطعن في المسيح ، وهؤلاء النصارى يبالغون في تعظيمه وكلا طرفي قصدهم ذميم ، فلهذا قال للنصارى : {لا تغلوا في دينكم } , وقوله : {ولا تقولوا على الله إلا الحق} يعني لا تصفوا الله بالحلول والإتحاد في بدن الإنسان أو روحه ، ونزهوه عن هذه الأحوال . ولما منهم عن طريق الغلو أرشدهم إلى طريق الحق ، وهو أن المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وعبده .
وأما وقوله :
{وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه}
فاعلم أنا فسرنا {الكلمة} في قوله تعالى : {إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح} [آل عمران: 45] والمعنى أنه وجد بكلمة الله وأمره من غير واسطة ولا نطفة
كما قال :
{إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} [آل عمران: 59] .
وأما قوله : {وروح منه}
ففيه وجوه:
الأول: أنه جرت عادة الناس أنهم إذا وصفوا شيئا بغاية الطهارة والنظافة قالوا: إنه روح ، فلما كان عيسى لم يتكون من نطفة الأب وإنما تكون من نفخة جبريل عليه السلام لا جرم وصف بأنه روح ، والمراد من قوله {منه} التشريف والتفضيل كما يقال : هذه نعمة من الله ، والمراد كون تلك النعمة كاملة شريفة.
الثاني : أنه كان سببًا لحياة الخلق في أديانهم ، ومن كان كذلك وصف بأنه روح . قال تعالى في صفة القرآن :
{وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} [الشورى: 52]
الثالث: روح منه أي رحمة منه ، قيل في تفسير قوله تعالى : {وأيدهم بروح منه} [المجادلة: 22] أي برحمة منه ، وقال عليه الصلاة والسلام : فلما كان عيسى رحمة من الله على الخلق من حيث أنه كان يرشدهم إلى مصالحهم في دينهم ودنياهم لا جرم سمي روحا منه.
الرابع: أن الروح هو النفخ في كلام العرب ، فإن الروح والريح متقاربان ، فالروح عبارة عن نفخة جبريل وقوله {منه} يعني أن ذلك النفخ من جبريل كان بأمر الله وإذنه فهو منه ، وهذا كقوله : {فنفخنا فيها من روحنا} .
الخامس: قوله {روح} أدخل التنكير في لفظ {روح} وذلك يفيد التعظيم ، فكان المعنى: وروح من الأرواح الشريفة القدسية العالية ، وقوله {منه} إضافة لذلك الروح إلى نفسه لأجل التشريف والتعظيم. ثم قال تعالى :{فآمنوا بالله ورسله} أي أن عيسى من رسل الله فآمنوا به كإيمانكم بسائر الرسل ولا تجعلوه إلها ) ( مفاتيح الغيب 10/46 ) .
وأما عن قولهم :
(وفسرها الإمام البيضاوي بقوله : "سُمِّيَ روحاً لأنه كان يحيي الأموات وقلوب البشر" ) ,
فهذا أيضًا ليس فيه ظاهر دعواكم أن المسيح روح الله التي في كيانه والعياذ بالله , بل فيه أن المسيح عليه السلام كان يحيي الموتى بإذن الله كما قال تعالى :
{وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران49 .
وكما قال تعالى :
{إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }المائدة110 .
وهذا أمر لم يخص الله به المسيح عليه السلام في القرآن ,
بل كان لجده إبراهيم أيضًا ,
قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام :
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة260 .
وأما عن إحيائه لقلوب البشر فهذا شأن الأنبياء جميعًا , فهم طب القلوب وهداية الصدور لما فيه مصالح البشر الدينية والدنيوية .
ثم إن كتابكم بين أن روح الله لا تحل في جسد إنسان :
" فقال الرب: لا تَثُبتُ رُوحي في الإِنسانِ لِلأَبَد ، لأَنَّه بَشَر " (التكوين6/3 – الترجمة الكاثوليكية ) .
وفي كتابكم أيضًا أناس وصفوا أنهم أرواح الله , ففي سفر التكوين جاء في حق يوسف ما نصه :
"هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله " (التكوين 41/38) ,
ومثله قول موسى: " قال له موسى: هل تغار أنت لي ، يا ليت كل شعب الرب كانوا أنبياء ، إذا جعل الرب روحه عليهم" (العدد 11/29) ،
ويقول كتابكم أيضًا : " يقول الله: ويكون في الأيام الأخيرة إني أسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً" (أعمال 2/17) .
