الموضوع: حوار مع صوفى
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 07-07-2010, 01:34 AM
الصورة الرمزية الأزهرى الساطع
الأزهرى الساطع الأزهرى الساطع غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 36
معدل تقييم المستوى: 0
الأزهرى الساطع is on a distinguished road
افتراضي


أستاذنا الفاضل:إنه من المعلوم للكبير والصغير وللقاصي والداني وللعربي والعجمي من علماء هذه الأمة الفاضلة أن علم التصوف هو من أجَّلِ العلوم الإسلامية التي قامت عليه الشريعة الإسلامية ، ونحن عندما نقول علم التصوف فإننا نعني بهذه الكلمة التصوف الصحيح الذي بُنيت أُسُسَهُ وقواعده على الكتاب والسنة .

التصوف الذي بني على الزهد الذي هو من أصول الشريعة الغراء ، بل إن الزهد هو احد مصطلحات التصوف حتى أن الذين كتبوا في علم التصوف من الأوائل كتبوا باسم الزهد كأحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك ، وظاهرة الزهد والزهاد ظهرت في وقت مبكر من تاريخ هذه الأمة منذ عصرالصحابة الكرام كعبد الله بن رواحة وأبو ذر وأبو الدرداء وأبو هريرة الذين كانت لهم مدارسهم في الزهد الذي نشروه بين الناس وعلى رأسها مدرسة الزهد الكبرى مدرسة سيدناعلي بن أبي طالب ، فأخذه عنهم الحسن البصري , وعروة بن الزبير, وأويس القرني , وعبدالله بن المبارك ثم إبراهيم بن ادهم , والفضيل بن عياض , والجنيد البغدادي , وأبوبكر الشبلي , وسري السقطي , وذو النون المصري .

وهؤلاء هم الذين أسسوا علم التصوف فهو علم كبقية العلوم له أصوله وله أسسه وقواعده وهو نابع من الكتاب والسنة وأصحاب الصفة رضي الله عنهم ثم ازدادت في عصر التابعين وتابعيهم وكان ظهورهم نتيجة لتزايد انشغال الناس بالدنيا وترفها .

فكان ظهور هذه الفئة من العباد والزهاد تذكيراً للمجتمع وإيقاظاً له، خاصةً أن بوادر الترف في حياة المجتمع كانت قد بدأت تظهر فكان لظهور هؤلاء العباد ولأقوالهم وأحوالهم أثراً تحذيرياً للمجتمع من أن يقع فريسة الترف والغفلة وتذكيراً له بمهمته الأساسية من الذكر والعبادة ، وإعلاناً بأن هذه الدنيا لا قيمة لها، فهذا كان له أثر الإيقاظ للمجتمع وبوادرالترف تهجم عليه، ولذلك كانت أقوال هؤلاء العباد تدور حول هذه المعاني وحول محبة الله _عز وجل_ والانقطاع لـه وتقديم محبته والتعلق به على سائر العلائق، وكانوا يوصون مع ذلك بأن يرد كل ما يصدر عنهم إلى الكتاب والسنة .

هكذا كانت نشأة هذا العلم الجليل (علم التصوف) ولم يكن يعرف بالتصوف ولكن أطلقت هذه التسمية فيمابعد .

واسمع إلى قول ابن خلدون في مقدمته ص 329 : (وهذا العلم ـ يعني التصوف من العلوم الحادثة في الملة وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة , والانقطاع إلى الله تعالى , والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها , والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه , والإنفراد عن الخلق , والخلوة للعبادة , وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية) .

