زحام الريكشا والتمبو في شوارع بنجلاديش ما إن تفتح إشارات المرور في شوارع بنجلاديش حتى تنطلق "الريكشا" و"التمبو"؛ تلك العربات الغريبة والمحورة لتمرق على جنبات الطرق بسرعة وقودها الحماس لكسب الرزق وقضاء المصالح. كانت تلك العربات من أكثر ما لفت انتباهي خلال فترة إقامتي في بنجلاديش ربيع عام 1997 للتدرب في بنك جرامين.
وخلال تلك الفترة التي قاربت الشهر لم يكن من الصعب تبين الحالة المتردية التي تعاني منها الطرق الريفية هناك؛ سواء تلك التي تربطها بعواصم الأقاليم، أو تلك التي تجري داخل القرى؛ الأمر الذي جعل من بعض مراحل عملية التنقل أمرا بالغ الصعوبة، خاصة في ظل تربة تتراوح ما بين قيعان ملؤها الماء وأراض منزرعة. ومنذ ذلك الحين ومشكلات النقل التي تعاني منها المجتمعات الفقيرة وبخاصة في ريف وعشوائيات البلدان النامية تشغل بالي، حتى عثرت على مغارة علي بابا حول تلك القضية على شبكة الإنترنت؛ فتعالوا نتعرف على ملامحها سويا. احتياج إنساني أساسي
تعتبر عمليات النقل والتنقل من الاحتياجات الأساسية للإنسان التي لا يستغني عنها مهما تدنت أو ارتفعت مستويات معيشته. وفي المجتمعات الريفية في العالم النامي -التي تحتوي على القسم الأكبر من فقراء العالم- غالبا ما تنقسم أنشطة النقل والتنقل إلى نوعين كبيرين:
* في نطاق القرية: وتهدف بشكل أساسي لتوفير الاحتياجات المعيشية الأساسية، مثل الحصول على الماء والحطب ونقل احتياجات الزراعة من بذور وأسمدة وغيرها.
* خارج نطاق القرية: ويهدف بالأساس إلى الوصول للأسواق والخدمات الصحية والتعليمية الرسمية التي تقع غالبا في كثير من بلدان العالم الفقير خارج نطاق القرى الصغيرة.
وغالبا ما تتوجه السياسات الحكومية لإنفاق بلايين الدولارات على إنشاء وصيانة المطارات والمواني والطرق السريعة، وهو أمر في غاية الأهمية لتحقيق التنمية على المستوى العام، لكن المشكلة أن هذه السياسات وتلك الإنفاقات غالبا ما تقصر عن تلبية احتياجات النقل للمجتمعات الفقيرة سواء الريفية أو الحضرية، بإصلاح الطرق وإنارتها، أو توفير الكباري ووسائل النقل الجماعي المناسبة للنقل البري أو المائي، ناهيك عن القيام بالأبحاث المناسبة لتطوير وسائل النقل والتنقل البسيطة، ومن ثم إيجاد وسائل نقل وسيطة؛ وهو ما تقصر عنه أيضا الإمكانات والمهارات المحلية في تلك المجتمعات.
وفي المقابل فإن الفقراء في كثير من الأحيان يعجزون عن امتلاك وسائل نقل خاصة بهم تساعدهم في توفير الوقت والجهد لأنشطتهم الإنتاجية، وحتى إذا توافرت تلك الوسائل فإنها في الأغلب الأعم تنحصر في استخدامها في الرجال، ومن ثم يظل الأطفال والنساء في تلك المجتمعات يتحملون أعباء إضافية في تلك الأنشطة، في وقت تحتاج فيه الأسر الفقيرة لتضافر جهود أفرادها جميعا في أنشطة إنتاجية تضمن توفير الاحتياجات الأساسية من المأكل والمشرب على الأقل. ومن ثم فقد انصرفت جهود "مجموعة تنمية التكنولوجيا الوسيطة" التي أسسها إرنست شوماخر عام 1965 لمعاونة بعض المجتمعات الفقيرة إلى القيام بأبحاث تطوير نقل الفقراء في بعض بلدان آسيا وأفريقيا. وموقع المجموعة على الإنترنت هو البوابة التي يمكن للراغب أن يدلف منه إلى مغارة علي بابا تلك. تكنولوجيا وسيطة.. لاحتياجات بسيطة
دراجة مرفق بها حاوية لنقل البضائع عند دخولنا إلى عالم "المجموعة" نكتشف أنها تعمل من خلال إستراتيجية متعددة المحاور:
أولا: تطوير وسائل نقل وسيطة Intermediate Means of Transport (IMTs): وهي وسائل النقل التي تجيء ما بين المشي ووسائل النقل التي تعمل بالمحركات، والتي تساعد الناس على نقل حمولاتهم أو استخدام الحيوانات في ذلك بشكل أكفأ لذلك الغرض. ومن ثم تقوم المجموعة بعدد من الأبحاث التطبيقية التي تمزج بين البحث التكنولوجي والبحث الاجتماعي/الاقتصادي لتعديل وسائل النقل المتاحة كالتالي:
- الدراجات (إما بإضافة مقطورات لها، أو تمديدها وإضافة حاويات لتحميل بضائع وغيرها).