وقال تعالى :
( إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقّ مِن رّبّكَ فَلاَ تَكُنْ مّن الْمُمْتَرِينَ ) ( آل عمران 59- 60 ) .
وهكذا كان القرآن الكريم أولى بأنبياء الله جل في علاه من أقوامهم !
فولادة المسيح عليه السلام ضل فيها النصارى شر ضلالة وشنَّع عليها اليهود شر تشنيع فجاء القصص القرآني الإلهي المعجز ليرد على هذه الضلالات وتلك الخرافات التي أحدثها المخربون على مر العصور , فهو ليس ولد الله , وليس إبنًا لله , ولكنه عبد الله ورسوله , خلق بمعجزة باهرة كما خلق الله أدم من تراب ثم قال له كن فيكون , فالله هو القادر الذى لا يحيط قدراته حد , فهو قادر على خلق ألف شخص مثل المسيح عليه السلام بكلمة منه " كن فيكون " !
أما عن قولهم أن كل من هب ودب ولد بالفطرة الجنسية بين الرجل والمرأة إلا المسيح فلقد ولد من أم دون أب وهذا دليل على أولوهيته وبنوته لله , فهو مردود عليهم , فهل الولادة الإعجازية دليل على ألوهية المولود ؟! , لو قلتم نعم أيها النصارى فوجب عليكم الآتي :
1- تأليه أدم عليه السلام فلقد خُلق من دون أب ولا أم .
2- تأليه حواء فلقد خُلقت من أب دون أم .
3- تأليه الكاهن ملكي صادق المذكور عندكم في الرسالة إلى العبرانيين :
( لأن ملكي صادق هذا ملك ساليم , كاهن الله العلي , الذي استقبل إبراهيم راجعًا من كسرة الملوك وباركه , الذي قسم له إبراهيم عُشرًا من كل شيء , المُترجم أولا "ملك البر" ثم أيضًا "ملك ساليم" أي "
ملك السلام " بلا أب , بلا أم , بلا نسب , لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة , بل هو مُشبه بإبن الله , هذا يبقىكاهنًا إلى الأبد ) ( الرسالة إلى العبرانيين 7 : 1- 3 ) .
4- تأليه الكبش الذي أنزله الله على إبراهيم ليفدي به ابنه الذبيح , فهذا الكبش لا أم له ولا أب , بل أنزله الله على إبراهيم بمعجزة فريدة , فهو بذلك أفضل من كبشكم, فخروفكم له أم , أما هذا فليس له أب ولا أم ! , وهذا ثابت عندكم في سفر التكوين :
( فناداه ملاك الرب من السماء وقال : " إبراهيم! أبراهيم! " , فقال : " هأنذا " , فقال: " لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئًا , لأني علمت أنك خائف الله , فلم تمسك ابنك وحيدك عني " , فرفع إبراهيم عينه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكًا في الغابة بقرنيه , فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضًا عن ابنه) ( التكوين 22 : 11- 13 ) ,
فهذا الخروف أعظم من خروفكم الذي بذل نفسه عنكم على حد زعمكم !
ورأينا استشهاد النصارى على ألوهية المسيح من السنة المطهرة , حين استدلوا زورًا وباطلاً بقول النبي عليه الصلاة والسلام : " ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها " ( أخرجه البخاري ومسلم وأحمد ) . فزعموا أن الشيطان ليس له سلطان على المسيح مما يعني أنه الله ذاته , وأن هذه الفضيلة والكرامة لم تكن لأحد من البشر إلا للمسيح عليه السلام !
وأقول : بل هذا كذب صريح , لأن الشيطان ليس له سلطان على الأنبياء وعلى عباد الله المخلصين بنص القرآن الكريم حكاية عن الشيطان الرجيم : {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }ص82 – 83 , وكما أن الشيطان لم يمس المسيح وأمه جعل الله هذه الكرامة والفضيلة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم , فلقد قال عليه الصلاة والسلام : " أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله باسم الله , اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا , ثم قدر بينهما في ذلك أو قضي ولد لم يضره شيطان أبدا " ( أخرجه البخاري ومسلم وبقية أصحاب السنن ) .
في قوله تعالى ( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رّوحِنَا )
يقول النصارى في رسالتهم : ( فالمسيح ولد من مريم العذراء وبدون علاقة مع رجل لأن الله نفخ من روحه في العذراء البتول فالمسيح هو الإنسان الوحيد الذي ولد من روح الله. والقرآن يشهد على ذلك : "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ" (سورة التحريم 12) ) .