وأورد صاحب كشف الظنون في حديثه عن علم التصوف في الصفحة 414 كلاماً عن الإمام القشيري قال فيه : (اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَتَسمَّ أفاضلهم بتسمية علم سوى صحبة رسول الله عليه الصلاة والسلام , إذ لا أفضلية فوقها فقيل , لهم الصحابة ثم اختلف الناس وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين ـ الزهاد والعباد ثم ظهرت البدعة وحصل التداعي بين الفرق فكل فريق ادَّعوا أن فيهم زهاداً , فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله سبحانه وتعالى , الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف , واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المأتين من الهجرة ولو رجعت إلى رجال التصوف الأوائل الذين أسسوه كأمثال (الحسن البصري , وعروة بن الزبير, وأويس القرني , وعبد الله بن المبارك ثم إبراهيم بن ادهم , والفضيل بن عياض , والجنيد البغدادي , وأبو بكرالشبلي , وسري السقطي , وذو النون المصري وعبد القادر الجيلاني والمحاسبي) كانوا كلهم علماء عاملين دعاة إلى الله ساروا إلى الله بالكتاب والسنة ملتزمين بالسلوك المحمدي وبسيرة السلف العظام وكانوا دعاة إلى الله) .

فلذلك ظهرت أنوارهم وبقيت آثارهم فالتصوف حقيقة أن تتعلم العلم الشريف الذي هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة ثم يعمل بهذا العلم الذي تعلمه ثم يسعى لاكتساب الصدق والإخلاص وذلك يكون بالاستعانة بالله تعالى والعكوف على الذكر والعبادة لتصفية الروح وتزكية النفس وشفاء القلب السقيم فلا تصوف بدون علم ولا ينفع العلم بلا عمل ومن قال بغير هذا فهو ليس من التصوف في شيء .

فهذا هو إمام أهل السنة الإمام احمد بن حنبل رحمه الله يقول : (لولده عبد الله يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة ويقول عن الصوفية لا أعلم أقواماً أفضل منهم) . كتاب تنوير القلوب ص 405 وغذاء الألباب لشرح منظومة الآداب للسفاريني 1120 .

وهذا هو حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله يقول: (ولقدعلمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرهم أحسن السير وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق) . كتابه المنقذ من الضلال صفحة 49.

وهذا هو سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله يقول : ( قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تتهدم دنيا وأخرى وقعد غيرهم على الرسوم ) كتاب نور التحقيق للشيخ حامد صغر ص 96 .

وهذا هو الإمام الحجة شيخ الشافعية النووي رحمه الله وهو ثقة بإجماع الأمة يقول : ( أصول طريق التصوف خمسة : تقوى الله في السر والعلانية , إتباع السنة في الأقوال والأفعال , الأعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار , الرضا عن الله تعالى في القليل والكثير , الرجوع إلى الله في السراء والضراء ) كتاب مقاصد الإمام النووي والتوحيد والعبادات وأصول التصوف ص 20 .

وتحدث الإمام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى عن تمسك الصوفية بالكتاب والسنة فقال : ( فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض , وإبراهيم بن أدهم , وأبي سليمان الدارني , ومعروف الكرخي , والسري السقطي , والجنيد بن محمد , وغيرهم من المتقدمين , مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني, والشيخ حماد , والشيخ أبي البيان , وغيرهم من المتأخرين فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء أو مشى على الماء أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين , بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت . وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف , وهذا كثير من كلامهم ) . الجزء العاشر من مجموع فتاويه .

وهذا هو الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى يقول : ( إن كثيراً من الجُهَّال يعتقدون في الصوفية أنهم متساهلون في الإتباع والتزام ما لم يأت في الشرع التزامهمما يقولون به ويعملون وحاشاهم ( الصوفية ) من ذلك أن يعتقدوه أو يقولوا به فأول شئ بنوا عليه طريقهم إتباع السنة واجتناب ما خالفها) الإعتصام للشاطبي .



