رسالة الرئيس محمد أنور السادات
إلى جامعة دار السلام الإسلامية بالهند
بمناسبة احتفالها باليوبيل الفضى
فى١٦ ابريل ١٩٧٧
أيها الإخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة اللهوبركاته ٠
فانه يطيب لى أن أبعث إليكم بتحيتى الطيبة فى هذه المناسبة العلميةالتى تحتفلون فيها بالعيد الفضى لجامعتكم العظيمة جامعة دار السلام ، بعد أن قطعتشوطا من عمرها المبارك ، وخرجت آلاف الطلاب والطالبات حاملين مشاعل الثقافةوالمعرفة فى عصر لا سيادة فيه إلا للعلم وبالعلم ، ولا تقدم أو تنمية أو رخاء إلابالمعرفة فى أى قطر من أقطار الأرض ٠
وإذا كنتم تحتفلون اليوم بالعيد الفضى لجامعتكم ، فانكم تؤكدونتقديركم للعلم والعلماء ، وتعلمون بما يوجبه الدين على أتباعه من اعزاز للعلم ،واحترام للفكر ، وحفاوة بالعلماء ، وتنفير من الجهل وسخرية من الجهلاء
ولقد تردد هذا كله فى الدين الإسلامى الحنيف ، وفى تراث الهندالروحى وحضارتها العريقة ٠ لهذا لم يكن عجيبا أن ظفر المسلمون وظفر الهنود فى عصورمن تاريخهم المشرق من بداوة إلى حضارة ، ومن جهالة إلى ثقافة ، ومن تخلف إلى تقدم ٠
أيها الإخوة والأخوات
لقد سجل تاريخ الهند أغنى بلاد العالمآلاف السنين ، وإن العلوم والفنون الجميلة ازدهرت بها وكانت دلهى فى القرن الثالثعشر الميلادى مقصد رجال العلم والفن ، وكانت تحتفى بالعلماء والأدباء والفنانين ،كما كانت تفعل بغداد من قبل ٠
كما سجل التاريخ أن العرب اتصلوا بالهند منذ زمن بعيد ، وتوطدتبينهم الصلات التجارية فى القرن السابع عشر الميلادى ، حينما كانت أوروبا تشك فىوجود الشرق الأقصى ، ولا تعرف سوى شواطئ افريقية ، ففى هذا الوقت كانت السفنالعربية تمخر عباب المحيط وترسو ببلاد اليمن ، ناقلة كثيرا من خيرات الهند إلى بلادالعرب ، لينقلها العرب إلى الشام وإلى أوروبا٠
وحينما يدقق الباحث فى النظر يجد أن حضارة العرب قد امتزجت بحضارةالهند ، وان هذا الامتزاج بدت آثاره فى المذاهب الهندية وفى نواح من التفكير العربى ٠
ولا يستطيع باحث أن يتغافل عن مظاهر هذا الامتزاج فى فن البناءوالعمارة ببلاد الهند وبلاد العرب ، كما نرى فى منارة قطب وفي باب علاء الدين الذيتبدو أعمدته هندوكية وتبدو قناطره وزخارفه عربية ، وكما نرى فى تاج محل الشهير فىالعالم كله بأنه قائم على الفن الهندوكى والعربى والفارسى ، وكما نرى فى مسجدالمعطى والمسجد الكبير فى دلهى ٠
ومن مظاهر امتزاج الحضارتين الهندية والعربية أن العرب درسوا فلسفةالهند وادابها ، وترجموا بعضها إلى العربية ، ومازلنا نقرأ فى اعجاب كتاب كليلةودمنة الذي ترجمه إلى اللغة العربية الكاتب الكبير عبد الله بن المقفع منذ اثنى عشرقرنا ، ومازلنا نتذكر أن العلامة المسلم البيرونى كان صديقا لسلطان الهند محمودالغزنوى ، وعاش زمنا بالهند ، ونقل إلى الهنود بعض علوم العرب ، كمال نقل الى العرببعض معارف الهنود منذ تسعة قرون ٠
أيها الأخوة والأخوات
لست أنسى فى هذا المقام أن أنوه بالتعاليمالمشتركة بين الديانات الهندية وبين الإسلام ، كالدعوة إلى المحبة والتسامح والسلاموالكرم والحلم والوفاء وحب الأسرة ٠
وفى ظل التسامح المشترك أنشئت مساجد كثيرة فى جميع المدن بجوارمعابد هندوكية ، وكلما تقدمت الحضارة وانتشرت الثقافة استنار الناس فعم المبدأالقائل بإله واحد وقل التعصب ، وان الهند العريقة والأمة العربية العظيمة قد نهضوامن الرقاد ، وآلوا على أنفسهم أن يجتهدوا لتعويض ما فاتهم ، فيعمروا عقولهم بالعلم، ويعمروا قلوبهم بالإيمان ، ليتبوأوا المكان الرفيع الذي يرتضونه لأنفسهم فىالعالم الجديد ٠
أيها الأخوة والأخوات
إن جمهورية مصر العربية لن تنسى مواقفشقيقتها الهند فى مناصرة قضيتنا العادلة ونضالنا المشروع لاسترداد أرضنا المغتصبةوحقنا المسلوب ، فقد كان لهذه المناصرة اثار طيبة محمودة ٠
واننى اختتم كلمتى بتمنياتى لفخامة الأخ رئيس الجمهورية ولحكومتهوللشعب الهندى الشقيق بمزيد من العزة والمجد والازدهار كما اتمنى لجامعة دار السلامالعريقة وهى تحتفل بعيدها الذهبى كل التوفيق والسداد فى خدمة العلوم والفنونوالاداب ، وفى نشر الثقافة الإسلامية الداعية إلى الحرية والسماحة والسلام ٠
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته