3 ) أقسام الناس في الغيرة :
وهنا انقسم بنو آدم أربعة اقسام :
1] قوم لا يغارون على حرمات الله بحال ولا على حرمها . مثل الديوث والقواد وغير ذلك ومثل أهل الاباحة الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق . ومنهم من يجعل ذلك سلوكاً وطريقاً } واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله امرنا بها قل ان الله لا يأمر بالفحشاء
{ سورة الاعراف 28
2] وقوم يغارون على ما حرمه الله ، وعلى ما أمر به مما هو من نوع الحب والكره يجعلون ذلك غيرة ، فيكره أحدهم من غيره أموراً يحبها الله ورسوله . ومنهم من جعل ذلك طريقاً وديناً ويجعلون الحسد والصد عن سبيل الله وبغض ما أحبه الله ورسوله غيرة .
3] وقوم يغارون على ما أمر الله به دون ما حرمه . فتراهم في الفواحش لا يبغضونها ولا يكرهونها بل يبغضون الصلوات والعبادات كما قال تعالى فيهم } فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً
{ سورة مريم 59
4] وقوم يغارون مما يكرهه الله ويحبون ما يحبه الله . هؤلاء هم أهل الإيمان . الاستقامة ج: 2 ص: 7
4 ) من مظاهر ضعف الغيرة :
يوم أن تتنكب البشرية طريق ربها ، وتنحرف عن مبادئها فإنها تفقد كرامتها وعزتها ، حتى إنها لتلحق بالبهائم التي لا تراعي خلقاً ولا تؤمن بمبدأ .
وقد حفل التاريخ البشري بصور مخزية من مظاهر ضعف الغيرة ، هي في الواقع صفحات سوداء في التاريخ ، ووصمة عار في جبين الإنسانية .
فمن ذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها .
ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع .
ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع به الرجل .
ونكاح الرابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم .
رواه البخاري 5127
وقال ياقوت الحموي في كلام عن إحدى القبائل ، قال : والزنا بينهم كثير غير محظور وهم أصحاب قمار يقامر أحدهم غيره بزوجته وابنه وابنته وأمه فما دام في مجلس القمار فللمقمور أن يفادى ويفك فإذا انصرف القامر فقد حصل له ما قمر به يبيعه من التجار كما يريد . والجمال والفساد في نسائهم ظاهر وهم قليلو الغيرة فتجيء ابنة الرئيس فمن دونه أو امرأته أو أخته الى القوافل اذا وافت البلد فتعرض للوجوه فإن أعجبها إنسان أخذته إلى منزلها وأنزلته عندها وأحسنت إليه وتصرف زوجها وأخاها وولدها في حوائجه ولم يقربها زوجها مادام من تريده عندها إلا لحاجة يقضيها ثم تتصرف هي ومن تختاره في أكل وشرب وغير ذلك بعين زوجها لا يغيره ولا ينكره .
المرجع : معجم البلدان ج: 3 ص: 443
وقال ابن بطوطة في وصف ( إيوالاتن ) : ولنسائها الجمال الفائق وهن أعظم شأنا من الرجال وشأن هؤلاء القوم عجيب وأمرهم غريب فأما رجالهم فلا غيرة لديهم ... وأما نساؤهم فلا يحتشمن من الرجال ولا يحتجبن مع مواظبتهن على الصلوات ... والنساء هنالك يكون لهن الأصدقاء والأصحاب من الرجال الأجانب وكذلك للرجال صواحب من النساء الأجنبيات ويدخل أحدهم داره فيجد امرأته ومعها صاحبها فلا ينكر ذلك .
دخلت يوما على القاضي بايوالاتن بعد إذنه في الدخول فوجدت عنده امرأة صغيرة السن بديعة الحسن فلما رأيتها ارتبت وأردت الرجوع فضحكت مني ولم يدركها خجل وقال لي القاضي لم ترجع إنها صاحبتي فعجبت من شأنهما فإنه من الفقهاء الحجاج وأخبرت أنه استأذن السلطان في الحج في ذلك العام مع صاحبته لا أدري أهي هذه أم لا فلم يأذن له .
دخلت يوما على أبي محمد بن يندكان المسوفي الذي قدمنا في صحتبه فوجدته قاعدا على بساط وفي وسط داره سرير مظلل عليه امرأة معها رجل قاعد وهما يتحدثان فقلت له ما هذه المرأة فقال هي زوجتي فقلت وما الرجل الذي معها فقال هو صاحبها فقلت له أترضى بهذا وأنت قد سكنت بلادنا وعرفت أمور الشرع فقال لي مصاحبة النساء للرجال عندنا على خير وحسن طريقة لا تهمة فيها ولسن كنساء بلادكم فعجبت من رعونته وانصرفت عنه فلم أعد إليه بعدها واستدعاني مرات فلم أجبه .
