
17-08-2010, 11:06 AM
|
عضو قدير
|
|
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 16
|
|
ساق خصوم الدعوة السلفية اعتراضاً ثالثاً على دعوة الشيخ الإمام، فذكروا أن الشيخ الإمام ينكر دعاء الموتى، وينكر الاستغاثة بهم، بل ويكفّر من دعا الأموات واستغاث بهم.
وقبل أن نورد هذا الاعتراض بشيء من البيان والتوضيح، وما تضمنه من استدلالات الخصوم في جواز دعاء الموتى والاستغاثة بهم، فإن من المناسب أن نذكّر بأن هذا الفصل يتداخل مع فصل تحريم التوسل، فهناك علاقة وارتباط بينهما، حيث أن مسألة الدعاء والاستغاثة تتصل بمسألة التوسل – كما هو ظاهر في فصل تحريم التوسل - .
ولذا فإن بعض المسائل والأفكار التي سبق ذكرها هناك – في فصل تحريم التوسل – ولها صلة بهذا الفصل، فإننا هاهنا نسوقها بإيجاز وإجمال، لكي يكتمل عرض أفكار هذا الفصل بصورة شمولية، وقد نضيف إليه ما يزيده بياناً ووضوحاً.
وأفردت مسألة دعاء الموتى بهذا الفصل، نظراً لأهمية عبادة الدعاء ووجوب صرفها لله وحده، فالدعاء – كما هو معلوم – من أفضل الطاعات وآكد العبادات، وأعظمها شأناً، وأعلاها قدراً، وقد دلّ على هذا الكثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية.
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – في هذا المقام-:
(الدعاء عبادة من أجل العبادات، بل هو أكرمها على الله .. فإن لم يكن الإشراك فيه شركاً، فليس في الأرض شرك، وإن كان في الأرض شرك، فالشرك في الدعاء أولى أن يكون شركاً من الإشراك في غيره من أنواع العبادة، بل الإشراك في الدعاء هو أكبر شرك المشركين الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم يدعون الأنبياء والصالحين والملائكة ليشفعوا لهم عند الله، ولهذا يخلصون في الشدائد لله، وينسون ما يشركون(3).
ومع أهمية هذه العبادة ووجوب صرفها لله وحده وإخلاص الدعاء له سبحانه في السراء والضراء، حيث أن تجريد الدعاء لله وحده إيمان وتوحيد، ودعاء غيره – مهما كان – كفر وإشراك، ومع كل ذلك، فإن الكثير قد اتخذوا من الموتى ملجأ وملاذاً يلوذون بهم، فيسألونهم تفريج الكربات، وقضاء الحاجات، وربما زادوا على ذلك فسألوهم دخول الجنان، والنجاة من النيران.
ولم يقفوا عند هذا الحد، بل تجاوزوا ذلك، فأنكروا على من أخلص الدعاء لله وحده، واعترضوا عليه وخالفوه، كما فعل أولئك الخصوم مع أتباع هذه الدعوة السلفية.
ومما يجدر ذكره أن الخصوم قد يعترضون على الشيخ الإمام في إنكاره دعاء الموتى والاستغاثة بهم، ولكن لا يسمونه دعاء، فقد يسمونه توسلاً – أحياناً – وربما أطلقوا عليه استمداداً، وربما جعلوه تشفعاً، وربما زينوا دعاء الموتى وصيّروه نداء لا دعاء، وكل ذلك يفعله أولئك الخصوم لكي يزينـوا للعوام ذلك الشرك بأسماء لا ينفرون منها ...
وقصدهم ومرادهم من تلك الأسماء هو سؤال الموتى، وطلب الحاجات منهم، وطلب حصول الغوث منهم، وسؤال المدد، وشفاء المرض وغيره من الأمور التي لا تسأل ولا تطلب إلا من الله وحده.
ويورد الخصوم اعتراضهم على إنكار دعاء الموتى، فيستغربون ويستنكرون المنع من سؤال الموتى والاستغاثة بهم، ثم يوردون ما عندهم من الاستدلالات في إثبات وتجويز دعاء الأموات فيدعون أن سؤال الموتى ودعائهم جائز، كما جاز سؤال الأحياء وطلب عونهم، ووجه المساواة بين الموتى والأحياء هو أن الأموات كالأحياء في الحياة. فلهم حياة برزخية يدركون فيها ويشعرون، ويتصرفون كالأحياء، وأيضاً فالأموات مثل الأحياء في السؤال وطلب الحاجات؛ لأن من سأل ودعا ميتاً معتقداً أن الله هو المؤثر والفاعل، فهذا جائز، مثل سؤال الأحياء، فلا فرق بين الأحياء والأموات، لأن الفاعل حقيقة هو الله، ويدعي أولئك الخصوم أن سؤال الموتى ليس دعاء لهم، بل هو نداء كنداء الغائب، وليس كل نداء دعاء، فيجوز نداء الموتى ما دام أن الذي يناديهم لا يعتقد التأثير لهم، يجعل الله هو المؤثر وحده.
وبهذا يظهر ما تضمنه اعتراض الخصوم – في هذا الفصل – إجمالاً، وسنذكره الآن بشيء من التفصيل مدعماً بأقوال الخصوم من خلال كتبهم:
يقول القباني معترضاً.
(وأما ما ادعاه بأن الاستغاثة هي عبادة لغير الله تعالى، وأنها شرك أكبر من شرك الكفّار، فلم يقم على ذلك الدليل والبرهان..)(1).
ويجوّز القباني الاستغاثة بغير الله فيقول:
(جواز التوسل والتشفع والاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبغيره من الأنبياء والأولياء)(2).
ويدعي القباني أن منع الاستغاثة بالأموات قول محدث فيقول:
(قد قلدت ابن تيمية في عدم جواز التشفع والاستغاثة بمخلوق ميت أو غائب)(3).
ويؤكد الحداد جواز الاستغاثة بالأنبياء، والمرسلين وبالعلماء الصالحين بعد موتهم … ويعلل ذلك بقوله:
(لأن معجزات الأنبياء، وكرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم، أما الأنبياء فلأنهم أحياء في قبورهم يأكلون، ويشربون، ويصلون، ويحجون بل وينكحون كما وردت بذلك الأخبار.
والشهداء أيضاً أحياء عند ربهم شوهدوا نهاراً، وجهاراً يقاتلون الكفّار في العالم المحسوس في الحياة وبعد الممات)(4).
ويدعي الحداد أن إنكار الاستغاثة بالأموات من هفوات الشيخ الإمام، فيقول:
(ومن هفوات النجدي إنكار التوسل والاستغاثة والمناداة بأسمائهم أي الأموات ..) (5).
ثم يقول محتجاً: (.. كيف ساغ له أن ينكر على الأكابر، بل يسميهم مشركين لما استغاثوا بالأموات) (6).
ويسوق محسن بن عبد الكريم أقوال أسلافه ممن عارض هذه الدعوة، فأنكروا أن يوجد الشرك في دعاء غير الله، فيقول:
(وألزمهم – أي ألزم يوسف بن إبراهيم الأمير الوهابيين – أن الشرك في الدعاء ليس بشرك أكبر، فلا يخرج به فاعله من دائرة الإسلام بعد تحقق دخوله فيه، وعرفهم أن للدعاء في الآيات والحديث التي تمسكوا بها معنى غير النداء لطلب الحاجات)(7).
ويقول محسن: (وأما المولى عبد الله بن عيسى في كتابه (السيف الهندي) فإنه لم يساعدهم من أول الأمر على تسمية دعاء الأولياء والتوسل بهم معصية فضلاً عن أن يكون شركاً أصغر. فكيف يكون شركاً أكبر مخرجاً عن الإسلام)(1).
ويدعي ابن جرجيس أن الواقع لمنع الوهابيين من الاستغاثة بالأنبياء والأولياء بعد موتهم هو عدم إيمانهم بالحياة البرزخية (2)، وابن جرجيس بدعواه تلك قد افترى عليهم بهتاناً عظيماً …
ويدعي ابن جرجيس أن حياة الأنبياء عليهم السلام في قبورهم حياة حقيقية، ويجعل باباً في سماع الموتى يقول فيه:
(ولما كان الميت لا يردّ رداً متعارفاً ،بل رداً نؤمن به ولا نسمعه غالباًلم يحصل حقيقة التكلم .. لا لأن الميت لا يسمع. وهذا ظاهر) (3).
