من العيب حقاً، بل من الإخلال بالأمانة العلمية ترك ما صح واشتهر عن الأئمة الأربعة في هذا الباب، والاكتفاء بذكر ما يوافق مذهبه من الحكايات.
ولعلي أن أسوق بعض ما اشتهر عن الأئمة في ذم الصوفية والذي يدل على نقيض ما قاله الزائر غير المسجل غفر الله له، وكم تمنينا أن يكون منصفاً .
1- وروى البيهقي باسناده عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: «لو أن رجلاً تصوف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق».
وبإسناده عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول:«ما رأيت صوفياً عاقلاً قط إلا مسلم الخواص».
وبإسناده أن الشافعي قال في وصف الصوفي: «لا يكون الصوفي صوفياً حتى يكون فيه أربع خصال: كسول أكول شؤوم كثير الفضول». [مناقب الشافعي للبيهقي 2/207]
وقال الشافعي: «أس التصوف الكسل». [حلية الأولياء 9/136].
ولما أظهر الصوفية ما يُسمى بالسماع وهو الإنشاد بضرب الأرجل والقضبان، سماهم الشافعي بالزنادقة. فقد قال الحافظ ابن رجب كما في نزهة الأسماع (ص71): «وصح عن الشافعي من رواية الحسن بن عبد العزيز الجروي ويونس بن عبد الأعلي أنه قال: تركت بالعراق شيئاً يُسمونه «التغبير» وضعته الزنادقة يصدون به الناس عن القرآن».
وقال الحافظ ابن رجب كما في المصدر السابق معرِّفاً «التغبير» وأنه من صنع الصوفية: «والحدث الثاني: سماع القصائد الرقيقة المتضمنة للزهد والتخويف والتشويق، فكان كثير من أهل السلوك والعبادة يستمعون ذلك، وربما أنشدوها بنوع من الألحان استجلاباً لترقيق القلوب بها، ثم صار منهم من يضرب مع إنشادها على جلد ونحوه بقضيب ونحوه وكانوا يسمون ذلك التغبير».
2- وأما الإمام أحمد فكلامه في هذا الباب كثير جداً. فقد اشتهر عنه التحذير من الحارث المحاسبي الذي كان رأساً في المتصوفة آنذاك، وأمره بهجرانه لما عُرف عنه من التصوف والخوض في مقاماتهم، ولاتباعه أيضاً لطريق ابن كلّاب فيما أحدثه من القول الباطل في صفات الله تعالى.
فقد قال الخلال: أخبرنا المروذي: أن أبا عبد الله ذكر حارثاً المحاسبي فقال: «حارث أصل البلية، -يعني حوادث كلام جهم-، ما الآفة إلا حارث، عامة من صحبه انهتك إلا ابن العلاف فإنه مات مستوراً. حذروا عن حارث أشد التحذير.
قلت: إن قوماً يختلفون إليه؟ قال: نتقدم إليهم لعلهم لا يعرفون بدعته، فإن قبلوا وإلا هُجروا. ليس للحارث توبة، يُشهد عليه ويَجْحَد، إنما التوبة لمن اعترف) اهـ. [رواه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/62-63)].
وقال علي بن أبي خالد: «قلت لأحمد: إن هذا الشيخ -لشيخٍ حضر معنا- هو جاري، وقد نهيته عن رجل، ويحب أن يسمع قولك فيه: حارث القصير -يعني حارثاً المحاسبي- كنت رأيتني معه منذ سنين كثيرة، فقلت لي: لا تجالسه، ولا تكلمه، فلم أكلمه حتى الساعة. وهذا الشيخ يجالسه، فما تقول فيه؟ فرأيت أحمد قد احمر لونه، وانتفخت أوداجه وعيناه، وما رأيته هكذا قط، ثم جعل ينتفض ويقول: ذاك فعل الله به وفعل، ليس يَعرِف ذاك إلا من خبره وعرفه، أوّيه، أوّيه، أوّيه. ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره وعرفه. ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان فأخرجهم إلى رأي جهم. هلكوا بسببه.
فقال له الشيخ: يا أبا عبد الله يروى الحديث ساكن خاشع، من قصته ومن قصته؟ فغضب أبو عبد الله وجعل يقول: لا يغرك خشوعه ولينه، ويقول: لا تغتر بتنكيس رأسه، فإنه رجل سوء، ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره. لا تكلمه ولا كرامة له. كل من حدث بأحاديث رسول الله r وكان مبتدعاً تجلس إليه؟ لا، ولا كرامة، ولا نُعمى عين، وجعل يقول: ذاك. ذاك» اهـ. [رواه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/233-234)].
وقال ابن الجوزي: « وروينا عن أحمد بن حنبل أنه سمع كلام الحارث المحاسبي فقال لصاحب له: لا أرى لك أن تجالسهم.
وعن سعيد بن عمرو البردعي قال: شهدت أبا زرعة وسئل عن الحارث المحاسبي وكتبه، فقال للسائل: إياك وهذه الكتب، هذه الكتب كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب. قيل له: في هذه الكتب عبرة. قال: من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمة صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء، هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم، يأتوننا مرة بالحارث المحاسبي، ومرة بعبد الرحيم الدبيلي، ومرة بحاتم الأصم، ومرة بشقيق، ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع».[تلبيس إبليس ص206].
فهذه بعض نصوص الأئمة منهم الشافعي وأحمد في ذم الصوفية وأئمتهم، وأما أبو حنيفة فلم يكن للصوفية ظهور في عهده. واكتفيت بالأئمة الأربعة ولغيرهم من الأئمة كلام كثير في ذم الصوفية والمتصوفة لا يسع المجال لنقله.
والله أسأل أن يهدينا وجميع المسلمين إلى الحق، وأن يجعلنا من أنصاره والقائمين به. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.