- العربات التي تجرها الحيوانات (تعديل مواصفاتها الميكانيكية لزيادة قدرات الجر والتحميل).
- عربات الجر أو الدفع اليدوية.
- الموتوسيكلات: تزويدها بمقطورات أو امتدادات تسمح بنقل البشر والبضائع.
- النقل المائي الداخلي.
ثانيا: البنية التحتية للنقل: ويعني بناء الطرق والمماشي وكباري المشاة باستخدام التكنولوجيات التي تعتمد بشكل أساسي على العمل اليدوي، وذلك بالاعتماد على مشاركة أفراد المجتمع بمجهودهم البدني وخبراتهم ومهاراتهم مع بعض التوجيه؛ مما يحقق هدفين:
- إحساس المجتمع بملكيته لتلك البنى؛ فيكون أحرص على الحفاظ عليها وصيانتها.
- مساعدة السلطات المحلية على إيجاد حلول لمشكلة عدم توافر الموارد المالية لتمهيد الطرق ومد الكباري في المناطق الفقيرة الريفية والحضرية.
* التأكيد على عامل الاستمرارية لتدخلاتها التكنولوجية، وذلك ببناء القدرات التقنية والتنظيمية للمجتمعات مع الاعتماد على الصناع والحرفيين المحليين لتنفيذ تطويرات منخفضة التكاليف (يمكن أن يتحملها الفقراء) في وسائل النقل، وبناء أنظمة للإقراض المحلي للفقراء، بتعاون الجمعيات الأهلية والسلطات المحلية.
جبهة لمناصرة "نقل الفقراء"
لم تكتفِ المجموعة بمجرد العمل في عدد من الدول لإدخال تحسينات على نقل الفقراء بها، بل إنها سعت بالتعاون مع منظمة العمل الدولية لتأسيس "المنتدى العالمي للنقل الريفي والتنمية"، وهو شبكة عالمية للشعوب والمنظمات تهدف إلى التأثير على الحكومات من أجل تغيير سياساتها بما يحقق تنمية النقل الريفي، وذلك من خلال تكوين شبكات على المستوى القومي في عدد من البلدان الأفريقية والآسيوية تقوم بالضغط على حكوماتها في هذا الإطار. موارد معلوماتية لا ساحل لها!
تمهيد الطرق الترابية في ****انكا من أكثر الأمور إثارة في مغارة علي بابا ذلك الجزء الخاص بمصادر المعلومات المتوافرة؛ من نشرات وأبحاث، ودراسات حالة وكتب، ومراكز معلومات، تتناول كلها جميع الجوانب التكنولوجية والاجتماعية/الاقتصادية الخاصة بالموضوع.
- فهناك نشرة "المنتدى" Forum التي يصدرها المنتدى العالمي للنقل الريفي منذ عام 1996، وتصدر بالإنجليزية والفرنسية والأسبانية، ومتاح منها على الإنترنت من العدد الرابع إلى العدد الحادي عشر الصادر في يناير 2004، وتتناول أعداد النشرة موضوعات مثل: النقل المائي، النقل في حالات الكوارث وفي المناطق الجبلية، والنقل المعتمد على الحيوانات، وصيانة وتمويل النقل الريفي... وغيرها من الموضوعات.
- وهناك الكتب التي تنشرها مجموعة تنمية التكنولوجيا الوسيطة حول قضايا النقل. وتتناول موضوعات مثل: تصميم وإنتاج واختبار وسائل النقل التي تجرها الحيوانات، الطرق الترابية، إنشاء الطرق باستخدام العمل اليدوي، وسائل منخفضة التكاليف لنقل الأحمال، القوارب الريفية في بنجلاديش، وغيرها من الكتب.
- مركز معلومات النقل: وهي مجموعة استشارية تضم مجموعة من الأفراد والمؤسسات ذوي الخبرة في كافة الموضوعات المتعلقة بنقل الفقراء على مستوى العالم، ويقدم المركز المشورة والنصيحة، ويرد على الاستفسارات المتعلقة بتلك القضايا. وقد شاركت المجموعة والمنتدى وغيرها من المؤسسات في تأسيس هذا المركز ليكون مرجعية في قضايا نقل الفقراء. سؤال ملح بلا إجابة
والسؤال الملح الذي لا أجد له إجابة الآن: أين نحن من عالم تكنولوجيا الفقراء هذا؟ هل يمكن للسادة المهندسين الميكانيكيين في أمتنا أن ينزلوا من عليائهم الهندسي ولو لبعض الوقت ليتدارسوا سويا الأدبيات البحثية المنشورة في هذا الصدد، وأن يعودوا إلى مجتمعاتهم ليدرسوا مشاكل النقل لدى قطاعاتها الفقيرة، وليضعوا لها حلولا من عندياتهم ترفع من مستوى التكنولوجيات المستخدمة فيها إلى مستوى وسيط يتلاءم واحتياجات الناس وقدراتهم، ويرفع من واقع التكنولوجيا درجة واحدة إلى أعلى، أم أننا لا نريد -أو لا نستطيع- تحمل مشاق بناء قدراتنا التكنولوجية حتى ولو كانت تكنولوجيا الدراجات وعربات الحمير؟!