ويقول أيضاً: (وكان بعض من يدعي العلم في زعمه، يقول كيف يعلم الأنبياء والأولياء، بمن يستشفع بهم ويناديهم، فقلت لهم هم مكشوف لهم في الدنيا، وهم على ما هم عليه بعد موتهم) (4).
ويدعي ابن جرجيس أن الأولياء حياتهم حقيقية، فلا مانع من الطلب منهم فلا إثم في ذلك، مادام أن الطالب منهم يعتقد أن الفعل لله وحده، ثم يزيد في كذبه وافترائه، ويدعي إجماع العلماء على جواز الطلب من الموتى.
يقول ابن جرجيس:
(إن الأنبياء والأولياء المنقولين بسيف المجاهدة لله كالشهداء الوارد فيهم النص القرآني في حياتهم الحقيقة. كيف يستغرب طلب التسبب منهم والتشفع .. فهل إذا عامل أحد هؤلاء الذين هذا حالهم معاملة الأحياء يلام على ذلك. أو يعاب، أو يؤثم .. مع اعتقاده أن الفعل لله وحده خلقاً وإيجاداً لا شريك له، وأنه يكون من أهل القبور من الأنبياء والأولياء تسبباً وكسباً) (5).
ثم يقول: (فالأحاديث الواردة في الطلب من الموتى، وأجمع عليها العلماء مبني أمرها على هذا الأصل ..)(6).
ويجوّز ابن داود الهمداني الاستغاثة بالموتى، ويعلل ذلك أن المستغيث بهم يعتقد أن المتصرف في الأمور هو الله، وأنه وحده يملك الضر والنفع، ولكن مع ذلك يوجه الخطاب والطلب إلى المقرب. فالطلب في الحقيقة منه تعالى لا من سواه، وإن كان في الظاهر متوجهاً إلى غيره (7).
ويجوّز ابن داود الاستغاثة بالموتى؛ لأنه لا فرق بين الأحياء والأموات فيقول:
(فإنه لا فرق بين الميت والحي، إلا أن الروح مفارق عن البدن العنصري في الميت وحالّ في الحي، ومتعلق التعظيم، والاستغاثة والمخاطبة والاستجارة ونحوها إنما هو الروح وليس للبدن) (1).
ويدعي دحلان كذلك عدم الفرق بين الأحياء والأموات؛ لأنهم لا يخلقون شيئاً، والمؤثر والخالق هو الله وحده .. كما أن المستغاث به حقيقة هو الله، وأما النبي أو الولي فهو واسطة بينه وبين المستغيث، فالغوث من الله خلقاً وإيجاداً، والغوث من المخلوق تكسباً وتسبباً .. (2).
ويرد دحلان على من جعل دعاء غير الله شركاً، ويسمي دحلان هذا الدعاء نداء، فيقول:
(وشبهتهم التي يتمسكون بها أنهم يزعمون أن النداء دعاء، وكل دعاء عبادة، بل الدعاء مخ العبادة.
وحاصل الرد عليهم أن النداء قد يسمى دعاء في قوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً}(3) لكنه لا يسمى عبادة، فليس كل دعاء عبادة، ولو كان كل نداء دعاء وكل دعاء عبادة، لشمل ذلك نداء الأحياء والأموات، فيكون كل نداء ممنوعاً مطلقاً سواء كان للأحياء والأموات، أم للحيوانات والجمادات. وليس الأمر كذلك، وإنما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقد ألوهيته، واستحقاقه للعبادة فيخضعون بين يديه، فالذي يوقع في الإشراك هو اعتقاد ألوهية غير الله تعالى، أو اعتقاد التأثير لغير الله تعالى، وأما مجرد النداء لمن لا يعتقدون ألوهيته وتأثيره، فإنه ليس عبادة ولو كان ميتاً أو غائباً) (4).
ويورد السمنودي إنكار أئمة الدعوة السلفية الاستغاثة بالموتى في مقام الاعتراض والمخالفة، فيقول عنهم:
(أنكروا جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وكذا بغيره من الأنبياء والصالحين والأولياء. بل تجاوزوا الحد فزعموا أن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وكذا بغيره ممن ذكروا شرك أكبر..) (5).
ويقرر السمنودي أن حياة الموتى في قبورهم حياة حقيقية، فبعد أن ساق حديث حمل الجنازة والإسراع بها، وأنها إن كانت صالحة قالت قدموني .. الحديث قال السمنودي بعد إيراد هذا الحديث:
(فهذا يدل على أن الميت يتكلم حقيقة بلسان المقال بحروف وأصواتاً يخلقها الله تعالى فيه، وأسند الفعل إلى الجنازة وأراد الميت) (6).
ويجوّز الطباطبائي الاستغاثة بالموتى، وأنها ليست بشرك فيقول:
(وأما عدم كون التوسل بالميت إلى الله شركاً، فلأنه نظير التوسع بالحي وسؤاله قضاء الحوائج بواسطة دعائه من الله تعالى، فكما أنه ليس من الشرك، كذلك التوسل بالميت، فيجعل أحد التوسلين كالآخر، بجامع السؤال من المخلوق، إذ لا وجه لتوهم كونه شركاً، إلا كونه دعاء لغير الله تعالى، فإذا جاز بالنسبة إلى الأحياء جاز مطلقاً.. وذلك لوقوع نداء المخلوق والدعاء، والالتماس له في الكتاب لقوله سبحانه { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه}(1) وسؤال قوم موسى منه الاستسقاء، وقال سبحانه حكاية عن يوسف (اذكرني عند ربك) (2). فلو جازت هذه الأسئلة ولم تكن شركاً جاز سؤال الأنبياء والأولياء عند الوقوف على قبورهم، أو من مكان بعيد إجابة للمضطر)(3).
ويدعي الطباطبائي عدم التفريق بين الحي وبين الميت؛ لأن للميت من الإدراك والشعور مثل ماله حال الحياة، بل يدعي أن الميت يزيد على الحي في الإدراك، وأن الكتاب، والسنّة والإجماع قد دلّ على ذلك (4).
ويزعم الطباطبائي أن الأنبياء قد استعانوا بغير الله فيقول:
(فالأنبياء مع أنهم معصومون، استعانوا بغير الله تعالى، حتى نزل في حق محمد صلى الله عليه وسلم (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)(5) فكيف تنكر الوهابية جواز الاستمداد بالمخلوق) (6).
ويذكر الطباطبائي مقالة الوهابيين في شأن دعاء غير الله، ثم يردها.. فيقول:
(وثالثها قول الوهابية: أن الدعاء مخ العبادة، والعبادة لا تجوز لغير الله تعالى، لأنها شرك.
والجواب عنه: المنع عن أن مطلق الدعاء عبادة فضلاً عن أين يكون روح العبادة، وإنما الدعاء من الدعوة، ومنها قوله تعالى: (ندع أبناءنا) (7)– وذكر الطباطبائي آيات أخرى، إلى أن قال -: فإن المراد من الدعاء فيها النداء، وليس كل نداء دعاء، وكل دعاء عبادة، بل ولا دعاء الله عبادة لمحض ندائه ومجرد خطابه..) (8).
وعقد النبهاني في كتابه (شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق) باباً يتكون من أربعة فصول لتقرير مشروعية الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والأولياء أحياءً وأمواتاً (9).
ويدعي النبهاني أن هؤلاء المستغيثين بالموتى يعترفون بأن الله وحده هو الفعّال فلا حرج عليهم في ذلك.. يقول:
(وأنت إذا نظرت إلى كل فرد من أفراد المسلمين عامتهم وخاصتهم، لا تجد في نفس أحد منهم غير مجرد التقرب إلى الله لقضاء حاجاتهم الدنيوية والأخروية بالاستغاثات. مع علمهم بأن الله هو الفعّال المطلق المستحق للتعظيم بالأصالة وحده لاشريك له)(1).
ويدعي الزهاوي تجويز العلماء الأجلاء الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم فيقول:
(وقد جوّز العلماء الاستغاثة والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإطلاق لفظ الاستغاثة على من يحصل منه غوث ولو تسبباً وكسباً أمر نطقت به اللغة، وجوّزه الشرع..) (1).