والنصارى في هذا الأمر قد ضلوا وأضلوا , وحسبنا أن ننقل ما قاله القمص المطموس صاحب العقل الملحوس زكريا بطرس في إحدى حلقات برنامجه ( الموكوس ) : أن الله كيان وفيه روح والمسيح هو هذه الروح !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( أما قوله تعالى : ( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رّوحِنَا ) وقوله في سورة الأنبياء : (وَالّتِيَ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَآ آيَةً لّلْعَالَمِينَ } 91 { ) فهذا قد فسره قوله تعالى : ( فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنّيَ أَعُوذُ بِالرّحْمَـَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ لاَِهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً ) ( مريم 17 – 19 ) .
وفي القراءة : (لاَِهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً ) ( مريم 19 ) .
فأخبر أنه رسوله وروحه – أي جبريل عليه السلام – وأنه تمثل لها بشرًا , وأنه ذكر أنه رسول الله إليها , فعلم أن روحه مخلوق مملوك له , ليس المراد حياته التي هى صفته سبحانه وتعالى .
وكذلك قوله : (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رّوحِنَا ) ( التحريم 12 ) , وهو مثل قوله في آدم عليه السلام (فَإذَا سَوّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ) ( الحجر 29 ) , وقد شبه المسيح بآدم عليه السلام في قوله : (إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقّ مِن رّبّكَ فَلاَ تَكُنْ مّن الْمُمْتَرِينَ ) ( آل عمران 59- 60) .
والشبهة في هذا نشأت عند بعض الجهال من أن الإنسان إذا قال : روحي , فروحه في هذا الباب هى الروح التي هى في البدن , وهى عين قائمة بنفسها , وإن كان من الناس من يعني بها الحياة , والإنسان مؤلف من بدن وروح , وهى عين قائمة بنفسها عند سلف المسلمين وأئمتهم وجماهير الأمم .
والرب تعالى منزه عن هذا , وأنه ليس مركبًا من بدن وروح , ولا يجوز أن يراد بروحه ما يريد الإنسان بقوله : روحي , بل تضاف إليه ملائكته وما ينزله على أنبيائه من الوحى والهدى والتأييد , ونحو ذلك ) ( الجواب الصحيح 2 / 116 ) .
وفيما يلي دليل عجزهم عن إثبات الاهوت من الإنجيل
في بيان أن النصارى لا يوجد عندهم شهادة على لسان المسيح تفيد ألوهيته بل على النقيض من ذلك .
" أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن، إلا الآب." ( مرقس 13/32).
" أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئاً.كما أسمع أدين، ودينونتي عادلة، لأني لا أطلب مشيئتي، بل مشيئة الآب الذي أرسلني" (يوحنا 5/30).
" قال لهم يسوع: متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو، ولست أفعل شيئاً من نفسي، بل أتكلم بهذا كما علّمني أبي. والذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الآب وحدي، لأني في كل حين أفعل ما يرضيه " (يوحنا 8/28).
" الحق الحق أقول لكم: لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل.لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك" (يوحنا 5/19).
" فسألها ما تريدين؟ قالت: أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك. فأجاب يسوع ... وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعدّ لهم من أبي " (متَّى 20/20-22).
" ولكن أسألك من أجل هذه الجماعة، ليؤمنوا بأنك أنت أرسلتني " (يوحنا11/26).
" أخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين: قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه" (لوقا 7/13).
" فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم" (يوحنا 6/14).
"إني ذاهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يوحنا 20/17).
"يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من الله بقوات وعجائب" (أعمال 2/22).
" ولا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد، الذي في السماوات. ولا تدعوا معلمين، لأن معلمكم واحد، المسيح"(متَّى 22/9-10).
" وإذا واحد تقدم وقال له: أيها المعلم الصالح، أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟ فقال له: لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحد صالحاً إلا واحد، وهو الله" (متى 19/17).
" كلم يسوع بهذا، ورفع عينيه نحو السماء وقال: أيها الآب قد أتت الساعة، مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضاً، إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته، وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يوحنا 17/2-3).
" إن أول الوصايا هى اسمع يا اسرائيل : الرب إلهنا إله واحد وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك هذه هى الوصية الأولى" (مرقس 12 : 28 – 34 ) .
" ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة : من هذا , فقالت الجموع : هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل "( متَّى 21 : 10-11 ) .
" انه ليس عبد أعظم من سيده ولا رسول أعظم من مُرسله " ( يوحنا 14 : 16 ) .
" ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله " (يوحنا 8 : 40 ) .
" الله لم يره أحد قط " ( يوحنا 1 : 18 ) .
" أبي أعظم مني " ( يوحنا 14 : 28 ) .