المرجع : رحلة ابن بطوطة ج: 2 ص: 776ـ777
وبعد هذه القرون السالفة حل هذا الزمن زمن التقدم والحضارة بفتنه وشهواته ليضيف فجاره وأشقياؤه إلى صفحات التاريخ الغابر صوراً أبشع مما سطره أسلافهم وأشنع ، ففشت الفاحشة واستُمرِئت ، وانتشرت الرذيلة وقُـنِّـنت ، وانطفأت نـار الغيرة في قلوب أشباه الرجال وخبت .
نعم .. لقد بلغت فئام من البشر اليوم دركاً منحطاً من اللا أخلاقية والبهيمية لم تبلغه المجتمعات الجاهلية الأولى . فلا يمكن أن نحصي صور الانحلال الخلقي المشين والانتكاس البهيمي المهين التي عم عارها واستعرت نارها في عامة المجتمعات ، وبالأخص في المجتمعات الغربية الكافرة .
والأسرة المسلمة - حرسها الله - لم تكن بمعزل عن هذه المجتمعات المأفونة . فقد أجلب عليها أعداؤها بخيلهم ورَجِلهم ليفسدوا أخلاقها ، ويصدوها عن دينها ، حتى ظهرت في مجتمعات المسلمين مظاهر شتى من الفساد الخلقي فمُقِلٌّ ومستكثر .
وإن تعجب من تفشي هذه المظاهر في البلاد المسلمة ، فالعجب الأكبر من قبول كثير من المسلمين ورضاهم بها حتى أصبحت الغيرة على حرمات الله في قلوبهم نسياً منسياً .
ولعلنا نعرض في مايلي طرفاً من المظاهر المتعلقة بهذا الموضوع والتي تبين مدى ضعف الغيرة في قلوب فئام من المسلمين . والله المستعان .
1 ) فمن أعظم مظاهر ضعف الغيرة ما يقع من فعل الفاحشة بالمحارم أو المتاجرة بأعراضهن .
وقد جاء من الوعيد الشديد على الدياثة ما يطير منه فؤاد المؤمن خوفاً ورهبة .
فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر ، والعاق ، والديوث الذي يقر في أهله الخبث .
رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 3052 )
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً الديوث ، والرَّجُلة من النساء ، ومدمن الخمر .
رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 3062 )
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، والمرأة المترجلة المتشبهة بالنساء ، والديوث .
رواه احمد والنسائي والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 3071 )
قال المناوي : والديوث فيعول من ديثت البعير إذا دللته ولينته بالرياضة فكأن الديوث ذلل حتى رأى المنكر بأهله فلا يغيره . ورجلة النساء بفتح الراء وضم الجيم وفتح اللام أي المتشبهة بالرجال في الزي والهيئة لا في الرأي والعلم فإنه محمود . وقال الذهبي فيه أن هذه الثلاثة من الكبائر ، قال : فمن كان يظن بأهله الفاحشة ويتغافل لمحبته فيها فهو دون من يعرس عليها ولا خير فيمن لا غيرة فيه ، والقوادة التي لا تزال بالحرة حتى تصيرها بغياً عليها وزران .ا.هـ
المرجع : فيض القدير ج: 3 ص: 327
2 ) تهافت الناس زرافات ووحداناً على السفر إلى بلاد العهر والفجور ليعرضوا أزواجهم وبناتهم للفتن . فما إن تقلع الطائرة من بلاد المسلمين ألا ويكون الحجاب نسياً منسياً إما بإقرار الزوج وتلك عظيمة ، وإما بأمره وهذه أعظم .
3 ) إدخال كثير من الناس آلات الفساد كالتلفاز وأجهزة استقبال البث الفضائي إلى منزله حيث تبث الرذيلة ،وتهيج الشهوة ،وتدعو إلى الفاحشة ، وتفسد النساء في الخدور .
• نزل الحطيئة برجل من العرب ومعه ابنته مليكة فلما جنه الليل سمع غناء فقال لصاحب المنزل :كف هذا عني فقال : وما تكره من ذلك فقال : إن الغناء رائد من رادة الفجور ولا أحب أن تسمعه هذه يعني ابنته فإن كففته والإ خرجت عنك .
المرجع : إغاثة اللهفان ج: 1 ص: 246
• عن خالد بن عبدالرحمن قال : كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك فسمع غناء من الليل فأرسل إليهم بكرة فجىء بهم فقال : إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة وإن الفحل ليهدر فتضبع له الناقة وإن التيس لينب فتستحرم له العنز وأن الرجل ليتغنى فتشتاق إليه المرأة ثم قال : اخصوهم فقال عمر بن عبد العزيز : هذه المثلة ولا تحل فخل سبيلهم .قال: فخلى سبيلهم .
