الحمد لله
في هذه الحكاية جانبان اثنان لا بد منالتنبيه عليهما :
أولا :
شرعية كلمات الدعاء المذكورة عن محمد بن واسع رحمه الله
، فهي جمل صحيحة المعاني ، مستقيمة المقاصد ، ليس فيها ما يستنكر ولا ما يستغرب ، فالدعاء بتقنيط الشيطان من إغوائك وإضلالك له ما يشهد له ، وليس اعتداء في الدعاء ،
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن
الشيطان يصيبه اليأس من العباد في بعض الأزمان والأحيان ، فقال :
( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ) رواه مسلم (2821)
وليس بمستنكر أن يسأل العباد ربهم أن يحقق لهم ذلك ويعصمهم من الشيطان ، وهو من جنس الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم ، فلا حرج على مَن دَعا به وسأل الله
تعالى بما جاء فيه ، من غير اعتقاد فضل خاص أو أثر معين لكلماته ، بل يعتقد أنها كغيرها من كلمات
الدعاء ، الصدق والإخلاص فيها هو سبب قبولها ، وليس شيئا غير ذلك .
ثانيا :
أما عن وقوع الحادثة المذكورة ومجيء الشيطان إلى محمد بن .واسع ومخاطبته بذلك الكلام ، فهذا لا نستطيع أن نؤكده ، ولا ننفيه أيضا ، والسبب أننا لم نجد سند هذه القصة في كتب الأثر والرواية ، كما أننا لا نرى في مقصودها شيئا مستنكرا يستحق التكذيب : فكلمات الدعاء مقبولة شرعا وهي .كالاستعاذة ، والشيطان يتصاغر عند الاستعاذة بالله ، وأشد ما يجده إذا حالت رحمة الله بينه وبين العباد ، فقد استكبر هو عنها فلا يريد أن تنال أحدا من الخلق .
أما تفاصيل القصة فلعل الأقرب أنها رؤيا منام ، وليست .حقيقة واقعة ، وإن كان الشيطان يعرض للبشر بصورة رجل ، كما عرض لأبي هريرة رضي الله عنه حين وكَّله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ مال الصدقة . رواه البخاري معلقا (3275)
وفي كتب السير كثيرٌ من القصص المشابهة ، ولم نر أحدا من
أهل العلم يعقب عليها بالتكذيب والنفي . انظر كتاب "سلاح
اليقظان لطرد الشيطان" للشيخ عبد العزيز السلمان (ص/15)
ومحمد بن واسع من أئمة العلم والدين ، توفي سنة (123هـ)
وكان من عباد أهل البصرة وأفضلهم ، حتى قال فيه سليمان
التيمي : " ما أحد أُحِبُّ أن ألقى الله بمثل صحيفته مثل
محمد بن واسع " انظر ترجمته في "سير أعلام
النبلاء"
(6/119) ، فلا يستبعد أن الشيطان يئس من
إغوائه وإضلاله
فجاء يطلب منه الكف عن الدعاء عليه .
ورغم ذلك فالجزم بثبوتها خطأ أيضا ، إذ لم نر من ذكرها إلا أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم
الدين" (3/38) ومِن المعلوم أن كتاب "الإحياء" يحوي الكثير من الأحاديث .والآثار والقصص الضعيفة والموضوعة ، فلا يُركن إلى نقله
.
|