المسألة الثالثة:هل قوله - صلى الله عليه وسلم - : (كل بدعة ضلالة) على عمومه أم لا؟!
مما أثاره مصطفى حسني مسألة (مش كل بدعة ضلالة) وحاول اثبات ذلك ببعض الأدلة والآثار ليوهم أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يحدثون دون إذن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يشبه البدع لاثبات وجود البدع الحسنة واثبات أن (كل بدعة ضلالة) ليست على اطلاقها ،ومما استدل به :
1-عن رفاعة بن رافع الزرقي قال:كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءه :ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال من المتكلم ،قال :أنا، قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول (أخرجه البخاري)
وهو يستدل بأن الصحابي قال قولاً تركه النبي صلى الله عليه وسلم (في الصلاة مش براها) ثم أقره عليه الرسول ليثبت أن الصحابة يرون إحداث بعض التعبدات من عندهم دون إذن الرسول وهي دعوى عريضة لن يجد عليها دليلاً ، فقول الصحابي داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا كبر الإمام فكبروا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد)) متفق عليه ،
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قال (سمع الله لمن حمده) قال (ربنا ولك الحمد) ، فدعوى الإحداث لا تسلم ولكن الصحابي زاد في صيغة الحمد ثم اقره الرسول صلى الله عليه وسلم أما أصل الحمد في الرفع من الركوع فلم يحدثه الصحابي ،فلا دليل له على ما أراد..
2-ومما استدل به صلاة ركعتين بعد الوضوء وحديث بلال رضي الله عنه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر: ((يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة ، قال: ما عملت عملا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي )) ، قال أبو عبد الله (أي البخاري): دف نعليك يعني تحريك. (متفق عليه) ،ويزعم أن بلال أحدث هاتين الركعتين ، مع أنه ثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال
ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة) ،فأصل الصلاة بعد الوضوء ثابت في الشرع وليس إحداثاً تحت أصل الصلاة بل هو اجتهاد فيما ثبت الحث عليه في السنة...
3-ومما استدل به حديث أبي سعيد الخدري قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فنزلنا بقوم فسألناهم القرى فلم يقرونا (أي يضيفونا)فلدغ سيدهم فأتونا فقالوا :هل فيكم من يرقي من العقرب ،قلت: نعم أنا ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما ،قال: فأنا أعطيكم ثلاثين شاة ،فقبلنا فقرأت عليه الحمد لله سبع مرات فبرأ وقبضنا الغنم قال فعرض في أنفسنا منها شيء ،فقلنا: لا تعجلوا حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما قدمنا عليه ذكرت له الذي صنعت قال وما علمت أنها رقية اقبضوا الغنم واضربوا لي معكم بسهم ، وهويستدل به أن الصحابي أحدث موضوع الرقية بالفاتحة ، في حين أن أصل العلاج بالرقية وارد في الشرع ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله يقول: لدغت رجلا منا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله أرقي ،قال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه قال :جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة ،قال:" أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك"،وأصل أن القرآن شفاء ثابت في قوله تعالى :{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}..
بل الحديث دليلُ عليه وليس له لأن الصحابي لما طلب عوضاً لبخل القوم معهم توقف الصحابة حتى يأتوا الرسول فيسألوه وفيه دليل على أن الصحابة كانوا يرون عدم الإحداث من تلقاء أنفسهم ...
