عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 07-08-2010, 06:11 AM
أهل السنة أهل السنة غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 484
معدل تقييم المستوى: 15
أهل السنة has a spectacular aura about
افتراضي

المسألة الخامسة : هل اختلاف أهل البدع يدخل في مقولة (اختلافهم رحمة )؟!


مما أكثر من ذكره مصطفى حسني في الحلقتين كون الاختلاف رحمة وليس عذاب ، وعدم جواز الانكار في مسائل الخلاف ، وهنا نوضح - إن شاء الله - أن اختلاف أهل البدعة ليس داخلاً في تمام الرحمة ، مع ضبط مسألة الانكار على المخالف وتصحيح المفهوم المرتبط بها....


يقول تعالى :{وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ .إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } [هود: 118- 119]

فذكر سبحانه قسمان : أهل الاختلاف وأهل الرحمة:

- ذهب بعض أهل العلم أن أهل الاختلاف المجوس والنصارى واليهود ،وذهب البعض إلى أن المقصود أهل الباطل ،و(ذهب جماعة من المفسرين إلى أن المراد بالمختلفين في الآية أهل البدع ، وأن من رحم ربك أهل السنة .....) ([1]) ،
وعن عكرمة " ولا يزالون مختلفين " يعني في الأهواء "إلا من رحم ربك " هم أهل السنة .

- ويكثر في كلام أهل العلم تنزيل بعض آيات الوعيد - كهذه الآية - على المبتدعة (وهذا كله من إعطاء بعض أحكام المعنى الذي فيه حكم شرعي أو وعيد لمعنى آخر فيه وصف من نوع المعنى ذي الحكم الثابت . وهذا يرجع إلى أنواع من الشبه في مسالك العلة للقياس فإن الأشياء متفاوتة في الشبه) ([2]) ،ومستندهم في ذلك ما ورد في السنة من أحادبث ذمت أهل البدع وذكرت أوصافهم

- وجعل الله أهل الاختلاف قسيم لأهل الرحمة لكون اختلافهم عذاب وليس رحمة ،يقول الشاطبي : (وبين هذين الطريقين واسطة أدنى من الرتبة الأولى وأعلى من الرتبة الثانية ، وهي أن يقع الاتفاق في أصل الدين ، ويقع الاختلاف في بعض قواعده الكلية ، وهو المؤدي إلى التفرق شيعاً . فيمكن أن تكون الآية تنتظم هذا القسم من الاختلاف ، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم : "أن أمته تفترق على بضع و سبعين فرقة "، وأخبر : "أن هذه الأمة تتبع سنن من كان قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع "، وشمل ذلك الاختلاف الواقع في الأمم قبلنا ، ويرشحه وصف أهل البدع بالضلالة وإيعادهم بالنار ، وذلك بعيد من تمام الرحمة.......)

- فأهل الرحمة هم أهل الاجتماع على آثار الأنبياء ،كما قال ابن تيمية : (ولست تجد اتفاقا وائتلافا إلا بسبب اتباع آثار الأنبياء من القرآن والحديث وما يتبع ذلك ولا تجد افتراقا واختلافا إلا عند من ترك ذلك وقدم غيره عليه قال تعالى :{ولا يزالون مختلفين} {إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } فأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون وأهل الرحمة هم أتباع الأنبياء قولا وفعلا وهم أهل القرآن والحديث من هذه الأمة فمن خالفهم في شيء فاته من الرحمة بقدر ذلك)

- فإذا حصل الاختلاف بين أهل الرحمة كان ذلك رحمة ، يقول الشاطبي : (... ثم إن هؤلاء المتفقين قد يعرض لهم الاختلاف بحسب القصد الثاني لا القصد الأول ، فإن الله حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار ومجالاً للظنون ، وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة ، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف ، لكن في الفروع دون الأصول وفي الجزئيات دون الكليات ، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف .
وقد نقل المفسرون عن الحسن في هذه الآية أنه قال : أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافاً يضرهم . يعني لأنه في مسائل الاجتهاد التي لا نص فيها بقطع العذر ، بل لهم فيه أعظم العذر ، ومع أن الشارع لما علم أن هذا النوع من الاختلاف واقع ، أتى فيه بأصل يرجع إليه ، وهو قول الله تعالى : "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" الآية ، فكل اختلاف من هذا القبيل حكم الله فيه أن يرد إلى الله ، وذلك رده إلى كتابه ، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذلك رده إليه إذا كان حياً وإلى سنته بعد موته ، وكذلك فعل العلماء رضي الله عنهم )

- فأهل الرحمة يختلفون اختلافاً ليس داخلاً تحت قوله تعالى : {ولا يزالون مختلفين} من أوجه : أن الله وصف القسم الآخر أن الاختلاف لازم لهم ،وأهل الرحمة مبرأون من ذلك ،ولأن الخلاف في مسائل الاجتهاد واقع ممن حصل لهم محض الرحمة وهم الصحابة فكان اختلافهم رحمة وسعة...

