عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24-08-2010, 09:58 AM
العابد لله العابد لله غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 493
معدل تقييم المستوى: 16
العابد لله is on a distinguished road
افتراضي الرد على فتوى تحليل الغناء


الجواب عن الشُبه التي تعلق بها المؤلف لإباحة الغناء

ثم نقل المؤلف : عن الغزالي أنه ذكر في كتاب الإحياء أحاديث غناء الجاريتين ولعب الحبشة في مسجده - صلى الله عليه وسلم - وتشجيع النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بقوله : (دونكم يا بني أرفدة) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لـ عائشة : تشتهين أن تنظري ووقوفه حتى تمل هي وتسأم ولعبها بالبنات هي مع صواحبها ، ثم قال : فهذه الأحاديث كلها في الصحيحين ، وهي نص صريح في أن الغناء واللعب ليس بحرام ... إلخ ما نقل .

والمؤلف موافق للغزالي في استدلاله بهذه الأحاديث على إباحة الغناء مطلقا ؛ لأنه ساق كلامه مستشهدا به ومقررا له ، ولا يخفى أن هذه الأحاديث لا تدل بوجه من الوجوه على إباحة الغناء ، وإليك بيان ذلك :

أما حديث لعب الحبشة فليس فيه ذكر الغناء أصلا إنما فيه أنهم كانوا يلعبون بحرابهم ودرقهم ، وذلك جائز ، بل قد يكون مستحبا لما فيه من التدريب على استعمال آلات الحرب والتمرن على الجهاد .

قال النووي - رحمه الله - في شرح صحيح مسلم ( 6-184 ) فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد . ا هـ .

وقد ترجم عليه البخاري في صحيحه : ( باب الحراب والدرق يوم العيد )

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 2-304 ) واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه ، واستنبط منه جواز المثاقفة ، لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب . ا هـ .

هذا ما فهمه هؤلاء الأئمة الأجلاء من حديث لعب الحبشة ، وهو الذي دل عليه الحديث لا ما فهمه الغزالي والمؤلف . والله أعلم

وأما حديث غناء الجاريتين فلا دلالة فيه أيضا على إباحة الغناء ؛ لأنه يدل على وقوع إنشاد شيء من الشعر العربي في وصف الحرب من جاريتين صغيرتين في يوم عيد . قال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين ( 1-493 ) : وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية بغناء بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة صبية في يوم عيد وفرح بأبيات من أبيات العرب ، في وصف الشجاعة والحروب ، ومكارم الأخلاق والشيم ، فأين هذا من هذا ؟ والعجب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم ، فإن الصديق الأكبر رضي الله عنه سمى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان ، وأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذه التسمية ، ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين ، ولا مفسدة في إنشادهما ، ولا استماعهما ، أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى ؟ فسبحان الله كيف ضلت العقول والأفهام ؟ ا هـ .

وقال ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس صفحة ( 217 ) : والظاهر من هاتين الجاريتين صغر السن ؛ لأن عائشة كانت صغيرة ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسرب إليها الجواري فيلعبن معها ، ثم ذكر بسنده عن أحمد بن حنبل أنه سئل أي شيء هذا الغناء قال غناء الركب : أتيناكم أتيناكم ، ثم قال ابن الجوزي في صفحة ( 229 ) من الكتاب المذكور : أما حديث عائشة رضي الله عنها ، فقد سبق الكلام عليهما ، وبينا أنهم كانوا ينشدون الشعر ، وسمي بذلك غناء لنوع يثبت في الإنشاد وترجيع ، ومثل ذلك لا يخرج الطباع عن الاعتدال ، وكيف يحتج بذلك في الزمان السليم عند قلوب صافية على هذه الأصوات المطربة الواقعة في زمان كدر عند نفوس قد تملكها الهوى ، ما هذا إلا مغالطة للفهم ، أوليس قد صح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن المساجد ، وإنما ينبغي للمفتي أن يزن الأحوال ، كما ينبغي للطبيب أن يزن الزمان والسن والبلد ، ثم يصف على مقدار ذلك ، وأين الغناء بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث من غناء أمرد مستحسن بآلات مستطابة ، وصناعة تجذب إليها النفس ، وغزليات يذكر فيها الغزال والغزالة والخال والخد والقد والاعتدال . فهل يثبت هناك طبع ؟ هيهات ، بل ينزعج شوقا إلى المستلذ ، ولا يدعي أنه لا يجد ذلك إلا كاذب أو خارج عن حد الآدمية ... إلى أن قال : وقد أجاب أبو الطيب الطبري عن هذا الحديث بجواب آخر ، فأخبرنا أبو القاسم الجريري عنه أنه قال : هذا الحديث حجتنا ؛ لأن أبا بكر سمى ذلك مزمور الشيطان ، ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر قوله إنما منعه من التغليظ في الإنكار لحسن رفعته ، لا سيما في يوم العيد ، وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت ، ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء ، وقد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه ، وقد أخذ العلم عنها . ا هـ .

وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 6-182 ) قال القاضي : إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة ، وهذا لا يهيج الجواري على شر ، ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه إنما هو رفع الصوت بالإنشاد ، ولهذا قالت وليستا بمغنيتين ، أي ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى ، والتعريض بالفواحش ، والتشبيب بأهل الجمال ، وما يحرك النفوس ، ويبعث الهوى والغزل ، كما قيل الغناء فيه الزنا ، وليستا أيضا ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ، ويبعث الكامن ، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا ، والعرب تسمي الإنشاد غناء . ا هـ .

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 2-442-443 ) : واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب ( يعني حديث غناء الجاريتين ) على إباحة الغناء وسماعه ، بآلة وبغير آلة ، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها : ( وليستا بمغنيتين ) فنفت عنهما بطريق المعنى ما أثبته لهما اللفظ ؛ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه الأعراب النَّصْب بفتح النون وسكون المهملة ، وعلى الحداء ، ولا يسمى فاعله مغنيا ، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق ، بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح ، قال القرطبي : قولها ( ليستا بمغنيتين ) أي ليستا ممن يعرف بالغناء ، كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك ، وهذا منها تحرز من الغناء المعتاد عند المشتهرين به ، وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن ... إلى أن قال : وأما التفافه - صلى الله عليه وسلم - بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك ، لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره ، إذ لا يقر على باطل ، والأصل التنزه عن اللعب واللهو ، فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل . والله أعلم . ا هـ .

فاتضح من هذه النقول عن هؤلاء الأئمة في معنى هذا الحديث أنه لا يدل بوجه من الوجوه على ما ادعاه الغزالي والمؤلف القرضاوي من إباحة الغناء مطلقا . والله أعلم .

وقول المؤلف : وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم استمعوا الغناء ، ولم يروا بسماعه بأسا . هذا دعوى منه ونحن نطالبه بإبراز الأسانيد الصحيحة إلى هؤلاء الصحابة والتابعين بإثبات ما نسبه إليهم [1] وأن هذا الغناء المنسوب إليهم استماعه هو من جنس ما يغني هؤلاء من إلهاب النفوس الباعث على الوجد والغرام ، والمشتمل على أوصاف المحاسن من النساء ، وأنى له ذلك ومجرد الدعوى لا يثبت به حكم .

والدعاوى إذا لم يقيموا بينات --- عليهــا أهلهـا أدعيــاء

اعتراض المؤلف على أدلة تحريم الغناء والجواب عنه


يلاحظ على المؤلف في هذا الموضوع قوله عن أدلة تحريم الغناء : ( وأما ما ورد فيه من أحاديث نبوية فكلها مثخنة بالجراح لم يسلم منها حديث من طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه ) .

ونجيب عن قوله هذا من عدة وجوه :

الوجه الأول : أن نقول إن أدلة تحريم الغناء ليست مقصورة على الأحاديث فقط ، بل هناك أدلة على تحريمه من القرآن الكريم منها قوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآية ، وقد تقدم الكلام عليها . ومنها قوله تعالى : {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} الآية عن مجاهد قال : استزل منهم من استطعت . قال وصوته الغناء والباطل . قال ابن القيم في إغاثة اللهفان : وهذه الإضافة إضافة تخصيص ، كما أن إضافة الخيل والرجل إليه كذلك . فكل متكلم في غير طاعة الله أو مصوت بيراع أو مزمار أو دف حرام أو طبل فذلك صوت الشيطان . وكل ساع في معصية الله على قدميه فهو من رجله ، وكل راكب في معصية الله ، فهو من خيالته ، كذلك قال السلف ، كما ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس : ( قال رجله كل رجل مشت في معصية الله . ا هـ ) [من إغاثة اللهفان .]

ومنها قوله تعالى : {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قال عكرمة عن ابن عباس السمود الغناء في لغة حمير يقال اسمدي لنا أي غني ، وقال عكرمة كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا فنزلت هذه الآية ، وقال ابن كثير - رحمه الله - وقوله تعالى : {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قال سفيان الثوري عن أبيه عن ابن عباس قال : الغناء - هي يمانية - اسمد لنا : غن لنا وكذا قال عكرمة . ا هـ إلى غير ذلك من الآيات .

الوجه الثاني : أن نقول للمؤلف من هم فقهاء الحديث وعلماؤه الذين طعنوا في الأحاديث الواردة في تحريم الغناء سمهم لنا ، هل هم البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي والنسائي ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وأمثالهم من أئمة الجرح والتعديل ، أم هم ناس غير هؤلاء ممن يبيح الغناء ؟ [1]

الوجه الثالث : أن نقول للمؤلف إن الأحاديث الواردة في تحريم الغناء ليست مثخنة بالجراح ، كما زعمت ، بل منها ما هو في صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله . ومنها الحسن ومنها الضعيف ، وهي على كثرتها وتعدد مخارجها حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم الغناء والملاهي [2]
رد مع اقتباس