بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنار للأمة المحمدية السبيل بأئمة الدين, وأخبت نار الفتن بالعلماء العاملين ،وجعلهم حملة لراية سيد الأولين والآخرين, بهم يتبدد ظلام الغواية والضلال وينتهي إلى زوال , أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلاالله وحده لا شريك له , وأن سيدنا محمد عبده ورسوله سيد السادات وإمام أهل السعادات , أخبر عن الفتن وحملتها وجعل النجاة منها التمسك بكتاب الله وسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.
أما بعد
قبل الاستطراد لابد من ذكر تعريف الحفاظ والمحدثين لمعنى البدعة والمحدثة وما هو المراد بها وما هي أقسامها من بيان شيئاً منها والله المستعان.
أولاً: تعريف البدعه عند المحدثين
- يقول الإمام النووي شارح صحيح مسلم رحمة الله في كتابه ( تهذيب الأسماء واللغات ) عند تعريفه للبدعة ما نصه ( البدعة بكسر الباء في عرف الشرع هى إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)
وقال في نفس المرجع قال أهل اللغة (هي كل شيء عمل على غير مثال سابق)
- و يقول أميرالمؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني شارح صحيح البخاري عند شرحه لهذا الحديث ما نصه :- ( وكل مالم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم يسمى بدعه)
- وقال الفيومي في المصباح ما نصه ( إبدع الله تعالى الخلق إبداعا . خلقهم لا على مثال وأبدعت الشيء وابتدعته استخرجته وأحدثته)
- وقال الحافظ ابن رجب في شرحه (والمراد بالبدعة ما أحدث ممالا أصل له في الشريعة يدل عليه ،وأما ما كان له أصلمن الشرع يدل عليه ،فليس ببدعه شرعا ،وان كان بدعه لغة0).
وعليهِ يُقال هذا الرجل مبدع أو مبتدع أي أنه أخترع شيء لم يكن على مثال سابق , ويقال فلان اختلق هذه الفكرة أي ابتدعها بأعمال الفكر فيها, ومنها قوله تعالى ( بديع السموات والأرض) أي خالقهما ابتداء على غير مثال سابق. ومنها قوله تعالى ( قل ما كنت بدعاً من الرسل)أي لست أول من أبتدع هذه الدعوة أو أول من جاءه الوحي,فهذا تعريف البدعة عند ألائمه باختصار شديد.
ثانياً: تعريف الأمر المحدث
يقول الحافظ ابن حجر في الفتح ( والمحدثات-بفتح الدال- جمع محدثه, والمراد بها ما أحدث وليس له أصل يدل عليه في الشرع - ويسمى في عرف الشرع بدعه - وما كان [ محدثا ً] وله أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعه. فالبدعه في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فان كل شيء أحدث على غير مثال سابق يسمى بدعه سواء كان محموداً أو مذموماً)اهـ
وروى البيهقي في مناقب الشافعي عنه, قال: ( المحدثات ضربان: ما حدث مما يخالف كتاباً أو سنه أو أثر أو أجماعاً, فهذه بدعه الضلال. وماأحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا, فهذه محدثه غير مذمومة ). أهـ
وقال الحافظ أبو بكر ابن العربي المالكي في شرحهِ على سنن الترمذي ما نصه: [ السابعة قوله ( وإياكم ومحدثات الأمور) أعلموا علمكم الله أن المحدث على قسمين: محدث ليس له أصل إلا الشهوة والعمل بمقتضى الإرادة فهذا باطل قطعاً ( أي وهو البدعة الضلالة) ومحدث يحمل النظير على النظير فهذه سنة الخلفاء والأئمة الفضلاء . قال وليس المحدث والبدعة مذمومان للفظ-محدث وبدعه- لا لمعناهما فقد قال الله تعالى( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) , وقال عمر نعمت البدعه, وإنما يذم من البدعة, ما خالف السنة ويذم من المحدث ما دعا إلى ضلاله ] .اهـ
وبمثل قوله هذا قال القرطبي كما نقله السيوطي في حاشيتهِ على النسائي, فيستنتج مما سبق من تعريف أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) استحباب إحداث كل ما له أصل في الشرع وذلك بخلاف ما يفهمه المتنطعون. وعلى ضوء ما سبق ذكره للقاعدة الأصولية من منطوق الحديث ومفهومه, يقول الحافظ ابن رجب ( أن هذا الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود,ويدل بمفهومه أن كل عمل عليه أمر الشارع فهو غيرمردود)
وقد يقول المخالف إن قول ابن رجب ( إن كل عمل عليه أمر الشرع ) المرادبه هو أن الرسول عليه الصلاة والسلام عمله في حياته أو أقر به أحدً من أصحابه.
فنقول إن هذا الاستدلال باطل من جميع الوجوه كما سبق تقريره بأقوال أهل العلم .
قال الإمام الشافعي ( كل ما له مستند من الشرع,فليس ببدعه ولو لم يعمل به السلف.لأن تركهم للعمل به, قد يكون لعذر قام لهم في الوقت, أو لما هو أفضل, أو لعلة لم يبلغ جميعهم علم به)
ففي الصحيحين عن خالد بن الوليد أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة, فأتُي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقيل : هو ضب يا رسول الله, فرفع يده, فقلت: أحرام هو يارسول الله ؟ فقال ( لا ولكن لم يكن في أرض قومي فأجدني أعافه), قال خالد, فاجتررته فأكلته والنبي ينظر .
ففي الحديث دليل للقاعدة الأصولية: أن ترك النبي للشيء لايقتضي التحريم وقد أستدل به بعضهم لذلك فيقال في جوابه:
لما رأى الصحابي الجليل خالد إعراض النبي عن الضب بعد أن أهوى إليه ليأكل منه, حصل عنده شبه فسأل , وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم له مؤيداً للقاعدة, مؤكداً لعمومها في أن ترك النبي ولو بعد الإقبال عليه لا يفيد تحريمه.
وقال ابن العربي المالكي ( ليست البدعة والمحدث مذمومين للفظ بدعه ومحدث ولا معناهما, وإنما يذم من البدعة ماخالف السنة ويذم من المحدثات ما دعى الى الضلالة)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح( هذاالحديث معدود من أصول الإسلام, وقاعدة من قواعده, فإن معناها: من أخترع في الدين مالا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه. )