هذا هو علم التصوف وهكذا نشأ وهكذا كانت سيرة رجاله رضوان الله عليهم الذين التزموا بهذه القواعد والأسس الشريفة التي بني عليها هذا العلم الجليل وكانت ثمرة هذا الالتزام والتمسك الصحيح أن فتح الله عليهم واصطفاهم وأخلصهم لنفسه وأحبهم الله لزهدهم في الدنيا وأحبهم الناس لحب الله لهم ولزهدهم فيما أيدي الناس وذلك لحديث الرجل الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله دلني على عمل إذا فعلته أحبني الله وأحبني الناس ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : أزهد في الدنيا يحبك الله ، وأزهد فيما عند الناس يُحبك الناس رواه ابن ماجة عن سهل بن سعد الساعدي .

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء - قال - ثم يوضع له القبول في الأرض .
هكذا كانت حقيقة التصوف والتصوف هو علم شريف ومستمد من الشرع وقائم على الشرع ولا يخرج عن الشرع قيد أنملة وهكذا بقيت مسيرته وفي القرون المتأخرة بدأت مسيرة التصوف تتغير وذلك بسبب دخول الأدعياء في صفوف الصوفية الكرام والأدعياء هؤلاء هم الذين أرادوا أن ينالوا ما ناله رجال التصوف لكن دون تعب ودون بذل ودون مجاهدة وكانت نفوسهم أضعف من أن تفني في حب الله تعالى فلم يجدوا سبيلا لذلك إلا الدخول في التصوف فأخذوا بالقشور وتركوا اللب والأصل وسموا أنفسهم بالصوفية بل والبعض منهم تصدر للمشيخة واتبعه المريدين فهلك وأهلكهم .

ويتحقق فيهم قول الله تعالى(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَأَجْسَامُهُمْ) ( المنافقون : 4 ) ، ويتجلى في قول العالم الجليل الفاضل الإمام السيوطي رحمه الله تعالى : ( إن التصوف في نفسه علم شريف وإن مداره على أتباع السنة وترك البدع وعلمت أيضاً أنه قد كثر الدخيل فيه من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم فأدخلوا فيه ما ليس منه فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع ) . كتاب تأييد الحقيقة العلية للسيوطي ص 57.

فراحوا يحرفون في هذا العلم ويغيرون في قواعده ويدسون في كتب القوم ما يناسب أهوائهم وحتى يجدون ما يستدلون به على أفعالهم وسوء أحوالهم ويبررون مخالفاتهم للكتاب والسنة ، فوضعوا الدسائس في كتب القوم ومن أكثر الذين دس في كتبه من العلماء هو الإمام الشعراني رحمه الله الذي كرس علمه وكتبه لمحاربة هؤلاء الأدعياء ولما صار لهم عقبة وعليهم نقمة دسوا في كتبه وأدخلوا فيها ما خالف الشرع .

واسمع إلى قوله يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه لطائف المنن: (ومما منَّ الله تبارك وتعالى به عليّ صبري على الحسدة والأعداء لما دسوا في كتبي كلاما يخالف ظاهر الشريعة وذلك لما صنفت كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود وكتب عليها علماء المذاهب الأربعة بمصر وتسارع الناس لكتابته فكتبوا منه نحو أربعين نسخة غار من ذلك الحسدة فاحتالوا على بعض المغفلين من أصحابي واستعاروا منه نسخته وكتبوا لهم منها بعض كراريس ودسوا فيها عقائد زائفة ومسائل خارقة لإجماع المسلمين وحكايات وسخريات عن جحا وابن الرواندي وسبكوا في ذلك غضون الكتاب في مواضيع كثيرة حتى كأنهم المؤلف ثم اخذوا تلك الكراريس وأرسلوها إلى سوق الكتب في يوم السوق وهو مجمع طلبة العلم فنظروا في تلك الكراريس ورأوا اسمي عليها فاشتراها من لا يخشى الله تعالى ثم دار بها على علماء الجامع الأزهر فأوقع ذلك فتنة كبيرة ومكث النادي يدور ونفي المساجد والأسواق وبيوت الأمراء نحو سنة وانتصر لي الشيخ نصر الدين القاني وشيخ الإسلام الحنبلي والشيخ شهاب الدين بن الحلبي كل ذلك وأنا لا اشعر فأرسل لي شخص من المحبين بالجامع الأزهر واخبرني الخبر فأرسلت نسختي التي عليها خطوط لعلماء فنظروا فيها لم يجدوا فيها شيئا مما دس هؤلاء الحسدة ) لطاف المنن ج 2 ص 190 .