4- وما استدل به آثار عن أبي هريرة في الاستغفار بمقدار معين كل ليلة ،وهو ما يستدل به الصوفيه على الأوراد المبتدعة ولو راجع تعريف البدعة عند الشاطبي (كما نصحه الشيخ إبي إسحاق) لعلم أن شرط البدعة أن تكون (بقصد التقرب) ولذلك أخرجوا منها قصد التنظيم وهو ما لا يتوفر في أوراد الصوفية التي تنص على التقرب بأعداد وأذكار ليس عليها نص ،ولقد أفتى ابن عثيمين – رحمه الله – بأن الموظف الذي لا يقدر بسبب ظروف عمله على الصيام إلا يوم الجمعة له أن يصومه وأن ينتظم في صومه لأنه لا يقصد التقرب بصيامه ولم يقصد مخالفة النهي ،ولشيخ الإسلام كلام قريب من هذا في مسائل أخرى والشاهد أن استدلاله في غير موضعه ،بل إن في أثر أبي هريرة نصه أن هذا العدد يخصه وهو احتراز من أن يظنه الناس سنة ،فهو داخل في ترتيب المرء لنفسه وليس بنية التقرب
فمجموع الأدلة التي استدل بها لا تُثبت ما أراده من كون الصحابة كانوا يُحدثون في الدين عبادات لا دليل عليها دون إذن الرسول صلى الله عليه وسلم ،وبذلك يبقى قوله صلى الله عليه وسلم ( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) على اطلاقه
ومما يُثبت تقرير كون كل بدعة ضلالة ما ذكره صاحب كتاب (حقيقة البدعة) من أن :
-عموم الأدلة في ذم البدعة وجميعها جاءت مطلقة (كل) دون استثناء والأصل يقول أن القاعدة الكلية أو الأصل الكلي إذا لم يقترن بتقييد أو تخصيص يبقى على عمومهيقول ابن تيمية : ( ..إن المحافظة على عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " كل بدعة ضلالة " متعين وإنه يجب العمل بعمومه ) .... يبقى يا أخ مصطفى مين اللي مش عارف كلام ابن تيمية .. ومين اللي يروح يشوف الأول ابن تيمية قال ايه في البدعة قبل ما يتكلم ...مش عيب تجيب كلام ابن تيمية في السبحة علشان تستدل به أن مش كل بدعة ضلاله مع أن كلامه غير كده...أعتقد أن ده مسلك مش أخلاقي...
- إجماع السلف على ذم البدع وعموم ما ورد منهم في ذم البدعة وما نقل على خلاف ذلك كقول عمر(نعمت البدعة هي) محمول على المعنى اللغوي (راجع المسألة الأولى) ، ومن ذلك قول معاذ بن جبل يوما : إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر فيوشك قائل أن يقول ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة ..
بل إن عمر بن عبد العزيز كتب رجل إليه يسأله عن القدر فكتب: ( أما بعد أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته وكفوا مؤنته فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها ولم يقل ابن كثير من قد علم من الخطإ والزلل والحمق والتعمق فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا وهم على كشف الأمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا فيه أولى فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم فإنهم هم السابقون فقد تكلموا فيه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم من مقصر وما فوقهم من محسر وقد قصر قوم دونهم فجفوا وطمح عنهم أقوام فغلوا وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم.)
- قوله صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة) من صيغ العموم والأصوليين (الذي طلب منا صاحب الحلقة الرجوع إليهم) يعرفون العام بأنه (اللفظ المستغرق لكل ما يصلح له دفعة واحدة )
فدلالة العموم كلية وليست مجملة
ومطلقة تشمل الأزمان والبقاع والأحوال ،
وهي قطعية إذا انتفت القرائن المخصصة...
بل إن الأصوليين يقررون أن اللفظ العام يجب اعتقاد عمومه في الحال والعمل به مياشرة من غير توقف لأن اللفظ للعموم فيجب العمل بمقتضاه ،
ولأن الدليل نزل للإعمال لا للإهمال فقوله صلى الله عليه وسلم ( كل بدعة ضلالة ) دلالته كليه ويدخل تحته كل بدعة
- ولفظ (كل) كما ذكر السبكي من ألفظ العموم الصريحة وهو يحيط بكل الجزئيات المندرجة تحته ومستغرق لها ،وما ود عن الصحابة من ألفاظ أو آثار يتعلق بها لا تخصص هذا الإطلاق لأنها أما تدخل تحت المعنى اللغوي وإما أنها من باب الإجتهاد فيما عليه أصل (دليل) في الشرع..
والله أعلى وأعلم