ويجوّز الزهاوي الاستغاثة بالموتى، لأن الموتى لهم حياة وسماع مثل الأحياء، فيقول:
(لا يقال أن حياة الأنبياء والشهداء غير الحياة الدنيوية، فلا تنطبق هذه على تلك، لأنا نقول لو سلمنا أن تلك الحياة ليست من نوع الحياة الدنيوية، فمجرد ثبوت الحياة لهم أي حياة كانت، كاف لثبوت السماع لهم وتجويز التوسل والاستغاثة بهم..)(2).
ويبيح الدجوي الاستغاثة بغير الله من الموتى والغائبين، ويذكر المسوّغات لتجويز دعواه فيقول:
(فالمستغيث لا يعتقد أن المستغاث به من الخلق مستقل في أمر من الأمور غير مستمد من الله تعالى، أو راجع إليه. وذلك شيء مفروغ منه، ولا فرق في ذلك بين الأحياء والأموات، فإن الله خالق كل شيء..) (3).
كما يدعي الدجوي أيضاً عدم الفرق بين الأحياء، والأموات، لأن الأموات لهم حياة مثل الأحياء، فيقول:
(لا فرق بين الحي والميت، فإن منزلته ميتاً كمنزلته حياً؛ لأن الفاعل حقيقة هو الله .. كما أن الأرواح بعد موتها باقية مدركة فاهمة على نحو ما كانت عليه في حياتها أو أشد، ولذلك يتساءلون عن الأحياء، ويفرحون، ويحزنون بما يكون منهم..)(4).
ويسوّغ محمد حسنين مخلوف الاستغاثة بالرسول فيقول:
(الدعاء بنحو أغثني أو أعني يا رسول الله ليس توسلاً ممنوعاً بل هو جائز سائغ، فإن الاستغاثة طلب الغوث والتخلص من البلية. وهذا كما يسند إلى الله تعالى، يسنده إلى غيره.. وكذلك الاستعانة فإنها طلب المعونة من الغير، وهي من الله تعالى خلق الفعل في العبد، ومن العباد المشاركة في الفعل ليسهل..) (5).
ويقول مخلوف:
(أن الاستغاثة تستعمل تارة في طلب الإغاثة بمعنى خلق التخلص من البلية وهذا مختص به تعالى، وتارة في طلب الإغاثة بمعنى السعي في التخلص من الشدة وهذا المعنى يصح إسناده إلى العباد) (6).
ويجوّز حسن الشطي الإستغاثة بالأنبياء، والأولياء والصالحين حال حياتهم، وبعد مماتهم بحجة أن: (الاستغاثة والطلب في حقيقة الأمر من الله تعالى لا من غيره فلا يصح القول بمنعها) (7).
ويسوق العاملي ما ذكره الشيخ الإمام في حكم من استغاث بغير الله، وذلك في مقام الاعتراض عليه، والإنكار لمقالته فيقول العاملي:
(وصرّح محمد بن عبد الوهاب بأن دعاء غير الله، والاستغاثة بغير الله موجب للارتداد عن الدين، والدخول في عداد المشركين) (1).
ويرد العاملي على الوهابيين في منعهم من الاستغاثة بالمصطفى بعد وفاته وسائر الأنبياء، فيقول :
فإن كان منعه لأنه خطاب غير قادر على سماع الكلام فالنبي محمد وسائر الأنبياء أحياء بعد الموت (2).
ويجوّز العاملي دعاء الأنبياء مادام أن الداعي لا يعتقد استقلالاً لهم بقضاء الحاجات، فيقول:
(فدعاء الأنبياء والصالحين ليس دعائهم بالذات بأن يحسبوا كافين في قضاء الحاجة، وإنجاح المأمور ..
وأما الذين يحسبهم كفاة مستقلين في دفع مكروه أو جلب نفع واستغنى بذلك عن دعوة الله فنحن أيضاً نحكم بكفره وشركه)(3).
ويسوق سوقية دليلاً على حياة الموتى فيقول:
(فالحياة ثابتة قطعاً لا يشك فيها مؤمن .. خلافاً لهذه الفرقة المغرورة الشاذة، بل إن علماء أوربا يقولون بخلود الأرواح وقد توصلت لاستحضارها ومخاطبتها بالنوم .. مما يدل دلالة قاطعة على الحياة بعد الموت)(4).
ويزعم محمد بن أحمد نور – فيما نقله عنه الشيخ صالح بن أحمد – أن تفسير قوله تعالى – في شأن الشهداء – (بل أحياء ولكن لا تشعرون) (5) هو: (أن الشهداء أحياء، ولكن لا تشعرون ما هم فيه من الحال من تنعيم وفرح وسرور واستبشار) (6).
ويجوّز محمد الطاهر يوسف الاستغاثة بالأموات، ويعلل ذلك (بأن استناد الإغاثة إلى الله استناد حقيقي، واستنادها إلى الخلق مجازي، ولا فرق بين الحي والميت؛ لأن المتولي لأمورهم في الدارين هو الله الذي أكرمهم بفضله) (7).
وبعد إيراد اعتراض أولئك الخصوم على إنكار أئمة الدعوة السلفية الاستغاثة بالموتى ودعاءهم، وما تضمنه هذا الإيراد من بيان بعض استدلالاتهم وحججهم في ذلك، بعد ذلك نسوق بعض ما كتبه أئمة الدعوة السلفية وأنصارها في تقرير وتأكيد أن الدعاء عبادة يجب صرفها لله وحده، وأن من دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر. وسيتضح هذا جلياً من خلال أجوبتهم ومناقشتهم لأقوال الخصوم.
لقد ركز الشيخ الإمام على عبادة الدعاء، وبيّن وجوب صرفها لله وحده سواء كان الدعاء دعاء مسألة، أو دعاء عبادة، وعقد باباً في كتابه (كتاب التوحيد) بعنوان: (باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره) (1).
وألف الشيخ الإمام رحمه الله رسالة موجزة في مسائل مستنبطة من قول الله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) (2) ، فقال رحمه الله فيها عشرة درجات .. نختار منها قوله:
الأولى: تصديق القلب أن دعوة غير الله باطلة، وقد خالف فيها من خالف.
الثانية: أنها منكر يجب فيها البغض، وقد خالف فيها من خالف.
الثالثة: أنها من الكبائر، والعظائم المستحقة للمقت والمفارقة وقد خالف فيها من خالف.
الرابعة: أن هذا هو الشرك بالله الذي لا يغفره، وقد خالف فيها من خالف.
الخامسة: أن الداعي لغير الله لاتقبل منه الجزية كما تقبل من اليهود، ولا تنكح نساؤهم كما تنكح نساء اليهود، لأنه أغلظ كفراً) (3).
ولما دخلت جيوش الموحدين مكة سنة 1218هـ، كان مما حدث مع علماء مكة ما سطّره الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب:
(عرّفناهم أنّا دائرون مع الحق أينما دار، وتابعون للدليل الجلي الواضح، ولا نبالي حينئذ بمخالفة ما سلف عليه من قبلنا، فلم ينقموا علينا أمراً فألحينا عليهم في مسألة طلب الحاجات من الأموات إن بقي لديهم شبهة، فذكر بعضهم شبهة أو شبهتين، فرددناها بالدلائل القاطعة من الكتاب والسنّة حتى أذعنوا، ولم يبق عندهم أحد منهم شك ولا ارتياب فيما قاتلنا الناس عليه، أنه الحق الجلي الذي لا غبار عليه، وحلفوا لنا الأيمان المعقدة من دون استحلاف على انشراح صدورهم، وجزم ضمائرهم، أنه لم يبق لديهم شك في من قال: يا رسول الله أو قال ابن عباس، أو يا عبد القادر، أو غيرهم من المخلوقين طالباً بذلك دفع شر أو جلب خير في كل ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى من شفاء المريض، والنصر على العدو، ونحو ذلك أنه مشرك الشرك الأكبر الذي يهدر دمه ويبيح ماله، وإن كان يعتقد أن الفاعل المؤثر في تصريف الكون هو الله وحده، لكنه قصد المخلوقين بالدعاء متقرباً لهم لقضاء حاجته) (4).
