هل لهذا العهد الصوفي توجيه شرعي، وتخريج يجعله منسجما مع أصول الشرع الشريف؟والجواب: نعم له تخريج شرعي من نصوص الكتاب والسنة: فأما القرآن، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:10]. قال صاحب تفسير [روح البيان]: «المبايعون ثلاثة: الرسل، والشيوخ الورثة، والسلاطين. والمبايع في هؤلاء الثلاثة على الحقيقة واحد وهو الله تعالى، وهؤلاء الثلاثة شهودُ الله تعالى على بيعة هؤلاء الأتباع، وعلى هؤلاء الثلاثة شروطٌ يجمعها القيام بأمر الله، وعلى الأتباع الذين بايعوهم شروط يجمعها المتابعة فيما أُمِروا به. فأما الرسل والشيوخ فلا يأمرون بمعصية أصلا، فإن الرسل معصومون من هذا، والشيوخ محفوظون. وأما السلاطين فمَن لَـحِق منهم بالشيوخ كان محفوظا ولا كان مخذولا، ومع هذا فلا يطاع في معصية، والبيعة لازمة حتى يلقوا الله تعالى». فبيعة الخلافة الإسلامية أو بيعة الحكام لها اشتراك معنوي ببيعة الشيخ والمربي من حيث إنه اشتُرط في كل منهما الاجتماع على القيام بأمر الله والبعد عن نواهيه، والمتابعة فيما أمروا به. وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء:34]، فالعهد المذكور عام شامل أنواع البيعة الثلاثة التي ذكرت آنفا، ومنها البيعة بين الشيخ المربي ومريديه. وتخصيص الآيات الواردة بصورة معينة للبيعة دون الأخرى- تخصيص بلا مخصص ومحض تحكم لاوجه له.
ومن السنة النبوية ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بَايِعُونِي عَلَى ألا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلا تَسْرِقُوا، وَلاتَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ فَهُوَ إِلَى اللهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَعَاقَبَهُ. فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك».
وعن يعلى بن شداد قال: حدثني أبي شداد رضي الله عنه وعبادة بن الصامت حاضِرٌ يُصَدِّقه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هَلْ فِيكُمْ غَرِيبٌ؟ - يعني من أهل الكتاب - فقلنا: لا يا رسول، فأمر بغلق الباب فقال: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ وَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فرفعنا أيدينا ساعة وقلنا: لا إله إلا الله، ثم وضَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدَه ثم قال: الحَمْدُ للهِ، الَّلهُمَّ بَعَثْتَنِي بِهَذِهِ الكَلِمَةِ، وَأَمَرْتَنِي بِهَا، وَوَعَدْتَنِي عَلَيهَا الجَنَّةَ، وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ المِيعَادَ. ثم قال: أَبْشِرُوا فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ».
وقد ذكر الشعراني أن في الحديث دليلا لما يفعله الشيوخ من تلقينهم للذكر لجماعة معا