- ويجدر هنا إيراد تنبيهين يخصان الخلاف في المسائل الفقهية:

التنبيه الأول : في حقيقة المراد بالمسائل الاجتهادية وعدم الخلط بينها وبين المسائل الخلافية :

فالمسائل الاجتهادية كل أمر لم يرد فيه دليل قاطع [أي نص صحيح أو إجماع صريح] ،ويعرفها الشاطبي بقوله : ( محال الاجتهاد المعتبر هي ما ترددت بين طرفين وضح في كل منهما قصد الشارع في الإثبات في أحدهما والنفي في الآخر فلم تنصرف البتة إلى طرف النفي ولا إلى طرف الإثبات ) ([3]) . ويذكر من أمثلتها : زكاة الحلى ، فقد أجمع أهل العلم على عدم الزكاة في العروض ، وعلى وجوب الزكاة في النقدين لكونهما معدين للتعامل والثمنية بخلقتهما فصار الحلي المباح دائرا بين الطرفين لأنه أخذ وصفا واحدا من النقدين ، وهو كونه من الذهب والفضة ، وباستعماله للزينة لا للثمنية فقد الوصف الآخر ، وشارك العروض في عدم قصده بالثمنية فجاء فيه الخلاف . كما ذكر من أمثلتها قبول رواية مجهول الحال وشهادته لأنهم قد اتفقوا على قبول رواية العدل وشهادته ، وعلى عدم قبول ذلك من الفاسق وصار مجهول الحال دائرا بينهما فوقع الخلاف فيه .. ) ([4]) .

أما المسائل الخلافية فهي أعم من ذلك فهي تشمل كل ما وقع فيه الخلاف ، وإن كان الخلاف ضعيفا أو شاذا أو مما اعتبر من زلات العلماء ولهذا فإن كل ما كان من مسائل الاجتهاد فهو من مسائل الخلاف وليس العكس .

ومن أجل هذا استثنى العلماء من عدم الإنكار على المخالف في المسائل الخلافية ما ضعف فيه الخلاف وكان شاذا ، أو اعتبر من زلات العلماء([5]) . فخلاف ابن عباس رضي الله عنه في ربا الفضل ونكاح المتعة لا يجعل هذين الأمرين من مسائل الاجتهاد لضعف مأخذه من ناحية ولما ثبت عنه من رجوعه إلى رأي الجماعة من ناحية أخرى ....

هذا وليس في خروج المسألة عن مجاري الاجتهاد طعن على من خالف فيها من المجتهدين ، لأن المعتمد عند أهل السنة أن زلات أهل العلم كما لا يعتد بها ولا يعول عليها في الخلاف لا يشنع بها على أصحابها وإنما هي مغمورة في بحر جهادهم وفضلهم غفر الله لهم أجمعين ، وحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الناس لرب العالمين . يقول الشاطبي : ( إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليدا له ، وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ولذلك عدت زلة ، وإلا فلو كانت معتدا بها لم يجعل لها هذه الرتبة ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها ، كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير ، ولا أن يشنع عليه بها ، ولا ينتقص من أجلها ، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا ، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين ) ([6]) .

التنبيه الثاني : مفهوم قولنا ( لا إنكار في مسائل الاجتهاد ) :

فصَّل شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقله عن ابن مفلح في الآداب الشرعية حيث قال : ( وقولهم : ومسائل الخلاف لا إنكار فيها ، ليس بصحيح ، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو بالعمل .

أما الأول : فإن كان القول يخالف سنة أو إجماعا قديما ، وجب إنكاره وفاقا وإن لم يكن كذلك ، فإنه ينكر – بمعنى بيان ضعفه – عند من يقول : المصيب واحدا ، وهم عامة السلف والفقهاء .

وأما العمل : إذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضا بحسب بدرجات الإنكار .

ثم قال : وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع ، وللاجتهاد فيها مساغ ، فلا ينكر على من عمل به مجتهدا أو مقلدا .
ثم قال مشيرا إلى الاختلاف واللبس الواقع في هذه المسألة ما نصه :

وإنما دخل اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس .
والصواب الذي عليه الأئمة : إن مسائل الاجتهاد – ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا : مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه – فيسوغ إذا عدم ذلك الاجتهاد فيها لتعارض الأدلة المقاربة ، أو لخفاء الأدلة فيها([7])

ومما سبق يتبين :

1-أن أهل البدعة من الداخلين في قوله تعالى (ولا يزالون مختلفين ) ،وهم بذلك بعيدين عن تمام الرحمة ..

2- أن الاختلاف الذي يوصف بأنه رحمة هو الدائر بين أهل الرحمة وهم أهل السنة والجماعة..

3- ليس كل مسألة خلافية يكون خلافها سائغ ...

4- تبيين الحق بالدليل ليس داخلاً في الانكار الذي ذمه العلماء ..



ملحوظة : استفدت في تخريج وتجميع الأقوال في هذه المسألة والمسألة السابقة من كتب : الاعتصام للشاطبي ، مجموع فتاوى شيخ الاسلام ، (مدخل إلى ترشيد العمل الإسلامي ) للدكتور صلاح الصاوي ، ( موقف ابن تيمية من الأشاعرة ) للدكتور عبد الرحمن المحمود ، (أهل السنة والجماعة ) محمد عبد الهادي المصري ،الرد الفصيح على المدعو علي صبيح لدكتور عطية عدلان


([1]) الاعتصام للشاطبي .
([2]) التحرير والتنوير لابن عاشور .
([3]) الموافقات للشاطبي : 4/155.
([4]) راجع الموافقات للشاطبي : 4/155-160.
([5]) راجع كلام ابن رجب السابق ، وكلام السيوطي في الأشباه والنظائر وقد سبق أيضا .
([6]) الموافقات للشاطبي : 4/171 / 172.
([7]) نقلا عن الاختلافات الفقهية : د/ محمد أبو الفتوح البيانوني : 84-85.
رد مع اقتباس