وقد سبق – في فصل تحريم التوسل – بيان بطلان أن تكون الاستغاثة بالأنبياء وغيرهم بمعنى التوسع من عدة أوجه، كما قرر ذلك في كتاب (التوضيح) فأغنى عن إعادته وتكراره (5).
ويبين الشيخ حمد بن ناصر بن معمر – رحمه الله – بطلان دعاء الموتى فيقول:
(نحن نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات، لا الأنبياء، ولا الصالحين، ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، بل نعلم أنه نهى عن كل هذا الأمور، وأن ذلك من الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله ….يقول تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا. أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً) (1) فهذه الآية خطاب لكل من دعا من دون الله مدعوا، وذلك المدعو (2) يبتغي إلى الله الوسيلة ويرجو رحمته. ويخاف عذابه، فكل من دعا ميتاً أو غائباً من الأنبياء والصالحين فقد تناولته هذا الآية، وقد دعا من لا يغيثه ولا يملك كشف الضر عنه ولا تحويله..) (3)
ويوضح الشيخ حمد حكم من دعا ميتاً أو غائباً فيقول:
(من دعا ميتاً أو غائباً فقال يا سيدي فلان أغثني أو انصرني أو ارحمني، أو اكشف عني شدتي، ونحو ذلك فهو كافر مشرك يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء، فإن هذا هو شرك المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم لم يكونوا يقولون: أنها تخلق، وترزق وتدبر أمر من دعاها بل كانوا يعلمون أن ذلك لله وحده كما حكاه عنهم في غير موضع في كتابه، وإنما كانوا يفعلون عندها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم من دعائها والاستغاثة بها..)(4).
ويسوق الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – إجماع العلماء في حكم من صرف الدعاء لغير الله فيقول:
(اعلم أن العلماء أجمعوا على أن من صرف شيئاً من نوعي الدعاء – أي دعاء العبادة ودعاء المسألة – لغير الله فهو مشرك، ولو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وصلى وصام. إذ شرط الإسلام مع التلفظ بالشهادتين أن لا يعبد إلا الله فمن أتي بالشهادتين وعبد غير الله، فما أتي بهما حقيقة وإن تلفظ بهما كاليهود الذين يقولون لا إله إلا الله وهم مشركون) (5).
ومما أورده الشيخ سليمان في شرحه للآية الكريمة وهي قوله تعالى: {ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة } (6) – أثناء شرحه لباب (من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره من (كتاب التوحيد) – يقول رحمه الله.
(حاصل كلام المفسرين أن الله تعالى حكم بأنه لا أضل ممن يدعو من دون الله لا دعاء عبادة، ولا دعاء مسألة، واستغاثة من هذه حاله، ومعنى الاستفهام في إنكار أن يكون الضلال كلهم أبلغ ضلالاً ممن عبد غير الله ودعاه، حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على تحصيل كل بغية ومرام، ويدعون من دونه من لا يستجيب لهم ولا قدرة على استجابة أحد منهم مادام في الدنيا وإلى أن تقوم القيامة) (1).
ولما سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن حكم الاستغاثة بالموتى، كان مما قاله رحمه الله:
(وأما مسألة – استغاثة الأحياء بالموتى في طلب الجاه والسعة والرزق والأولاد فالجواب هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، وهذا شرك في الربوبية، والألوهية، وقد كان شرك المشركين في جاهليتهم بطلب الشفاعة والقربة، وأما طلب الرزق والأولاد وشفاء المرضى فقد أقروا بأن آلهتهم لا تقدر على ذلك كما قال تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون } (2)) (3).
ويقول الشيخ أيضاً في مسألة سماع الموتى:
(ومن قال أن الميت يسمع، ويستجيب، فقد كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه .. قال تعالى: (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون) (4)) (5).
ويبين الشيخ عبد الرحمن خطورة دعاء الموتى والتعلق بهم، ثم يبطله فيقول:
(إن التعلق بالأموات والالتجاء والرغبة إليهم هو أصل دين المشركين.
ويترتب على ذلك من أنواع العبادة جلها ومعظمها، كالمحبة والدعاء، والتوكل والرجاء ونحو ذلك، وكل هذا عبادة لا يصلح منه شيء لغير الله أبداً. ولو جاز التعلق بالأموات، لجاز أن يستظهر العبد بالحفظة من الملائكة الذين هم لا يفارقونه بيقين، وهم كما وصف الله: {عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} (6)، وهذا لا يقوله مسلم أصلاً، بل لو فعله أحد لكان مشركاً بالله، فإذا لم يجز ذلك في حق الملائكة الحاضرين، فإنه لا يجوز في حق أرواح أموات قد فارقت أجسادها لا يعلم مستقرها إلا الله من باب أولى، قال تعالى: { والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون}(7))(8).
ويوضح الشيخ عبد الرحمن بن حسن كيف كان الاستمداد بالأموات شركاً أكبر فيقول:
(إن الاستمداد بالأموات والغائبين هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، فإن الاستمداد عبادة، والعبادة لا يجوز أن يصرف منها شيء لغير الله وذلك أن الاستمداد نتيجته الاعتماد، والاعتماد هو معنى التوكل الذي هو من خصائص الإلهية وأجمعها لأعمال القلوب.
كما أن مورد العبادة القلب واللسان والأركان، والمستمد لا يكون إلا داعياً، وراغباً، وراهباً، وخاشعاً، ومتذللاً، ومستعيناً. فإن الاستمداد طلب المدد بالقلب، واللسان، والأركان ولابد، وهذه الأعمال هي أنواع العبادة، فإذا كانت لله وحده، فقد ألهمه العبد، فإذا صرف لغير الله تعالى صار مألوهاً له) (1).
ويرد الشيخ عبد الرحمن دعواهم في التفريق بين الدعاء والنداء، ويثبت أنهما مترادفان، ويذكر الأدلة القرآنية التي تدل على أنهما بمعنى واحد ومنها ما قاله – رحمه الله -:
(قال تعالى: (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) (2) فعطف النداء على الدعاء عطف مرادف.
ومما يوضح ترادف النداء والدعاء وأنهما بمعنى واحد، ما أخبر الله تعالى عن نوح عليه السلام بقوله: (ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له) (3) فأخلص القصد لله بندائه في كربه وشدته فاستجاب الله له. وقال في الآية الأخرى: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر)(4) فسماه تعالى دعاء (5).
ومما كتبه الشيخ أبو بطين – رحمه الله – في شأن الحياة البرزخية للشهداء، والحياة البرزخية للمصطفى صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
(فحياتهم برزخية الله أعلم بحقيقتها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد مات بنص القرآن والسنّة، ومن شك في موته فهو كافر، وكثير من الناس خصوصاً في هذه الأزمنة، يدعون أنه صلى الله عليه وسلم حي كحياته لما كان على وجه الأرض بين أصحابه، وهذا غلط عظيم، فإن الله سبحانه أخبر بأنه ميت، وهل جاء أثر صحيح أنه باعثه لنا في قبره مثل حياته على وجه الأرض يسأله أصحابه عما أشكل عليهم، ومعلوم ما صار بعده صلى الله عليه وسلم من الاختلاف العظيم، ولم يجيء أحد إلى قبره صلى الله عليه وسلم يسأل عما اختلفوا فيه، وفي الحديث المشهور (ما من مسلم يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام) (6). فهذا يدل على أن روحه صلى الله عليه وسلم ليست دائمة في قبره) (7).
ويشير أبو بطين إلى كثرة وقوع الاستغاثة بالنبي عند المتأخرين، وما كتبه ابن تيمية في ذلك، فيقول أبو بطين رحمه الله:
(والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم صدرت من كثير من المتأخرين ممن يشار إليهم بالعلم، وقد صنف رجل يقال له ابن البكري كتاباً في الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ورد عليه الشيخ ابن تيمية، بين فيه بطلان ما ذهب إليه وبين أنه من الشرك. قال الشيخ رحمه الله:
(وقد طاف هذا – يعني ابن البكري – على علماء مصر، فلم يوافقه منهم أحد، وطاف عليهم بجوابي الذي كتبته، وطلب منهم معارضته، فلم يعارضه أحد منهم، مع أن عند بعضهم من التعصب ما لا يخفى ..)(1).