وكذلك ما دس في كتب الشيخ محي الدين العربي رضي الله عنه وقد ذكر العلامة ابن عابدين الفقيه الحنفي وصاحب أكبر موسوعة في الفقه الحنفي : (أن الراجح عنده بالنسبة لما ورد في كتب الشيخ محيي الدين بن عربي مما يخالف الشرع بأنه مفترى عليه ولذلك تجد نص عبارة صاحب الدر المختار ج 3ص 303 : ولكن الذي تيقنته أن بعض اليهود افتراها علي الشيخ قدس الله سره) .

بل إن ابن تيمية نفسه يعترف بالدس على السيدة رابعة العدوية حيث يقول: (وأما ما ذكر عن رابعة عن قولها عن البيت الحرام انه الصنم المعبود في الأرض كذب على رابعة المؤمنة التقية) ، وذلك في كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية ج 1ص 80 .

وهذه الفترة مابين القرن الخامس الهجري وحتى القرن العاشر تحرفت الكثير من علوم التصوف ودخلت فيه من العلوم الأخرى ما شوهته وأكثرت من أعداءه ولكن هيهات هيهات أن يستطيعوا أن يغيروا هذا العلم ففي كل زمن يهيئ الله لهذا العلم من يجدده ويذود عنه ويدافع عنه .


ونتيجة ظهور هؤلاء الأدعياء وتربع الكثير منهم على عروش التصوف وتصدرهم للمشيخة فتح أبواب العداء للتصوف فظهر من يحاربه ويحاول النيل منه متخذا من هؤلاء وسيلة للتحقيق غاياته ومن أسوء ما أدخلوه في هذا العلم هو بعض العلوم التي أخذت من الأمم الأخرى كعلوم السحر والشعوذة والزندقة والفلسفة المنحرفة فهم عندما عجزوا عن التحقق بما تحقق به السادة الصوفية الذين أظهر الله على أيديهم الخوارق والكرامات التي قويت ثقة الناس بهم وأيد الله بها مناهجهم فاتبعهم الناس .

ولكن الأدعياء محرومون من هذا فكان لابد من التشبه بأحوال الرجال فاستخدموا هذه العلوم والخزعبلات والخرافات والشعوذات من أجل إيهام أتباعهم بأنهم أولياء مقربون من الله أعاذنا الله منهم ولقد تبين أن التصوف هو علم جليل وعظيم ولكنه ابتلي في الآونة الأخيرة بثلة من المتصوفة الذين دخلوا فيه وهم ليسوا منه . كما ابتلي الإسلام بالمنافقين في أول ظهوره الذين أبطنوا الكفر واظهروا الإيمان .

وكما قيل لكل قاعدة شواذ . والعجب كل العجب أنَّ الكثير من أعداء التصوف راحوا يتكلمون عليه من خلال هؤلاء الأدعياء وهو منهم براء , وهذا ظلم عظيم .

وما مثل التصوف إلا كمثل باقي العلوم الأخرى , فقد دس في علم الحديث من ليس من أهله فدسوا الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك علم الكلام والعقيدة والسير والتاريخ والفقه وغيرها من العلوم . فكذلك التصوف ابتلي بالأدعياء كما ابتلي غيره لكن ميزان التصوف أصبح واضحاً وحقيقته مشرقة .

هذا هو حال التصوف بين رجاله الذين أسسوه وفق الكتاب والسنة وبين الأدعياء الذين يسعون لتشويهه لتلبية حاجاتهم وشهواتهم وملذاتهم غيرمبالين بغيرهم وبنتيجة أفعالهم .

__________________
قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا** وَانثُرعَلى سَمعِ الزَمانِ الجَوهَرا