أذية عباد الله و التطول عليهم
الكبيرة الرابعة و الخمسون : أذية عباد الله و التطول عليهم
قال الله تعالى : " و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً و إثماً مبينا " .
و قال الله تعالى : " و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " .
و " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله تعالى قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب " و في رواية : " فقد بارزني بالمحاربة أي أعلمته أني محارب له " . و في الحديث " أن أبا سفيان أتى على سلمان و صهيب و بلال في نفر فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : أتقولون هذا لشيخ قريش و سيدهم ؟ فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره ، فقال : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ، لقد أغضبت ربك . فأتاهم أبو بكر رضي الله عنه فقال : يا أخوتاه أغضبتكم ؟ قالوا : لا . يغفر الله لك يا أخي " . و قولهم مأخذها : أي لم تستوف حقها منه .
( فصل ) في قوله تعالى :
" و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه " . الآيات . و هذه الآيات في تفضيل الفقراء ، و سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه و سلم أول من آمن به الفقراء ، و كذلك كل نبي أرسل أول من آمن به الفقراء ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجلس مع فقراء أصحابه مثل سلمان و صهيب و بلال و عمار بن ياسر رضي الله عنهم ، فأراد المشركون أن يحتالوا عليه في طرد الفقراء لما سمعوا أن علامة الرسل أن يكون أول أتباعهم الفقراء ، فجاء بعض رؤساء المشركين فقالوا : يا محمد اطرد الفقراء عنك ، فإن نفوسنا تأنف أن تجالسهم ، فلو طردتهم عنك لآمن بك أشراف الناس و رؤساؤهم فأنزل الله تعالى : " و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه " .
فلما أيس المشركون من طردهم قالوا : يا محمد إن لم تطردهم فاجعل لنا يوماً و لهم يوماً فأنزل الله تعالى :
" و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه و لا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا " .
أي لا تتعداهم و لا تتجاوز بنظرك رغبة عنهم و طلباً لصحبة أبناء الدنيا .
" و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر " .
ثم ضرب لهم مثل الغني و الفقير بقوله " و اضرب لهم مثلاً رجلين " . " و اضرب لهم مثل الحياة الدنيا " . فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعظم الفقراء و يكرمهم .
و لما هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة هاجروا معه فكانوا في صفة المسجد مقيمين متبتلين فسموا أصحاب الصفة ، فكان ينتمي إليهم من يهاجر من الفقراء حتى كثروا رضي الله عنهم . هؤلاء شاهدوا ما أعد الله لأوليائه من الإحسان و عاينوه بنور الإيمان فلم يعلقوا قلوبهم بشيء من الأكوان بل قالوا : إياك نعبد و لك نخضع و نسجد و بك نهتدي و نسترشد ، و عليك نتوكل و نعتمد و بذكرك نتنعم و نفرح ، و في ميدان ودك نرتع و نسرح و لك نعمل و نكدح و عن بابك أبداً لا نبرح ، فحينئذ عمر لهم سبيله و خاطب فيهم رسوله فقال : " و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة " . الآية ، أي : و لا تطرد قوماً أمسوا على ذكر ربهم يتقلبون ، و إن أصبحوا فلبابه ينقلبون . لا تطرد قوماً المساجد مأواهم و الله مطلوبهم و مولاهم ، و الجوع طعامهم و السهر إذا نام الناس أدامهم ، و الفقر و الفاقة شعارهم ، و المسكنة و الحياء دثارهم . ربطوا خيل عزمهم على باب مولاهم ، و بسطوا وجوههم في محاريب نجواهم ، فالفقر عام و خاص ، فالعام الحاجة إلى الله تعالى و هذا وصف كل مخلوق مؤمن و كافر ، و هو معنى قوله تعالى " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله " الآية ، و الخاص وصف أولياء الله و أحبائه خلو اليدين من الدنيا و خلو القلب من التعلق بها ، اشتغالاً بالله عز و جل و شوقاً إليه ، و أنساً بالفراغ و الخلوة مع الله عز و جل .
اللهم أذقنا حلاوة مناجاتك ، و أن تسلك بنا طريق مرضاتك ، و اقطع عنا كل ما يبعدنا من حضرتك ، و يسر لنا ما يسرته لأهل محبتك ، و اغفر لنا و لوالدينا و للمسلمين .