ويرد الشيخ أبو بطين على افتراء داود، حين زعم الإجماع على مشروعية الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم فقال رحمه الله:
(ثم زعم أن الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم في الشدائد أمر مشهور معمول به عند الصحابة والتابعين، فنسب إلى خير القرون ما هم أبعد الناس عنه، ويكفي في إبطال الشبهة كلّها قول الله تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله) (2)، وقوله سبحانه: (قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً) (3)، وهذا في حال حياته صلى الله عليه وسلم فكيف الحال بعد الممات) (4).
ويستنكر الشيخ أبو بطين دعوى التفريق بين الدعاء والنداء، ثم يبطلها، فيقول رحمه الله:
(ومن العجب قول بعض من ينسب إلى علم ودين أن طلبهم من المقبورين والغائبين ليس دعاء لهم بل هو نداء، أفلا يستحي هذا القائل من الله إذا لم يستح من الناس من هذه الدعوى الفاسدة السّمجة التي يروج بها على رعاع الناس. والله سبحانه وتعالى قد سمى الدعاء نداء كما في قوله: {إذ نادى ربه نداء خفياً} (5)، وقوله تعالى: {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} (6) وأي فرق بين ما إذا سأل العبد ربه حاجة، وبين ما إذا طلبها من غيره ميت أو غائب، بأن الأول يسمى دعاء والثاني نداء؟ وما أسمج هذا القول وأقبحه .. وهو قول يستحي من حكايته لولا أنه يروج على الجهال) (7).
ويقول الشيخ محمد بن ناصر التهامي مبيناً تحريم دعاء غير الله:
(فإذا رددنا ما تنازعنا فيه، وقلنا بتحريم دعوة غير الله والاستغاثة به.. وجدنا القرآن ينادي بالنهي عن دعوة غير الله ويختمها بالوعيد الشديد لمن فعل ذلك، ولو لم يحتج على صاحب الرسالة إلا بآية واحدة، لانقطعت حجته، ووهت شبهته، والسنة كذلك تنادي في النهي عن أن يدعى مع الله غيره، كما في (الصحيح) عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار) (8). ومسمى الدعاء هو السؤال والطلب لغة وشرعاً، والند هو الشبه والمثل. فمن استغاث بغير الله من ميت أو غائب، أو دعاه فقد شبهه بالله الذي يصمد إليه كل مخلوق في كل ما يحتاجون إليه في دنياهم وأخراهم) (9).
كما أن القول بتحريم دعاء غير الله واعتباره من الشرك الأكبر المخرج من الملة ليس مما انفرد واختص به الشيخ ابن عبد الوهاب، بل جمهور أهل العلم على ذلك … فيقول الحازمي مدافعاً عن الشيخ الإمام.
(إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – ليس أول من فتح هذا الباب، بل ما ذكره هو ما عليه جمهور العلماء.. فهو يقول لا يدعى في الممات إلا الله عز وجل وأكثر الخلق يدعون سواه في كل محل، إذا عثرت دابة نادى من يعتقده كالشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ أحمد بن علوان، أو العيدروس، أو البدوي، أو العلوي، وإذ مسّهم الضر في البحر، دعى كل واحد منهم شيخ بلده في زعمه، ويقول ابن عبد الوهاب: هذا فعل المشركين؛ وليس هو أول من قال هذه المقالة بل قد سبق إليها..) (1).
ويبطل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن دعوى تصرف الموتى فيقول رحمه الله:
(وأما القول بالتصرف بعد الممات، فيقول تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون) (2) وقوله سبحانه: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى)(3) وقوله: (كل نفس ذائقة الموت) (4)، وفي الحديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله.. الحديث) (5). فجميع ذلك دال على انقطاع الحس والحركة من الميت، فإن أرواحهم ممسكة، وإن أعمالهم منقطعة عن زيادة ونقصان، فدل ذلك على أن ليس للميت تصرف في ذاته، فضلاً عن غيره بحركة، وإن روحه محبوسة مرهونة بعملها من خير وشر، فإذا عجز عن حركة نفسه فكيف يتصرف في غيره..) (6).
ويتحدث الشيخ عبد اللطيف عن مسألة سماع الموتى فيقول:
(واعلم أن مسألة السماع فيها كلام للمحققين لا يحيط به علماً إلا من فقه عن الله قلبه، ودق في باب العلم نظره وفهمه.. فتأمل قوله تعالى: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم.. الآية) (7).
فإن هذه الآيات فيها دعوى نفي الإجابة فقط مع بقاء أصل السماع، لئلا يتحد فعل الشرط وجوابه، والأظهر أن سماع الميت مقيد بحال دون حال، لا في جميع حالاته) (8).
ويبين الشيخ عبد اللطيف اختلاف حياة البرزخ عن حياة الدنيا فيقول:
(والذي دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله، وإجماع الأمة أن الحال بعد مفارقة الأرواح للأبدان ليست كحال الحياة من وجوه كثيرة لا يمكن استقصاؤها ويكفي المؤمن قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث..) (9)فهذا الحديث يدخل تحته جميع أعماله الباطنة والظاهرة، وأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وأن الأسباب الحسية تزول بالموت، فكيف بغيره، وإذا كان لا يملك لنفسه شيئاً وعمله قد انقطع فكيف يتصرف، ويدبر ويستمد منه، وتطلب منه الحوائج إن هذا لهو الضلال المبين)(10).
وينقل الشيخ عبد اللطيف نصاً نفيساً لابن تيمية – رحمه الله – في بطلان الاستغاثة بالأموات، وآثارها السيئة ..، وأن الاستغاثة بالله وحده هي سبب انتصار المسلمين على التتار – آنذاك -، يقول ابن تيمية:
(ونحن نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات لا الأنبياء، ولا غيرهم بلفظ الاستغاثة ولا غيرها .. وربما قصدوا الأموات في ضرورة نزلت بهم فيدعون دعاء المضطر، راجين قضاء حاجاتهم .. حتى أن العدو الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور قال بعض الشعراء:
يا خائفين من التتر.. لوذوا بقبر أبي عمر … ينجيكموا من الضرر
فقلت لهؤلاء الذين يستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال، لا نهزموا كما انهزم المسلمون يوم أحد، فإنه كان قد قضى أن العسكر ينكسر لأسباب اقتضت ذلك، ولحكمة كانت لله في ذلك، ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، فلما كان ذلك بعد ذلك جعلنا نأمر بإخلاص الدين لله والاستعانة به، وأنهم لا يستعينون إلا به، ولا يستغيثون بملك مقرب ولا نبي مرسل.
فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الاستغاثة بربهم، نصرهم الله على عدوهم نصراً عزيزاً لم يتقدم نظيره، ولم يهزم التتار مثل هذه الهزيمة أصلاً..) (1).
ويرد الشيخ عبد اللطيف على افتراء داود ابن جرجيس حين كذب، وزعم إباحة دعاء الموتى فقال الشيخ عبد اللطيف:
(من المستحيل شرعاً وفطرةً وعقلاً أن تأتي هذه الشريعة المطهرة الكاملة بإباحة دعاء الموتى والغائبين، والاستغاثة بهم في المهمات والملمات، كقول القائل يا علي، أو يا حسين أو يا عباس، أو يا عبد القادر، أو يا عيدروس، أو نحو ذلك من الألفاظ الشركية التي تتضمن العدل بالله والتسوية به تعالى وتقدس (2)وقد نص على ذلك مشايخ الإسلام حتى ذكره ابن حجر في (الأعلام) (3) مقراً له) (4).
ويؤكد الشيخ عبد اللطيف أن دعاء الموتى شرك أكبر، وإجماع العلماء على ذلك فيقول:
(الأدلة والنصوص متواترة متظاهرة على أن طلب الحوائج من الموتى، والتوجه إليه شرك محرم، وأن فاعله من أسفه السفهاء، وأضل الخلق وأنه ممن عدل بربه، وجعل له أنداداً وشركاء في العبادة التي لا تصلح لسواه، ولا تنبغي لغيره، وأنه أصل شرك العالم، وقد حكى الإجماع على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كلامه، وكذلك ابن قيّم الجوزية قرر تحريمه، وأنه من الشرك الأكبر، وأنه أصل شرك العالم في كتابه (إغاثة اللهفان) وغيره، وابن عقيل كفّر بطلب الحوائج من الموتى) (5).
