العلم في ظل الحضارة الإسلامية
اطلع المسلمون في بداية حضارتهم على الثقافةاليونانية وعلى الكثير من الثقافات الأخرى. فقد كانوا على علم بالكثير من الأفكارالنظرية عند اليونانيين على سبيل المثال :
نظام مركزية الأرض Geocentric System (اعتبار الأرض مركز للكون) والتي تمثلت بالنظام البطليموسي، الذي طوره عالمالرياضيات والجغرافي والفلكي اليوناني بطليموس Ptolemy (القرن الثانيالميلادي).
نظام مركزية الشمس Heliocentric Systems الذي تبناه الفلكي أرستارخوس Aristarchus، نظام للكواكب تقع الشمس في مركزه (الشمس مركز الكون). لم تحظى هذهالفكرة على الرضا في تلك الأزمنة القديمة.
كان المسلمون أيضاً على علم بفكرةكروية الأرض وبأفكار أخرى غيرها. لكنهم لم يقحموا أي من هذه الأفكار في النصالديني، لقد كانوا يفهمون النص الديني فهماً صحيحاً، واعتبروا هذه الأفكار منالغيبيات، وأنه لا يمكن فحص هذه الأفكار والتأكد من صحتها في ذلك العصر (لم تكنهناك التكنولوجيا المتطورة لفحص صحة مثل هذه الأفكار بطريقة حاسمة). وبهذا يكونالعلماء المسلمون قد طبقوا أحد أسس النهج العلمي الحديث : "الفرضية التي لا تعرضنفسها للاختبار ليس لها أي قيمة معرفية". لذلك اهتم العلماء المسلمون بالمجالالتطبيقي للعلوم التي تعود بالنفع على الإنسانية. كالفلك للاستفادة منه في الملاحةالبحرية، الطب، الكيمياء، الرياضيات، والجغرافيا. لقد كان العلماء المسلمونتجريبيين وتطبيقيين بكل معنى الكلمة.
أبو الحسن بنالهيثم Abu al-Hassan ibn al Haytham (Alhazen) ((965-1038 :
نقض الحسن بن الهيثم الفكرة (النظرية) القائلة بأن الضوء ينطلق من العين، و أوضح أنالرؤية تحدث بانبعاث الضوء من الأجسام نفسها نتيجة لانعكاسه وانكساره عليها إلىالعين حيث يتم إدراك هذه الأجسام. وكتابه كنوز البصريات نشر لأول مرة إلى اللغةاللاتينية عام 1572 يناقش في الحسن العدسات بما فيها عدسة العين، والمرايا المستويةوالمنحنية، الألوان، ومبادئ الكاميرة (القمرة، الكاميرة ذات الثقب) ولد الحسن بنالهيثم في البصرة وانتقل إلى القاهرة، حيث شهد الفيضان السنوي لنهر النيل. أقنعالخليفة "الحكيم" بإرسال بعثة إلى الجنوب بغرض التحكم بمجرى نهر النيل وتزويدهبنظام للري. واجهت بعثة الحسن بن الهيثم الكثير من الصعوبات.
اهتم الحسن بنالهيثم بعد ذلك بدراسة الدين، قبل أن يتحول بشكل تام إلى دراسة الفيزياء في منتصفحياته. إن نهج الحسن بن الهيثم في الرياضيات والتجارب كان من المستوى الرفيع منالفيزياء الإسلامية. الحسن بن الهيثم كان الشخص الأول الذي عرف استخدام الكاميرةذات الثقب لدراسة الشمس خلال كسوفها. كما قام بالتوضيح بشكل دقيق الخداع البصريالذي يسببه كلاً من الشمس والقمر عندما يظهران أكبر حجماً قرب الأفق. واحد من أكثرأعماله المثيرة للاهتمام أن الغسق يبدأ عندما تكون الشمس عند الدرجة 19° تحت الأفق،كما أنه حاول قياس ارتفاع الغلاف الجوي من هذه المعلومات. حيث قدر سماكة الغلافالجوي بحوالي 90 km.
ودرس الحسن بن الهيثم حركة الأجسام المادية، وفرض شيئاًقريباً جداً ومشابهاً لقانون نيوتن الأول، الأجسام المادية تستمر بالحركة حتى تؤثربها قوة ما.
لقد أخذ البعض على الحضارة الإسلامية عدم ممارستها الفكرالنظري فالعرب المسلمون لم يكونوا أصحاب نظريات علمية. ولكنني أدرك الآن دقة عملالعلماء المسلمين، فبعملهم هذا وضعوا أسس لما سيعرف بالعلم التجريبي.
اليونانيونالقدامى تحذروا حول كل شيء أطلقوا أفكارهم النظرية في كل مجال ولكنهم كانوا أسرىعقيدة (فلسفة) خاطئة : "يمكن معرفة كل شيء بواسطة العقل الخالص". أما العلماءالمسلمين لم يفعلون ذلك لقد قاموا بالتقصي والبحث والتجريب وبذلك أسسوا منهجاًموضوعياً لبحثهم العلمي، لقد اعتمدوا الصدق كأساس بحثهم وتقصيهم عن حقيقة الأشياء. اليونانيون القدامى كانوا فلاسفة عظام ولم يكونوا علماء ناجحين. أما المسلمونفكانوا علماءً حقيقيين، ولكنهم لم يكونوا فلاسفة.
الثورة العلمية Scientific Revolution
الثورة العلمية اسمأطلقه المؤرخون المعاصرون. تقريباً، على الفترة التي بدأها نيقولاوس كوبرنيكوس (1473-1543) Nicolaus Copernicus بتطوير نظام مركزية الشمس للكون، ونهايةً بنظريةالجاذبية لإسحق نيوتن (1643-1727) Isaac Newton. خلال هذه الفترة كانت الأرض قدنزعت من عقول العلماء كمركز للكون وأصبحت تبدو مجرد أحد الكواكب. فبانتصار الطرائقالتجريبية والرياضية في ميادين العلوم الفيزيائية، تم اختراع فيزياء جديدة استطاعتاستيعاب واحتواء الأرض والكون العلوي.