إغاثة اللهفان ج: 1 ص: 246
4 ) تساهل كثير من الرجال في ركوب نسائه متبرجات متعطرات مع السائق أو سيارة الأجرة بلا محرم ، أو سفرهن بدون محرم .
5 ) انتشار الخدم والسائقين في البيوت واختلاطهم بالمحارم مما يكون سبباً في الفتنة .
• كان سيف الدين غيوراً شديد الغيرة ، لم يترك أحداً من الخدم يدخل دور نسائه إذا كبر ، إنما يدخل عليهن الخدم الصغار .
كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية ج: 3 ص: 62
6 ) استقدام بعض الأسر الخادمات إلى بيوتهم بلا محرم واختلاطهن بالرجال في البيوت لاسيما الشباب . وهذا باب من الفتنة عظيم ، وكم حدث بسببه من أمور يندى لها الجبين .
7 ) تساهل بعض الرجال في ذهاب نسائه إلى الطبيب الرجل ليكشف على عوراتهن - بل وأحياناً العورة المغلظة - بدعوى الحاجة إلى العلاج مع عدم مراعاة الضوابط الشرعية ، ومنها : الحاجة إلى التداوي ، ألا يلجأ إلى الطبيب الرجل إلا إذا عدمت الطبيبة ، ألا يلجأ إلى الطبيب الكافر إلا إذا عدم المسلم ، أن يكون الكشف بحضور محرم المرأة لعموم تحريم الخلوة والأمر هنا أشد ، أن يقتصر الكشف على موضع الحاجة فقط دون غيره .
8 ) ظاهرة إنتشار محلات التصوير النسائية فيأتي الرجل بمحارمة إلى هذه الأماكن وهن في أبهى حلة لتلتقط لهن الصور ويطلع عليها من شاء من العاملات اللواتي قد لا يكون عندهن من الخوف من الله أو من الخلق ما يمنعهن من أن يطلعن أحـداً من الرجال على هذه الصور أو نشرها .
9 ) تصوير النساء في الأعراس . فيقوم ذوو الزوجين بتصويرهما في ليلة زواجهما ، وتتنقل هذه الصور بين الرجال والنساء . فتباً لها من بداية مخزية للحياة الزوجية أن يرضى الرجل أن تتنقل صورة زوجته بين أيدي الرجال .
10 ) انتشار الألبسة الفاضحة المخلة بالحياء في أوساط النساء ، كالألبسة العارية والبنطلونات التي تصف جسد المرأة ، بل وحتى العباءة وغطاء الرأس لم يسلما من الحملة الشرسة على شخصية المرأة المسلمة في لباسها وحشمتها وعفافها .
وإن تعجب من امرأة تمشي أمام الناس بهذه الملابس أو العباءة أو النقاب فالعجب كله من رجل يمشي بجوارها لا يحرك ساكناً ولا ينكر منكراً ، وإذا نوصح أزبد وأرعد واتهم الناصح الغيور بالتدخل في شئونه الخاصة . والله المستعان .
بل قد وجد من بعض ضعفاء الايمان وأتباع كل ناعق ممن بهرتهم حضارة الغرب فانطفأت نار الغيرة في قلوبهم أن أحدهم والعياذ بالله يأمر أهله بارتداء هذه الملابس وعدم الالتزام بالحجاب لأنه ـ كما يزعم ـ من التخلف والرجعية .
11 ) ما يحدث في بعض المجتمعات والأسر من أختلاط الأقارب وعدم احتجاب المرأة عن أقارب زوجها .
12 ) ما يحدث في بعض برامج القنوات الفضائية من اللقاءات مع الفنانين واللاعبين وتلقي اتصالات المعجبين والمعجبات التي لا تخلو من الخضوع بالقول والميوعة وإثارة الشهوة .
13 ) ما تقوم به بعض المجلات الساقطة بما يسمى ( ركن التعارف ) أو ( المراسلة ) حيث العلاقات المشبوهة بين الجنسين و رسائل الحب والغرام .
14 ) قيام بعض الأسر بإرسال أبنائها وبناتها بمفردهم إلى بلاد الكفر والفساد بدعوى الدراسة . وأعظم من هذا ما يعرف بنظام المعيشة في أسرة كافرة بدعوى تعلم اللغة .
تلكم هي بعض الأسباب ، وما لم نذكره كثير . والله المستعان .
__________________
اطلبوا العلم، فإن عجزتم فأحبوا أهله، فإن لم تحبوهم فلاتبغضوهم هيا بنا نتعلم الديمقراطية <!-- Facebook Badge START --><!-- Facebook Badge END -->
|