ويكشف الشيخ عبد اللطيف عما لبّس فيه المخالفون حين ادعوا الحياة الحقيقية للموتى – كما لهم في الدنيا - ومن ثم جوّزوا سؤالهم، فيقول جواباً على هذا التلبيس:
(ليست حياة الأنبياء والشهداء كما يظنه هؤلاء وأسلافهم من الصابئة من أن لهم علماً بحال من دعاهم، وقدرة على إجابته، وتصرفاً في العالم وجولاناً في الملكوت، ويكفي المؤمن في بيان حياتهم والإشارة إلى حقيقتها قوله تعالى: (ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما صحَّ عنه ((أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت)(2)، ويكفي في إبطال قول الصابئة وورثتهم قوله تعالى في المسيح: { وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد } (3) فإن في هذه الآية ما يدل على أنه عليه السلام لا علم له بما صدر وجرى منهم بعد وفاته وأنه إنما يشهد بما كان منهم مدة حياته، وبقائه فيهم، ولا يعلم سواه ..) (4).
ويرد الشيخ عبد اللطيف على من ادعى حياة الأنبياء بعد وفاته كحياتهم الدنيا، فقال الشيخ رحمه الله:
(إن هذه مقالة جاهل لا يفرق بين حياة الأنبياء والشهداء بعد الموت، وحياتهم في الدنيا فظنّ الغبي أنها هي الحياة الدنيوية ولذلك نفى الموت، والله تعالى يقول { إنك ميت وإنهم ميتون } (5) والحياة البرزخية تجامع الموت ولا تنافيه كحال الشهداء) (6).
ويرد الشيخ عبد اللطيف دعوى داود حين ظنّ جواز دعاء الموتى، مادام أن الذي يدعوهم ويستغيث بهم يعتقد أن الفاعل والموجد هو الله وحده، ثم يرد ويبطل الشيخ عبد اللطيف تفريق داود بين الدعاء والنداء، فقال رحمه الله:
(وهذا الأحمق زاد قيداً، فقال لا يشرك إلا من قصد واعتقد الاستقلال من دون الله، وفي تلبية المشركين في الجاهلية لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، فهؤلاء لم يدعوا الاستقلال وعلى زعم هذا ليسوا بمشركين. وقوله وهذا نداء لا دعاء من أدل الأشياء على جهله، فإن النداء هو رفع الصوت بالدعاء، أو الأمر أو النهي ويقابله النجا الذي هو المسارة وخفض الصوت. هذا بإجماع أهل اللغة كما حكاه ابن القيم في نونيته، وشيخ الإسلام في تسعينيته، وليس قسيماً للدعاء، قال تعالى: { ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم}(7) الآية، فما فعلوه هو عين ما أمروا به، وكفى بهذه الآية حجة على إبطال قوله.
وقال تعالى: (وأيوب إذ نادى ربه) (8) ونوحاً إذ نادى من قبل) (9) وسمى هذا النداء دعاء في كتابه العزيز، قال عن نوح عليه السلام: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) (10)، وقال: (هنالك دعا زكريا ربه) (11) وفي الحديث: (دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرّج الله عنه) (1) – وذكر الشيخ عبد اللطيف غيرها من النصوص، إلى أن قال: فانظر هذه النصوص وما أفادت من إطلاق اسم الدعاء على المسألة والطلب) (2).
ولما سئل الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن – رحمهم الله – عن بعض الأحاديث التي وصفت موسى عليه السلام في حياة البرزخ، فأجاب عن ذلك جواباً شافياً، وضّح فيه وبيّن ما تختص به الحياة البرزخية وتتميز به عن الحياة الدنيوية، ثم نقل جواباً لابن تيمية رحمه الله في الجواب على ذلك السؤال، سئل الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن عما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى موسى وهو يصلي في قبره، ورآه يطوف بالبيت، ورآه في السماء، وكذلك الأنبياء فأجاب :
(هذه الأحاديث وأشباهها تمر كما جاءت ويؤمن بها، إذ لا مجال للعقل في ذلك، ومن فتح على نفسه هذا الباب هلك، في جملة من هلك، فهذه الأحاديث التي مر البحث فيها خاض فيها بعض الزنادقة، وصنف مصنفاً بناه عليها، وجادل وماحل في أن من كان حياً هذه الحياة التي أطلقت في القرآن فينبغي أن ينادى، لا فرق عند هذا الجاهل بين الحياة الحسية والبرزخية، لأنه اشتبه عليه أمر هذه الصلاة .. ولم يعلم أنه لا خلاف في أن أهل البرزخ يجري عليهم من نعيم الآخرة ما يتلذذون به مما هو ليس من عمل التكليف، ومعاذ الله أن نعارض نص رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)، والحديث عام؛ لأن المقصود به جنس بني آدم؛ لأن الفرد يعم كما هو مقرر في محاله، ألم يعلم المسكين أن البرزخ طور ثان وله حكم ثان؟ إذ لو كان صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة أن يلاقي الأولياء والأفاضل كما زعم بعض المصنفين، لبطل حكم الاجتهاد بعده، ولم يتراجع الصحابة رضوان الله عليهم بعده مسائل طال فيها نزاعهم إلى زماننا هذا، إذا تحققت هذه الإشارة، وتأملتها، فلابد أن أنقل كلام ابن تيمية قدس الله روحه في أحاديث السؤال:
(قال رحمه الله: أما رؤيا موسى في الطواف فهذا كان رؤيا منام لم يكن ليلة المعراج، كذلك جاء مفسراً لما رأى المسيح أيضاً، ورأى الدجال، أما رؤيته ورؤية غيره من الأنبياء ليلة المعراج في السماء، لما رأى آدم في السماء الدنيا، ورأى يحيى وعيسى، فهذا رأى أرواحهم مصورة في صورة أبدانهم .. وأما كونه رأى موسى يصلي في قبره، ورآه في السماء أيضاً، فهذان لا منافاة بينهما فإن أمر الأرواح من جنس أمر الملائكة، في اللحظة الواحدة تصعد وتهبط، كالملك ليست كالبدن …. إلى آخر ما نقله) (3).
ويورد الشيخ أحمد بن عيسى الأدلة المتعددة على ترادف الدعاء والنداء وأنهما بمعنى واحد، فكان مما قاله رحمه الله رداً على من فرق بينهما :
(كأنه لم يسمع ما ذكره الله في كتابه من أن مدلول النداء والدعاء واحد، قال الله تعالى: (ذكر رحمة ربك عبده زكريا. إذا نادى ربه نداء خفياً، قال رب إني وهن العظم مني)(4) فقوله: (رب) هذا هو الدعاء، سماه نداء، ثم قال (ولم أكن بدعائك رب شقياً)(4) فتبين أن النداء في هذه الآية هو الدعاء لا غير.
وقال في سورة آل عمران: (هنالك دعا زكريا ربه قال رب)(5) فقوله: (رب) هو الدعاء في قوله: (هنالك دعا)، وفي سورة مريم قال: (إذ نادى)، وفي سورة آل عمران قال: (دعا) والصيغة واحدة. ثم قال: { إنك سميع الدعاء}، وقال تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) (1)، وفي الحديث مرفوعاً: (دعوة أخي ذي النون لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ما دعا بها مكروب إلا فرّج الله عنه)) (2).
ومما يدل على ترادف الدعاء والنداء في كلام العرب، قول الشاعر:
فقلت ادعي وأدعو فإني أنـــ ـدى لصوت أن ينادي داعيان) (3)
ويبين علامة العراق محمود الآلوسي اختلاف الحياة البرزخية عن الحياة المعهودة .. ومن ثم فلا يجوز سؤال الموتى، يقول رحمه الله:
(إن الأموات لا يسألون سؤال الأحياء بوجه من الوجوه، إذ الموت غير الحياة، وما ثبت لهم من الحياة فهي برزخية غير الحياة المعهودة في الدنيا فمن أراد بها الحياة المعهودة في الدنيا التي تقوم فيها الروح بالبدن وتدبره وتصرفه، ويحتاج معها إلى الطعام والشراب واللباس فهذا انتكاس ظاهر، والحس والعقل يكذبه كما يكذبه النص، ومن أراد أنها حياة أخرى غير هذه الحياة بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا ليسأل ويمتحن في قبره فهذا حق ونفيه خطأ وقد دل عليه النص الصحيح الصريح) (4).