ففي بدايات عصر النهضة Renaissance اهتم الباحثون والدارسون بالدرجة الأولى بترجمة وفهم النصوص اليونانية القديمة. فأخذوا يبحثون ويفتشون بغية إعادة بناء وتنظيم المعرفة التي كانوا يعتقدون بأناليونانيين القدامى قد امتلكوها ولكنها فقدت. فقد استخدم كوبرنيكوس وهو قس بولنديبعض النصوص المبهمة التي تشير إلى أن الإغريق كانوا يعتقدون أن الشمس هي مركزالكون. وأن كل الكواكب بما فيهم الأرض تدور حولها. والكتاب الذي أشار به كوبرنيكوسإلى هذه النظرية كان "في دورانات الكرات السماوية"، والذي نسج على منوال تركيبوبنية كتاب المجسطي Almagest لبطلميوس Ptolemy وهو كتاب قدمه بطلميوس في القرنالثاني الميلادي، يحتوي على الكثير من النصوص القديمة التي تشير إلى أن الأرض هيمركز الكون. وبمعزل عن نظرية كوبرنيكوس التي تشير إلى دوران الأرض حول الشمس، فقدكان كوبرنيكوس من الشكل المحافظ يعتقد بأن الحركة الكوكبية من الممكن تفسيرها كمافسرها اليونانيون القدامى من تراكب معقد من الحركات الدائرية.
وفي السنواتالتالية أخذت تجري نقاشات هامة حول طبيعة الكون. لقد حفز مثل هذه النقاشات بعضالظواهر الفلكية كانفجار النوفا nova (النجم الجديد) عام 1572 والمذنب العظيم الذيظهر عام 1577. لقد وفرت هذه الظواهر الدليل ضد أفكار المذهب الأرسطووي Aristotelian الذي يقر بتناسق السماء وخلوها من الأخطاء. ولتؤكد بأن مثل هذه الحوادث السماويةكانت قد تحدث. فقد قام النبيل الدنمركي تيخو براهة (1546-1601) بإجراء أول قياساتمنظمة منذ العصور القديمة لمواضع النجوم والكواكب. واقترح براهة أيضاً نظرية للكون،فهو لم يقبل نظرية كوبرنيكوس كلها فقد اعتمد حلاً وسطاً فقد دمج بين نظام كوبرنيكوسونظام بطلميوس. ففي نظام براهة بقيت الأرض ثابتة في مركز الكون والكواكب الخمسةالمعروفة تدور حول الشمس، حيث هذه الشمس وهذه الكواكب تدور حول الأرض كل سنة، وتدوركرة النجوم حول الأرض دورة واحدة كل يوم. إلى أن التوفيق بين نظام مركزية الأرض Geocentric System ونظام مركزية الشمس Heliocentric Systems لم يحظى بدعمكبير.
وباستخدام بيانات وقياسات براهة استطاع جوهانس كبلر (1571-1630) Johannes Kepler أن يوضح بأن مدارات الكواكب قطوع ناقصة كما أنه كان قادراً لإيجادالعلاقة بين بعد الكوكب عن الشمس وسرعته. لم يستغني كبلر عن نظرية مركزية الأرضوحسب، فبأفكاره أيضاً التي تتعلق بالحركة الكوكبية تم الحد من ضم الحركات الدائريةالتي كانت تستخدم لتفسير حركة الكواكب. تقريباً، وبنفس الوقت استخدم الفلكيالإيطالي غاليليو غاليلي (1564-1642) Galileo Galilei التلسكوب لدراسة السماء،استطاع توفير دليل رصدي راسخ عن نظام مركزية الشمس. كما أنه طور نظرية في الميكانيككانت مضادة بكل معنى الكلمة للأفكار الأرسطووية. لقد أجبرت الكنيسة الكاثوليكيةالرومانية غاليليو على التخلي عن عقيدة مركزية الشمس كنظرية فيزيائية. إن الصراعبين تعاليم الكنيسة و النظرية العلمية كان أحد المظاهر التي أدت إلى الإرباكوالتشويش، أثر ذلك بجميع المثقفين الأوروبيين، عندما خسرت الأرض مكانتها المقدسة فيمركز الكون.
وعند نهاية القرن السابع عشر ظهر الكثير من الأعمال العلميةالمتقدمة والتي كان من أبرزها أعمال أسحق نيوتن Isaac Newton في إنكلترا. فسر نيوتنقوانين كبلر في الحركة الكوكبية والكثير من الظواهر الفلكية بواسطة قانونه فيالجاذبية. وهكذا وفر نيوتن وبشكل نهائي تفسيراً فيزيائياً ناجحاً لحركة الكواكب. وبمكانيك نيوتن الذي كان بالإمكان تطبيقه على جميع الجزيئات المادية في الكون، أنهىبذلك الاختلاف الأرسطووي بين الظواهر الأرضية والسماوية.
يدرك الكثير منالمفكرين أن الثورة العلمية مازالت في طور الإنجاز -مصطلح "الثورة العلمية Scientific Revolution" لم يظهر إلا في وقت متأخر- فمن الخطأ الاعتقاد بأن بناءالعلم قد تم إنجازه بشكل تام.
__________________
اطلبوا العلم، فإن عجزتم فأحبوا أهله، فإن لم تحبوهم فلاتبغضوهم هيا بنا نتعلم الديمقراطية <!-- Facebook Badge START --><!-- Facebook Badge END -->
|