فى كل بضعة أيام أنظر إلى أدراج مكتبى لأذهب الفوضى التى حلت به من قصاصات متناثرة، وسجلات مبعثرة، وأوراق أدت الغرض منها.
يجب أن أرتب كل شىء فى وضعه الصحيح، وأن يستقر فى سلة المهملات ما لا معنى للاحتفاظ به!
وفى البيت: ان غرفه وصالاته تصبح مشعثة مرتبكة عقب أعمال يوم كامل، فإذا الأيدى الدائبة تجول هنا وهنا لتنظف الأثاث المغبر وتطرد القمامة الزائدة وتعيد إلى كل شىء رواءه ونظامه.
ألا تستحق حياة الإنسان مثل هذا الجهد؟ ألا تستحق نفسك أن تتعهد شئونها بين الحين والحين لترى ما عراها من اضطراب فتزيله، وما لحقها من إثم فتنفيه عنها مثلما تنفى القمامة من الساحات الطهور؟.
ألا تستحق النفس بعد كل مرحلة تقطعها من الحياة أن نعيد النظر فيما أصابها من غنم أو غرم؟ وأن نرجع إليها توازنها واعتدالها كلما رجتها الأزمات، وهزها العراك الدائب على ظهر الأرض فى تلك الدنيا المائجة؟.
إن الإنسان أحوج الخلائق إلى التنقيب فى أرجاء نفسه، وتعهد حياته الخاصة والعامة بما يصونها من العلل والتفكك.
ذلك أن الكيان العاطفى والعقلى للإنسان قلما يبقى متماسك اللبنات مع حدة الاحتكاك بصنوف الشهوات وضروب المغريات...
فإذا ترك لعوامل الهدم تنال منه فهى آتية عليه لا محالة، وعندئذ تنفرط المشاعر العاطفية والعقلية كما تنفرط حبات العقد إذا انقطع سلكه...
وهذا شأن (... من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان أمره فرطا)
كما يقول الله عز وجل.
وكلمة " فرط " ينبغى أن نتأمل فيها، فالعامة عندنا يسمون حبات العنب الساقطة من عنقودها أو حبات البلح الساقطة من عرجونها "فرطا".
وانتزاع حبات الأذرة من كيزانها المتراصة تمهيدا لطحنها تشتق تسميته من المادة نفسها.
والنفس الإنسانية إذا تقطعت أواصرها ولم يربطها نظام ينسق شئونها، ويركز قواها أصبحت مشاعرها وأفكارها كهذه الحبات المنفرطة السائبة لا خير فيها ولا حركة لها.
ومن ثم نرى ضرورة العمل الدائم لتنظيم النفس وإحكام الرقابة عليها..
والله عز وجل يهيب بالبشرـ قبيل كل صباح ـ أن يجددوا حياتهم مع كل نهار مقبل.
فبعد أن يستريح الأنام من عناء الأمس الذاهب، وعندما يتحركون فى فراشهم ليواجهوا- مع تحرك الفلك- يومهم الجديد.
فى هذه الآونة الفاصلة تستطيع أن تسأل: كم تعثر العالم فى سيره؟ كم مال مع الأثرة؟ كم اقترف من دنية؟ كم أضلته حيرته فبات محتاجا إلى المحبة والحنان؟ فى هذه اللحظة يستطيع كل امرئ أن يجدد حياته، وأن يعيد بناء نفسه على أشعة من الأمل والتوفيق واليقظة.