ويوضح الشيخ ابن سحمان الفرق بين طلب الغوث من الأحياء، وطلبه من الأموات، والفرق بين الأحياء والأموات .. فكان من توضيحه أنه قال:
(وأما الإغاثة بالأسباب العادية، وما هو في طوق البشر وقدرتهم فهذا ليس الكلام فيه، والأموات لا قدرة لهم على الأسباب العادية وما هو في طوق البشر وقدرتهم.. والله سبحانه خلق في الحي اختياراً ومشيئة بها يثاب وبها يعاقب وبها يكلّف، والميت ليس له قدرة الحي، ولا يكلف، بل ينقطع عمله بموته، وتطوى صحيفته، ولا يسأل، ولا يستفتى ولا يرجع إليه في شيء مما للعباد عليه قدرة، وسائر الحيوان يفرقون بين الحي والميت) (5).
ويرد الشيخ ابن سحمان على من جوّز الاستغاثة بالأموات بشرط الإقرار بأن الله هو المؤثر، والموجد وحده سبحانه فقال رحمه الله:
(إن مجرد عدم التأثير، والخلق والإيجاد، والإعدام والنفع والضر إلا الله لا يبريء من الشرك، فإن المشركين الذين بعث الله الرسل إليهم أيضاً كانوا مقرّين بأن الله هو الخالق الرازق النافع والضار، بل لابد فيه من إخلاص توحيده وإفراده، وإخلاص التوحيد لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله لله والطلب منه والنداء، والاستغاثة كلها يكون لله) (6).
وقرر علماء الحجاز وعلماء نجد في (البيان المفيد) أن الدعاء عبادة يجب صرفها لله وحده، وأن صرفها لغيره شرك أكبر فقالوا رحمهم الله:
(ونعتقد أن عبادة غير الله شرك أكبر، وأن دعاء غير الله من الأموات والغائبين، وحبه كحب الله، وخوفه ورجائه ونحو ذلك شرك أكبر، وسواء دعاء عبادة أو دعاء استعانة في شدة أو رخاء فإن الدعاء مخ العبادة وسواء دعاه لجلب نفع أو دفع ضر ..)(1)
ويوضح الشيخ عبد الله بن بلهيد رحمه الله أن دعاء غير الله شرك أكبر، وإن كان فاعله يعتقد أن الله بيده النفع والضر.. فقال رحمه الله:
(فإن قال قائل أن من يدعو النبي صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الأولياء لا يعتقد أنه يملك نفعاً أو ضراً، ولا يطلب ذلك منه. وأن قوله عند قيامه، أو دخوله، أو خروجه أو غير ذلك من أحواله يا رسول الله أو يا فلان إن أراد به طلب النفع والضر فهو شرك، وإن أراد أنه يشفع له عند الله أو يقّربه إلى الله فهذا ليس بشرك.
فيقال أن شرك المشركين الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم هو بتعلقهم على الأنبياء، والصالحين لطلب القربة، والشفاعة، كما قال تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (2)) (3).
(ولما سئل أحد العلماء: هل النداء بمعنى الدعاء أم بينهما فرق ؟ كان جوابه: لا فرق بينهما، وتفريق من فرّق بين النداء والدعاء تفريق يرده الكتاب والسنة واللغة ..
- ثم ذكر الأدلة من الكتاب والسنة ثم قال:
- وقال في (المصباح) : النداء الدعاء، وقال النحاة النداء هو الدعاء بأحرف مخصوصة) (4).
ويرد الشيخ صالح بن أحمد على من ادعى أن حياة الشهداء في قبورهم حياة حقيقية فيقول:
(إن حياة الشهداء في قبورهم كما قال تعالى: (بل أحياء ولكن لا تشعرون) (5)، فنؤمن بأننا لا نشعر بحقيقة حياتهم التي أخبرنا بها سبحانه وتعالى، وهو المختص بحقيقة علمها وأما الأستاذ (6) فحمل قوله تعالى: (ولا تشعرون) على عدم شعوره بالسرور والنعيم الذي هم فيه، وهذا مبلغ علمه.
وتقتضي دعواه عدم موتهم، تحريم تقسيم أموالهم، على الورثة، وعدم تزوج نسائهم؛ لأنهم أحياء على زعمه، والمسلمون متفقون الوهابية وخلافهم على تقسيم أموالهم، وتزويج نسائهم كسائر الأموات) (7).
وأما دعوى المجوّزين الاستغاثة بالأموات، بحجة أن الفاعل هو الله وحده والعبد لا فعل له، فيرد القصيمي تلك الحجة فيقول:
(قولك أن العبد ليس فاعلاً، إما أن يكون دلّ عليه العقل، أو القرآن أو الحديث، أو الإجماع، أو المشاهدة، أو الضرورة، أو شيء غيرها، ولا شيء، أما العقل فإنه لا يفهم أن العبد ليس فاعلاً وأنه كالريشة تقلبها الريح أنّى شاءت، بل العقل يعلم أنه لا يحسن عقاب العبد، ولا ثوابه، ولا أمره، ولا نهيه، إلا إذا كان فاعلاً قادراً على الفعل والترك، ولهذا لا يلوم الحجر الهاوي من أعلى إلى أسفل إذا ضر، ولا يشكره إذا نفع ..
وأما القرآن فمن أوله إلى آخره ينادي بهدم هذه المقالة، منها قوله تعالى: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) (1)، وأما الحديث: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) (2)، وأما الإجماع فالسَّلف قاطبة يرون العبد فاعلاً حقيقة لا يشذ منهم واحد.
وهذا مذكور في كتاب (خلق أفعال العباد للبخاري، وغيره) (3).
وعقب إيراد ما سطّره أئمة الدعوة السلفية وأنصارها في مسألة دعاء الموتى، اتضح جلياً عظم شأن الدعاء، وأنه من آكد العبادات وأهمها وأعلاها قدراً، وأن الدعاء عبادة يجب أن لا تصرف إلا لله وحده. فمن خالف ذلك، ودعا الأموات والغائبين فقد صرف هذه العبادة العظيمة إلى غير مستحقها، فوقع في الشرك الأكبر المخرج عن دين الإسلام، وإن كان يعتقد أثناء دعاءه للموتى، أن الله هو الخالق المؤثر وبيده – سبحانه – النفع والضر، فإن هذا لن ينفعه كما لم ينفع مشركي العرب ممن قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يعترفون ويقرون بما يقر به طالبوا الحاجات من الموتى، من إقرار بتوحيد الربوبية.
كما ظهر – في ثنايا هذا الفصل – الجواب والرد على دعواهم بعدم التفرقة بين الحي والميت، إما على حسب ظنهم، لأن الموتى لهم حياة حقيقية في قبورهم كالأحياء في دنياهم، أو عدم التفريق بينهما؛ لأن المؤثر والفاعل هو الله وحده، وليس للميت ولا للحي فعل أو تأثير.
كما تبين – أيضاً – بطلان تلبيسهم في التفرقة بين الدعاء والنداء ولله الحمد والمنة.
(3) (تيسير العزيز الحميد)، ص 219، باختصار يسير .
(1) (فصل الخطاب)، ق 60.
(2) المرجع السابق، ق 19، انظر : ق 27.
(3) المرجع السابق، ق 53.
(4) (مصباح الأنام)، ص 26.
(5) المرجع السابق، ص 54.
(6) المرجع السابق، ص 62.
(7) (لفحات الوجد)، ق 18.
(1) المرجع السابق، ق 20.
وقد تضمنت رسالة (في الرد على الوهابية) لعبد الله بن بلفقيه العلوي أدلة كثيرة استدل بها العلوي على أن الشرك في الدعاء ليس بشرك أكبر، والرسالة المذكورة عبارة عن محاورة جرت بين هذا العلوي وبين بعض أتباع الدعوة السلفية سنة 1211هـ، كما ذكر ذلك العلوي في مقدمة رسالته.
(2) انظر (المنحة الوهبية)، ص 4.
(3) المرجع السابق، ص 6.
(4) المرجع السابق ص 15.
(5) المرجع السابق، ص 25.
(6) المرجع السابق، ص 25.
(7) انظر : (إزهاق الباطل)، ق 75، 76 باختصار.
