عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 26-06-2010, 07:09 PM
الصورة الرمزية مسترسمير إبراهيم
مسترسمير إبراهيم مسترسمير إبراهيم غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 5,807
معدل تقييم المستوى: 21
مسترسمير إبراهيم is on a distinguished road
Exll مقالات الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة(متجدد)

ثانيا:...وحـــــدة

بقلم: أسامه أنور عكاشه


عند حافة المغرب‏..‏ يعتصر الشفق حمرته المتوهجة ويقطرها لتملأ بالدمع كأسا يجد لمذاقها برودة الثلج المذاب في قنينة العطر فيشرب‏..‏ ويشرق‏..‏ يشرق بغصته الخاصة حين يتذكر أنه وحده‏..‏ ولانديم هناك‏.
‏.......‏
يغني فريد الاطرش في مذياع قريب‏..‏
وحداني هاعيش كده وحداني‏..‏ ولا اقول ياغرام أبدا تاني‏..‏
هل الوحدة ان نعيش بغير حب؟‏!‏
‏..‏ أم الوحدة أن يدركنا السأم‏..‏ ويضجرنا البشر‏..‏
قال سارتر‏..‏ الجحيم هو الآخرون‏.‏
فهل الفردوس هو‏...‏ أنا؟
العشق يسربل الموجودات برماد مازال يتصاعد منه الدخان‏..‏ تعلو الغشاوة اسوار المرئيات‏..‏ ومن غبش المساء تنفذ أشعة متقطعة لنجميات قريبة‏..‏ ويتسلل اريج ياسمينة قريبة تعلو شرفة الجيران‏..‏ وقنديل خافت الضوء ينار عند المدخل‏..‏ لكن الصمت يسود‏..‏ حتي شقشقة الاسراب العائدة من رحلة النهار صمتت فجأة‏.‏
يضطرب صدره بخفقة ملتاعة حين يتذكر أنه وحده‏..‏ ولانديم هناك‏!‏
يقرأ كثيرا عن وحدة الشعراء وارباب الخيال ويراها وحدة مفعمة بالوجود الحار لعرائس الوحي‏..‏
وحده الفنان لايعيش في وحدة‏..‏ لايمكن ان تسجنه الجدران ولا الهجير ولا عواصف الشتاء‏..‏ فأفكاره تحلق حوله كحوريات البحر‏.‏
قادر هو علي الائتناس بعالمه وخلق موجوداته ويرفض أن يقال عنه ما يشير الي فراغ العالم حوله‏..‏ إذ هو خبير بملء الفراغات وإفراغ الحياة من تفاهات الاقتحام‏.‏
الليل في هزيعه الأول يضج بأصوات الناس والشارع ومغاني الروابي القريبة‏..‏ عند التلة البعيدة تنعكس اضواء ملونة علي مسطح مائي معتم وتأتي أنغام تبعثرها ريح صيفية نزقة‏..‏ هناك تبدأ السهرة‏!!‏
في امسيات بعيدة لم يكن وحده‏!‏ كانت هنا‏..‏ دائما‏..‏ عند مهب الانفاس الحارة‏..‏ وكانا يتشاجران‏..‏ ثم يتفقان علي انهاء قصتهما القديمة والرحيل‏..‏ وجرعة الوداع ترسم في العيون دمعة انسحاب‏..‏ فيمزقان كل الاتفاقات‏..‏ ويبكيان حتي الفجر‏..‏ أما الآن فلم يتبق إلا أصداء تتردد في آذان اصابها صمم الوحدة‏.‏
الليلة يبكي‏..‏ لانه تذكر انه وحده‏..‏ ولانديم هناك‏.‏
في مسكن قديم ـ لايذكر لمن كان ـ تطالعه في ذكرياته صورة لوحة عتيقة كتبت عليها حكمة‏..‏ الوحدة خير من جليس السوء‏.‏
أحقا؟‏..‏ ومن هو جليس السوء؟
صديق حقود يملؤك غضبا ويحرضك ضد الحياة؟‏..‏ أم عربيد ماجن؟
يدعوك للاغتراف من ملذات عالم لا خلود له ولا بقاء فيه لشئ؟
أم تراه ملاكا أو جنيا يعلمك السحر فتعزف أو ترسم أو تكتب
أم تراه أنت‏..‏ فأنت هو‏..‏ وبعض منك يثور عليك‏.‏
البلادة ليست هي الوحدة‏.‏
في الهزيع الاخير يقطع البنفسج رداء الليل الاسود‏.‏
مع انطفاء الاضواء الملونة في التلة‏..‏ لايبقي سوي القنديل في شرفة مجاورة‏.‏
يشع بنور مخضر تنفر منه الفراشات‏.‏
لكن البنفسج يزحف ويترامي عند الاقدام‏..‏ ورائحة الياسمين تفعم النسمات الفجرية‏..‏ هناك دفء موعود‏..‏ وشمس تقترب‏..‏ وكانت الكأس مملوءة‏..‏ لم تلمس الشفاه حافته‏..‏
سقطت فيها فراشة حرق الضوء جناحها
مازال القنديل يخفق بنوره الاخضر
وفي الشرفة هناك‏..‏ قيثارة مهجورة‏..‏ وفتاة نائمة وعلي وجهها ورقة ياسمين‏.‏
‏..‏ أنفاس تتردد في صدر يخفق
والرحلة تصل إلي حافة الهجوع‏.‏
وقد آن لك ان تمسح دمعك‏..‏
لم تكن أبدا وحدك‏..‏
فقط لم تر عيناك النديم‏.‏
__________________
رد مع اقتباس