(1) المرجع السابق، ق77، باختصار.
وانظر : أدلته على إثبات حياة الموتى، ق 77 – 82.
(2) انظر : (الدرر السنية) ص 13، 14، 17.
(3) سورة النور : آية 63.
(4) (الدرر السنية)، ص 34.
(5) (سعادة الدارين)، 1/151.
(6) المرجع السابق، 1/341.
ونقل السمنودي بعض ما سطّره ابن جرجيس في مسألة سماع الموتى وتزاورهم وتصرفهم بعد موتهم، وزاد عليه. انظر : (سعادة الدارين)، 1/335، 336.
(1) سورة القصص : آية 15.
(2) سورة يوسف : آية 42.
(3) (البراهين الجلية)، ص 27، باختصار.
(4) انظر : المرجع السابق ص 24 – 27.
(5) سورة الأنفال : آية 64.
(6) (البراهين الجلية)، ص 33 ،34.
(7) سورة آل عمران : آية 61.
(8) (البراهين الجلية)، ص 39 ،40.
(9) انظر (شواهد الحق)، ص 98 – 121.
(10) المرجع السابق، ص 116، باختصار.
(1) (الفجر الصادق)، ص 54.
(2) المرجع السابق، ص 68.
(3) (المقالات الوفية) (تقريظ الدجوي تلك المقالات...) ص 223 ،224 بتصرف يسير.
وانظر ما كتبه الدجوي في مجلة نور الإسلام، المجلد الأول، مقال حكم التوسل بالنبي، ص 589.
والمجلد الثاني، مقال التوسل وجهلة الوهابيين، ص 30.
(4) المرجع السابق، نفس الصفحات.
(5) (رسالة في حكم التوسل بالأنبياء والأولياء) (ضمن مجموعة كتب) ص 173 بتصرف يسير.
(6) المرجع السابق، ص 175.
(7) (النقول الشرعية)، ص 113.
(1) (كشف الارتياب)، ص 269.
(2) المرجع السابق، ص 278.
وقد جعل العاملي في كتابه المذكور ثلاثة فصول، الأول في حياة النبي بعد موته، والثاني في حياة سائر الأنبياء والشهداء، والثالث في حياة سائر الناس (انظر : (كشف الارتياب)، ص 109-114).
وكان العاملي بتلك الفصل، يقلد أسلافه من أمثال جعفر النجفي الذي اتخذ تلك الفصول (انظر : كتابه (منهج الرشاد)، ص 51-55)، وقد ادعى جعفر النجفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره يسمع الكلام، ويرد الجواب كما في حياته، غير أن الله حبس سمع الناس إلا قليلاً من الخواص.
(3) المرجع السابق، ص 45 – 47 باختصار.
(4) تبيين الحق والصواب، ص 18.
(5) سورة البقرة : آية 154.
(6) نقلاً عن : (تدمير أباطيل محمد بن أحمد نور)، ص74.
(7) (قوة الدفاع والهجوم)، ص 12، 13 بتصرف يسير. وانظر : كتاب (الحقائق الإسلامية)، ص 39.
(1) (مجموعة مؤلفات الشيخ، 1/42.
(2) سورة الجن : آية 18.
(3) (مجموعة مؤلفات الشيخ)، 1/388، 389، باختصار.
(4) (الهدية السنية)، ص 36، 37.
(5) انظر : كتاب (التوضيح عن توحيد الخلاق)، ص 307 – 312.
(1) سورة الإسراء : آية 56، 57.
(2) أي من الملائكة أو الأنبياء أو الصالحين.
(3) (الهدية السنية)، ص 54، 55 باختصار.
(4) (مجموعة الرسائل والمسائل)، 4 / 596.
(5) (تيسير العزيز الحميد)، ص227.
وانظر : الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء في بيان أن الاستغاثة بغير الله شرك أكبر يخرج عن دين الإسلام:
(تيسير العزيز الحميد)، ص 214 – 236.
(6) سورة الأحقاف : آية 5.
(1) (تيسير العزيز الحميد)، ص 239.
(2) سورة يونس : آية 31.
(3) (مجموعة الرسائل والمسائل)، 2/36.
(4) سورة الأحقاف : آية 5.
(5) (مجموعة الرسائل والمسائل)، 2/37.
(6) سورة الأنبياء : آية 26، 27.
(7) سورة النمل : آية 26، 27.
(8) (مجموعة الرسائل والمسائل)، 4/385 – 387 باختصار.
(1) (الدرر السنية)، 9/152 بتصرف يسير.
(2) سورة البقرة : آية 171.
(3) سورة الأنبياء : آية 76.
(4) سورة القمر : آية 10.
(5) (القول الفصل النفيس)، ص 29، 30.
(6) (رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهما. وقال عنه ابن تيمية : إسناده جيد، وصححه ابن القيم في (جلاء الأفهام) عن كتاب (النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد)، ص121 باختصار.
(7) (مجموعة الرسائل والمسائل) 2 /128 باختصار.
(1) المرجع السابق، 2 / 242.
(2) سورة الأعراف : آية 188.
(3) سورة الجن : آية 21.
(4) (تأسيس التقديس)، ص 114.
(5) سورة مريم : آية 3.
(6) سورة الأنبياء : آية 87.
(7) (الانتصار)، ص 25.
(8) رواه البخاري.
(9) (إيقاظ الوسنان)، ق 26 باختصار.
(1) المرجع السابق، ص 11 باختصار.
(2) سورة الزمر : آية 30.
(3) سورة الزمر : آية 42.
(4) سورة الأنبياء : آية 35.
(5) رواه مسلم.
(6) (البراهين الإسلامية)، ق10 باختصار يسير.
(7) سورة فاطر : آية 13.
(8) (البراهين الإسلامية)، ق14، 15.
(9) رواه مسلم.
(10) (البراهين الإسلامية)، ق36، 37.
(1) (مجموعة الرسائل والمسائل)، 3/409.
(2) يقصد الشيخ عبد اللطيف بالتسوية بالله أي في ألوهيته وعبادته وليس في ربوبيته، لأن كفار مكة يقرون بتوحيد الربويية كما هو معلوم، انظر : تفصيل ذلك : (تيسير العزيز الحميد)، ص469.
(3) أي ابن حجر الهيتمي في كتابه (الأعلام بقواطع الإسلام).
(4) (دلائل الرسوخ)، ص 79 باختصار.
(5) (مصباح الظلام)، ص 252.
(1) سورة آل عمران : آية 169.
(2) رواه مسلم.
(3) سورة المائدة : آية 117.
(4) (مصباح الظلام)، ص 291.
(5) سورة الزمر : آية 30.
(6) (مصباح الظلام)، ص 249.
(7) سورة الكهف : آية 52.
(8) سورة الأنبياء : آية 83.
(9) سورة الأنبياء : آية 76.
(10) سورة القمر : آية 10.
(11) سورة آل عمران : آية 38.
(1) رواه أحمد والترمذي والنسائي.
(2) (دلائل الرسوخ)، ص 81، 82.
(3) (الدرر السنية)، 1/274، 275 باختصار يسير.
(4) سورة مريم : آية 2، 3، وجزء من آية 4.
(5) سورة آل عمران : آية 38.
(1) سورة الأنبياء : آية 87.
(2) رواه أحمد والترمذي والنسائي.
(3) (الرد على شبهات المستعينين بغير الله،) ص14، 15 باختصار.
(4) (تتمة منهاج التأسيس)، ص 379، وانظر : ص347، 348، وانظر : كتاب (غاية الأماني)، 1/256.
(5) (كشف غياهب الظلام)، ص 303 بتصرف يسير.
(6) (الصواعق المرسلة الشهابية)، ص 62.
(1) (البيان المفيد)، ص 6.
(2) سورة الزمر : آية 3.
(3) خطاب ابن بلهيد أثناء اجتماع علماء الحجاز ونجد، ص 17.
(4) جريدة أم القرى، عدد 285.
(5) سورة البقرة : آية 154.
(6) يقصد محمد بن أحمد نور، وسبق نقل قوله.
(7) (تدمير أباطيل محمد بن أحمد نور)، ص 74، بتصرف يسير.
(1) سورة النساء : آية 79.
(2) رواه مسلم.
(3) (البروق النجدية)، ص 82 باختصار.
|